فيلم «جحيم 2»… فبركة الأكشن على الطريقة المصرية الموفرة!
كمال القاضي
في عام 1989 حاول الفنان الراحل سمير صبري تقديم تجربة سينمائية مُختلفة تسمح له بالبطولة المُطلقة، فأنتج فيلم «جحيم تحت الماء» الذي أخرجه المخرج نادر جلال، وتصور سمير صبري آنذاك أن الأحداث المأخوذة عن قصة الكاتب الأمريكي ثورنتون وايلدر، سيكون لها على الشاشة تأثير القصة المكتوبة نفسه، فعهد بالبطولة إلى ليلى علوي وعادل أدهم، قاصداً تحقيق المُعادلة الصعبة بين اللون الرومانسي العاطفي والأكشن، الذي يُناسب جمهور الدرجة الثالثة الذي يدفع عادة فواتير التكلفة الإنتاجية في الأفلام التجارية المتواضعة.
وبعد أن انتهت تجربة جحيم تحت الماء بما لها وما عليها، تراءى للمُمثل والمُغني والمُنتج سمير صبري، أن بإمكانه تحسين الصورة السينمائية الباهتة والضعيفة لقصة وايلدر، فقام بإنتاج الجزء الثاني للفيلم تحت عنوان «جحيم 2» في عام 1990 وعهد بإخراجه إلى المخرج محمد أبو سيف واستبدل ليلى علوي كبطلة بمعالي زايد، داعماً إياها بالفنانة ليلى شعير كعنصر جذب للجمهور المُستهدف ، وتجنباً لأي خسارة متوقعة أفسح المجال للثلاثي الكوميدي، سُعاد نصر وأحمد بدير وعبد المنعم مدبولي فغير التركيبة الفنية للفيلم بذلك المزج غير المُستساغ بين الكوميديا والأكشن فحاد الفيلم عن مساره الطبيعي كتجربة قائمة على الإثارة والمُغامرة.
وبطريقته الخاصة حول السيناريست فيصل ندا الأحداث إلى فواصل كوميدية مُستهلكة ففقدت جزءا كبيراً من تأثيرها، وبدلاً من أن يتفاعل الجمهور مع المُغامرة السرية لاكتشاف الذهب في أعماق البحار، وتحدي البطل السوبر للعصابة الدولية بمفردة وجد نفسه مُحاصراً بمجموعة من الإفيهات التقليدية، التي ملّ منها لكثرة استخدامها بأساليب مُختلفة ومكررة!
وفي ظل ضياع الفكرة الأصلية وذوبانها داخل التفاصيل الساذجة، لم يجد المخرج محمد أبوسيف ما يُنقذ به فيلمه غير الكوميديا البلهاء فاعتمد عليها كعنصر أساسي، ومن ثم زادت مساحة التهريج والإسفاف بين أحمد بدير وسُعاد نصر من ناحية، وبين بدير نفسه وليلى شعير من ناحية أخرى، بينما بقي دور عبد المنعم مدبولي فارغاً تماماً من أي مضمون يُذكر، كوميدي أو تراجيدي، فبدا المُمثل المسرحي العملاق، كأنه ضيف شرف يتحدد تأثيره في الفيلم بأثر رجعي اعتماداً على اسمه وتاريخه فقط.
أما بقية المساحة الدرامية فقد تقاسمها كل من سمير صبري ومعالي زايد، كبطلان رئيسيان للحدوتة المُلفقة المُنسلخة عن النص الأدبي العالمي، وفي الخلفية باتت تظهر ظلال باهته بين الحين والآخر لنجم الشباك في زمانه الفائت، محسن سرحان فهو يظهر ويخبو ليقول جُملة أو جُملتين يتوعد بهما حسن أبو علي، الغواص الذي ينافسه على اكتشاف الذهب المغمور تحت الماء.
هكذا تم توزيع الأدوار وفق أهمية كل مُمثل داخل الحدث، حسب رؤية المخرج ومزاج المُنتج، أما القصة الحقيقية لكاتبها الأمريكي فقد ذهبت وقائعها أدراج الرياح، ولم يتبق منها سوى الرائحة المُتضمنة في موسيقى عمر خيرت، التي حذت حذو النص الأصلي للرواية، غير أن معالي زايد وهي الشريكة في البطولة والمُغامرة، أثبتت حضورها وتأثيرها بحكم نجوميتها وبوصفها علامة تجارية، ساهمت في تسويق الفيلم وتوزيعه على نطاق واسع وليس بفاعلية دورها وقدراتها التمثيلية. ففي كثير من المشاهد كان أداء الفنانة الراحلة، والنجمة الكبيرة سطحياً للغاية ومُضحكاً من فرط سذاجته واستخفافها هي شخصياً بما تؤديه، فما تم إسناده لها كان بإمكان أي مُمثلة مبتدئه القيام به على أكمل وجه.
وكذا كان دور سمير صبري نفسه، لا يعدو كونه محاولة يائسة للإقناع بقوة رأس المال بأنه بطل مُطلق ونجم شباك، رغم أنف المُحتجين والمُعترضين على توظيف رأس المال لتحقيق الطموحات الشخصية دون استحقاق.
وعلى هذا استمرت أحداث الفيلم على مدى ساعة ونصف الساعة تدور حول هذا المفهوم.. إن الفنان المُنتج مُمثل من العيار الثقيل وجدير به القيام بالمُغامرة المُستحيلة ومواجهة أفراد العصابة الخطيرين، أرباب السوابق الضالعين في الإجرام وحده اعتماداً على شجاعته ورباطة جأشه.
وليس أكثر إضحاكاً في الفيلم المُثير للسخرية من الطريقة التي حصل بها المدعو حسن أبو علي ملك الغطس على الديناميت اللازم لتفجير الصخور المُحيطة بالذهب في قاع البحر، حيث ذهب بصحبة البطلة ليخترقا حصون الرجال الأشداء المُدججين بالسلاح، وبضربة واحدة فقط على رأس أحدهم تمكنوا من الحصول على عدد وفير من أصابع الديناميت، ناهيك عن طريقة التسلل العجيبة للموقع المحمي كثكنة عسكرية بآلات ومعدات وحُراس من أشرس البشر، على حد وصف البطل الهُمام نفسه لأعدائه ومُجابهيه!
كل هذه النقاط من الضعف حتمت أن يتم التعامل مع الفيلم المُصنف أكشن كنوع سينمائي كوميدي باعث على الضحك، ليس بوجود الثلاثي عبد المنعم مدبولي وأحمد بدير وسُعاد نصر، ولكن لهزلية التناول وضعف المستوى والاستخفاف بعقلية الجمهور المُستهلك للبضاعة الرديئة وخداعه ببعض المُشهيات والتوابل الحريفة لزوم ما يلزم لترويج السلعة البائرة.
كاتب مصري