ثقافة وفنون

الروائية كريمة أحداد: لا نزال في حاجة لأعمال أدبية وفلسفية تكتبها نساء

الروائية كريمة أحداد: لا نزال في حاجة لأعمال أدبية وفلسفية تكتبها نساء

ماجدة أيت لكتاوي

الرباط ـ   تتحدث الكاتبة والروائية المغربية الشابة كريمة أحداد ضمن حوارها مع «القدس العربي»، عن بداياتها في عالم الأدب، مؤكدة أنها بدأت الكتابة في عمر صغير جدا، وكانت لديها محاولات كثيرة لكتابة نصوصٍ طويلة قبل أن تُصدر روايتها الأولى «بنات الصبّار» (2018)، التي حصلت على جائزة محمد زفزاف للرواية باللغة العربية عام 2020، تبِعَتها «حلم تركيّ» (2021)، ثمّ «المرأة الأخرى» التي صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط بإيطاليا.
وكشفت الروائية المقيمة في إسطنبول، والفائزة مؤخراً بجائزة «قصص ومضية» باللغة العربية عن قصتها القصيرة «شوكة رفيعة تحفر عميقاً في قدمي»، أنها درست الإعلام ثمّ تخصصت في «الاتصال السياسي»، وعمِلت في الصحافة، لكنّها أدركتْ سريعاً أنّ الشيء الذي أرادته دائماً هو أن تكون كاتبة، وأن علَيها أن تجعل من هذا الحلمِ العملَ الأكثر جدّيةً في حياتها.
*رواية «المرأة الأخرى» هي آخر إصداراتك. من هي هذه المرأة؟ وما ملامح شخصيتها؟
ـ تحكي رواية «المرأة الأخرى» قصة شهرزاد، وهي شابةٌ تعمل محرّرةً في دار نشر في الدار البيضاء، وتحلم أن تصبح كاتبة. نتتبّع معها تحوُّلَ حياتِها الرتيبة التي يطبعها الإحباط والحزن إلى حياةٍ مليئة بالجنون والأدرينالين، حين تجد نفسَها فجأةً مهووسةً بحبيبة زوجها السابقة. وفي خضمِّ ملاحقاتِها لهذه المرأة، نتعرّف إلى نساء أخريات أثَّرن في حياة شهرزاد وشخصيتها، نكتشف عبرهنّ كثيراً من الأسرار والخبايا عن حياة النساء في المغرب. البحثُ عن الحبّ، شغفُ الكتابة، العلاقات السامّة، المرض النفسي، شكّلت أهمّ ثيمات الرواية، بالإضافة إلى المطاردة على مواقع التواصل الاجتماعي (stalking) والفساد الذي يطبع الحياة الثقافية، تتنقلّ شهرزاد بين هذه الموضوعات وهي تروي تفاصيل حكايتِها المفعمة بالغضب والألم، باحثةً عن شفائها وخلاصِها.
*رواياتك الثلاث «بنات الصبّار» و»المرأة الأخرى» و»حلم تركيّ» جميعهنّ يجعلن من المرأة محور الأحداث، لماذا هذا الاهتمام وهذا التوظيف؟
ـ هذا صحيح، النساءُ هنّ الشخصيات المحورية في أعمالي الروائية الثلاثة، شهرزاد في المرأة الأخرى، وإيمان في حلم تُركيّ، ولويزا وصونيا وشاديا وأخريات في بنات الصبّار. يسحرُني عالم النساء بشكلٍ كبير، كونه ما يزال مكاناً غريباً يحتوي أقبيةً سرّية ومناطق مظلمة أظنّ أن الأدب لم يتطرّق لها بشكلٍ كافٍ، بالإضافة إلى ذلك، لديّ إيمانٌ عميقٌ بأنّ ثمة تجاربَ وعواطف نسائية تُتقِن النساء التعبير عنها بشكلٍ أفضل. أجدُ أنه من المدهش حقاً أنّ الكاتباتِ دائماً ما يُسأَلن عن جعل النساء، أو مواضيع تتعلق بحياة النساء، محاور لكتاباتهنّ، في الوقتِ الذي لا يُسأَل فيه الكتّابُ الذكورُ عن جنس شخوصهم. أرى أننا ما نزال في حاجةٍ لأعمال تكتبها نساء، ليس في الأدب فقط، بل في الفلسفة والعلوم الإنسانية أيضا. كتابةُ النساء عن العالم وعن أنفسهنّ مقاومةٌ للنظرة الأحادية التي تشكّلت لزمنٍ طويل عن عالمنا والأشياء من حولنا، وإعادةُ صوغٍ للسرديات المجتمعية عن النساء، إضافة إلى ذلك، أؤمن أنّ خلق شخصياتٍ نسائية معقّدة ومتعددة الأبعاد هو تكسيرٌ للصور النمطية التي تكوّنت عنهنّ عبر التاريخ.
*ما الانطباعات والرسائل التي تقدمينها عبر كتاباتك عن النساء المغربيات والمرأة عموماً؟
ـ أكثرُ ما يسحرُني في النصوص الأدبية عموماً هو أنها ليست نصوصاً جامدةً، ولا تحتمل قراءةً واحدةً فقط. دوري ككاتبة أن أروي القصص، وأطرح عبرها المواضيع والقضايا من زاويتي الخاصة، وللقارئ أن يُكَوّن انطباعاته عنها، ويعطيها الأبعاد التي يريد حسب رؤياه للعالم والأشياء. ككلّ كاتب لديّ آرائي الخاصّة، ووجهة نظري في العالم والحياة، وهذا قد يحكم اختياراتي للقصص وأساليب الكتابة، لكنّ قِراءات القرّاء لنصوصي واستيعابهم لها لا تعبّر بالضرورة عني، وإنما تجسّد انشغالاتهم واهتماماتهم وفهمهم الخاصّ للأشياء. ومع ذلك، فإنني أحاول، عبر كتاباتي، أن أقول إنّه لا وجود لشيء اسمه «المرأة المغربية»، بل «نساء مغربيات» مختلفات، متعدّدات، لكلّ واحدةٍ منهنّ ميزاتُها ونقائصها، جوانبُها المظلمة والمضيئة، آلامُها وأخطاؤها. نساء يعبّرن عن أنفسهنّ بطرق مختلفة، ويستحيل وضعهنّ في قالبٍ محدّد.  *ما التجارب والأشخاص الذين يلهمونك من أجل الكتابة عن النساء وقصصهنّ وقضاياهنّ وتقديم طريقة رؤيتهنّ للعالم؟
ـ كبُرت في وسط كانت النساء فيه هنّ اللواتي يروين الحكايات، وكنّ يفعلن ذلك بصبرٍ وشغفٍ ودقة. أحياناً كنّ يحكين أشياء حدثت فعلاً، لكنّ كلّ واحدةٍ منهنّ كانت تحكيها من زاويتِها الخاصّة، وبأسلوبِها الخاصّ. سحرتني عوالم النساء الحقيقية، ومجالسهنّ وأسرارهنّ وأحاديثهنّ وحيلهنّ، وعندما كبرت وتوسّعت قراءاتي واهتمامي بالأدب، بدأتُ أكتشف نصوصاً كتبها رجال ونساء (خاصةً في الشرق الأوسط وشمال افريقيا) تقدّم شخصياتٍ نسائية بعيدة كل البعد عن الواقع، ليس من منطلَق الإبداع والخيال المدهش، وإنما من منطلق إعادة إنتاج صورٍ نمطية واستيهاماتٍ قديمة، وهو في نظري، كسلٌ إبداعيّ وقصورٌ وعدم قدرةٍ على الخلق والإبداع. وهذا لا يقتصر على الشخصيات النسائية فقط بالمناسبة، بل يشملُ الشخصيات الرجالية أيضاً.  أرى نفسي الآن طفلةً صغيرة تلهو في مجلس نسائيّ، تستمع إلى أحاديث النساء وتسجّلها، بحزنِها وبوحها الجريء واعترافاتِها الشُّجاعة بالأخطاء ولحظات الندم فيها ونكتِها الفجّة وقهقهاتِها وآلامها. الواقع هو مصدرُ إلهامي.
*فزتِ مؤخراً بجائزة قصص ومضية باللغة العربية عن قصتك القصيرة «شوكة رفيعة تحفر عميقاً في قدمي»، كيف استقبلتِ هذه الجائزة؟
ـ جائزةُ القصص الومضية التي تنظمها «آراب ليت» و»كومة كشاكيل» هي فعلاً جائزةٌ مهمّة، كونُها تمنح كتّاباً ناطقين باللغة العربية فرصة ترجمة نصوصهم إلى اللغة الإنكليزية، ونشرِها، كما تكلّف فنانين صوتيين محترفين بتسجيلها ونشرها على منصات صوتية مهمة مثل Spotify وApple Podcast. هذه السنة، شارك أكثر من ثمانمئة كاتبٍ ناطق باللغة العربية من مختلف أنحاء العالم في هذه المسابقة، وأن يتمّ اختيارُ نصّي من بين كلّ هذه النصوص ليكون ضمن الفائزين هو مصدر سعادةٍ ومدعاةُ فخرٍ لي. وبالمناسبة، فالقصة القصيرة هي واحدةٌ من أصعب الأجناس الأدبية، إذ عليكَ أن تقول أشياء كثيرةً في حيّز ضيّق، وأن تعبّر عن أشياء معقّدة بأقلّ قدرٍ ممكنٍ من الكلمات. قصّتي «شوكةٌ رفيعةٌ تحفر عميقاً في قدمي» تحاول الإمساك بقضية إنسانيةٍ بالغة التعقيد، وهي العلاقةُ بين الآباء والأبناء، من خلال قصّة امرأةٍ مطلّقة وأبيها المصاب بمرض الزهايمر. ستُنشَر القصّةُ قريباً على موقع ومجلّة ArabLit الأدبية بالعربية والإنكليزية.
*هل تنتصرين لما يُسمى «الأدب النسائي»؟ وهل يمكن إخضاع الأدب لما يُسمى ثنائية امرأة/رجل؟
ـ لا أحبّ إخضاع الأدب لهذه التصنيفات، مع أنني لا أدرك جيداً المقصود بالأدب النسائي. ما يهمّني هو جودةُ النصّ وتماسك القصة وقوة الشخصيات بغضّ النظرِ عن جنسِها. هناك كتّابٌ رجال نجحوا في خلق شخصياتٍ نسائية قوية ومتماسكة ومقنِعة أكثر من كاتباتٍ نساء كلّ ما فعلنه هو إعادة إنتاج صورٍ نمطية عن النساء. وإذا كان المقصودُ بـ»الأدب النسائي» هو النصوص التي تكتبها نساء عن شخصيات نسائية، فلماذا لا نسمّي النصوص التي يكتبُها الرجال عن شخوص رجالية بـ»الأدب الرجالي»؟

«القدس العربي» :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب