ثقافة وفنون

مثقفون ومبدعون يتصوّرون سوريا الغد: وطن لجميع أبنائه

مثقفون ومبدعون يتصوّرون سوريا الغد: وطن لجميع أبنائه

مثلما كانت المواقفُ من انتفاضةِ السوريين بدايةً من عام 2011 إشكاليَّةً ومثيرة لمواقف متضاربةً إزاءَ المنتفِضين ونظام الدولة ومؤسساتها بين مؤيِّد ومعارض وصامت ومرتهِن لجهة داخلية أو خارجيَّة؛ تفرَّقت أيضاً سُبُل ومواقف السوريين تجاه سقوط نظامٍ وحلولِ سلطة أمرٍ واقعٍ محلَّه، بينَ مشكِّكٍ ومؤيِّدٍ نقديٍّ ومؤيِّدٍ بالمطلَق ومعارضٍ وطنيٍّ ديموقراطي. إلا أن جميع هذه الأطياف عبَّرت عن تفاؤلٍ حذِر لحقن دماء السوريين.
ولا شكَّ في أنَّ الطاهر لبيب، عالم الاجتماع التونسي، المقيم في بيروت، على مسافة حجر من مجرى أحداث قلب الشام، لخَّص اللحظةَ أيَّما تلخيص وفي لغةٍ شديدة الكثافة، لما اكتسبه من حصافة في قراءة الواقع الملموس في تفاعلاته الاجتماعية والسياسية، ولما استوعبه من آليات السوسيولوجيا الفضَّاحة لمكامن الاستبداد مهما خَفِيَتْ، حين كتب على صفحته الشخصية على الفايسبوك: «الثورة نزعُ قناعٍ عن ممكنٍ تنكّر، زمناً، في صورة مستحيل. نزَع السّوريون هذا القناع، وهذا، في حدّ ذاته، إنجازٌ يُفرح كلّ من أراد لتاريخ العرب أن يتحرّك. لكن هناك «لكن» في الدّرس العربي: درسِ الممكن الماكر: قام بعض عرب هذا القرن بثورات لم يعرفوا ما يفعلون بها، فغيّرت أسماءها وفعلت بهم ما فعلت… معلومٌ أنّ مجتمع الثورة _ أيّة ثورة _ يُفرز أنبل ما فيه وأنّه قد يرُدّ على النّبل بأفسد ما فيه. لولا هذه الجدليّة الصعبة لنجحت كلّ الثورات. ومهما كان تأويل لماذا؟ وكيف؟ فممكنُ الثورة مشروطٌ بذكائها في إخراج الحيِّ من الميّتِ، وليس العكس…».
عكساً لبعض الآراء والمواقف تجاه هذه اللحظة السورية، قمنا بتجميع بعضها في تنوُّعه السياسي واختلاف توجُّهاته وميادين نشاطه، من دونَ أن نَسْتَكْتِبَ أحداً، بل باقتباسها كما هي، من دون تحويرٍ أو تغيير، من الصفحات والحسابات الشخصية لكاتبيها على منصّات التواصل الاجتماعي؛ مع الإشارة إلى أنَّ العناوين الملخِّصة للمواقف من صياغتنا.

ثائر ديب: فلسطين البوصلة

يتساءل بعض الترّهات عن موقفي وهل «كوّعت».
جواب:
1. لطالما كنت ضد الطغيان الذي دفعت ثمنه وعائلتي أفدح الأثمان ولم أهرب منه يوماً، وأنا سعيد بزواله (لا بقدوم سواه)، وسوف أكون ضد كل طغيان جديد من دون أن أهرب أيضاً، مهما كان الثمن.
2. أنا مع فلسطين، كنت وأبقى، لا بوصفها قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل بوصفها رمزاً للقضية الوطنية في المنطقة كلّها من تحرير الأرض إلى التنمية غير التابعة إلى العدل الاجتماعي.
3. أنا الذي أعلم ما بين قضايا الحرية والعدل من جهة، والوطنية من جهة أخرى، من انفصام بسبب بنى وطبيعة القوى الداعية إلى كل منها وتقود معاركها (حرية من دون وطن مستقل/ أو وطنية مع استبداد). هذا الانفصام هو السبب في الهزائم المتكررة لهذه القضايا جميعاً. ولذلك، ومن موقع الذين لا يقودون معارك هذه القضايا، فإنني لا أرتّبها في أولويات، وأختار الوقوف النقدي في صفّ مَن يخوضون المعركة الدائرة الآن هنا، فلا أضع تحرير الوطن عقبةً في وجه شعب ومناضليه وهم يخوضون معركة الحريات والديموقراطية، ولا أضع المطالبة بالحريات في وجه شعب ومناضليه وهم يخوضون معركة تحرير أرضهم.
4. المهم الآن في سوريا هو حقن الدم.
5. أكتب كل هذا، من وسط اللاذقية، في خليط من الفرحة لسقوط طاغية لم يحسن يوماً خوض معارك الوطن كما ينبغي، والألم لأصوات القصف الإسرائيلي على جبلة.
6. قبل أن يكون الوطني ديموقراطياً والديموقراطي وطنياً، سنظل إزاء الفصام الكارثي السابق الذي يولّد على هوامش هوامشه ترهات وغلماناً مثلكم، ليس يصعب على تدهور ملكاتهم العقلية فهم الأمر فقط، بل فيهم من الدناءة الأخلاقية ما يجعل الجواب هنا ليس ردّاً عليهم أو تفاعلاً معهم في حقيقة الأمر.
7. الجواب هنا هو إذاً للأصدقاء الأحبة والبشر الحقيقيين. أمّا جوابي لترّهات منافقة من أمثالكم فهو: فشرتم.
هذه هي المفارقة التي توقّعها المناضلون الوطنيون الديموقراطيون واليساريون الحقيقيون، وحاولوا تجنّبها منذ اليوم الأول لاحتجاج السوريين في عام 2011، بل قبل ذلك بكثير، منذ انقلاب الأسد الأب على رفاقه اليساريين الشرفاء في عام 1970 وقتلهم في السجون، وحملاته المتلاحقة المجنونة والجبانة على كل حزب أو فرد يساري ووطني ديموقراطي وعلى المجتمع بأسره، فقسم ظهر أي صمّام أمان للمجتمع والبلد الذي لم يأتمن عليه حتى حزبه (البعث الأسدي وليس البعث بعامة) ولا جيشه الأسدي (وليس الجيش بعامة) وأورث البلد لابنه المعتوه.
هذه المفارقة ــــ التي يرفع فيها شاب اضطهده النظام شارة النصر وهو يمر قرب آليات دمرها قصف إسرائيل ـــــ هو ما حاول الوطنيون الديموقراطيون اليساريون السوريون تجنيب البلد إيّاه كي لا نرى سوى الشاب ابن البلد رافعاً شارة النصر. وهي مفارقة يتحمّلها النظام المجرم مليون مرة قبل أن يتحمّلها مرة نوع من المعارضة استسهل طلب التدخل الخارجي وظنه الخلاص، وظن أنّ النضال السلمي لإطاحة النظام الوحشي أكبر كلفة من هزيمته بالسلاح وأبعد زمناً.
مع ذلك، هذا وقت إعادة اللحمة، والعمل، لإنقاذ البلد رغم كل شيء، والإبقاء على شارات نصر السوريين وحدها في الصورة.
يتحمل الثوار والمعارضون المدنيون في الخارج على اختلافهم، ولا سيما الشباب، المسؤولية الأكبر في لمّ الشمل الآن ووضع الرؤى والتصورات الأساسية من دون الاختلاف عليها كعادتهم، لأنهم في وضع أفضل على كل صعيد، بما في ذلك القدرة على التفكير ذاتها التي نكاد نفقدها. اللهم إلا إذا كانوا قد كفوا عن كونهم سوريين وثوّاراً.
كتب كثير منكم أن لا عودة إلا برحيل الأسد، ها هو قد انقلع. لا نطالبكم بأن تعودوا. فقط أسمعونا رنين حبكم الفاهم والمجدي لسوريا.
ملاحظات سريعة:
1. رغم عشرات آلاف ورشات التمكين والتعافي واليوم التالي التي أقيمت لناشطين سوريين في فنادق الدنيا، ورغم آلاف الوثائق التي صدرت عن هيئات ومنصات وأحزاب وهيئات دولية، تخصّ مستقبل سوريا بعد النظام المجرم، وتدور حول المبادئ فوق الدستورية والتعافي والعدالة الانتقالية والمرحلة الانتقالية الخ، لا يزال الجميع تقريباً، أفراداً وجماعات وتجمّعات، يخرجون على الناس ليرتجلوا مطالبهم أو ليرتّبوها حسب مخاوفهم الأنانية أو لينصحوا أو يقترحوا على نحو فيه من الإشكالات الخطرة الكثير ومن التنطّع الجاهل بخصوص ما يجب وما لا يجب.
2. يُضاف إلى ذلك من برزوا ليتحدثوا كممثلين لطوائف أو حتى كأفراد، وراحوا يطلبون ما يحلو لهم مما يسمّيه القانون «سلطة الأمر الواقع»، من دون أن يدركوا المعنى القانوني الدقيق لهذا المصطلح. فمنهم من طالبها بـ«إعادة النظر في وضع كل من عمل في جهاز النظام السابق العسكري والمدني» (أي إعادة النظر في سوريا كلها تقريباً) ومنهم من طالبها بـ«إصدار عفو عن كل ما مضى»!! والجميع يتعامل معها كأنّها المعنية الشرعية بتنفيذ كل ذلك وسواه، من تحديد الوجهة الاقتصادية للبلد إلى وضع دستور له.
3. التركيز على قضايا لا شك في أنها مهمة جداً (مثل ما يُذاع في الإعلام التابع للدولة والرايات التي تظهر في مؤسسات الدولة إلى جانب المسؤولين) لكن مع إهمال وعلى حساب ما هو أخطر مثل التوصيف القانوني للمسؤول نفسه، أو لمن يحق له في القوانين والأعراف الوطنية والدولية تغيير العلم أو النشيد الوطني الخ.
4. لا شك في أنّ كل هذه الظواهر ثمرةٌ فاسدة لنظام مجرم اغتصب البلد وقمع أهلها على مدى أربعة وخمسين عاماً، وثمرة للخوف المعشش المتمكّن، لكنها أيضاً ثمرة نوع بعينه من المعارضات لها توجهاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية التي هي في النهاية توجّهات النظام البائد نفسه، وتمثل ثورة مضادة لثورة الشعب السوري، شأنها شأن النظام.
5. من الظواهر المشينة، مع أنها مفهومة، «تكويع» كثيرين مكتفين بتبديل الصنم والرموز لا غير، أو بطرائق متذاكية توهّم أنّ أصحابها كانوا في المعارضة الأشد للنظام، مع أنهم لم يكونوا أكثر من رماديين أميل إلى النظام في أحسن الأحوال ومن منطلق مصلحي وأناني. ماشي الحال، لكن كونوا مع شعبكم ومصالحه، أفضل للجميع بما فيه أنتم.
6. تحاول جهات وأشخاص تحييد القرار 2254 على اعتبار أنّ الواقع تجاوزه لمجرد أن أحد أطرافه لم يعد موجوداً، كأن القرار يخصّ طرفين متصارعين ولا يخصّ الشعب السوري برمته، أو كأنه تسوية لخناقة بين فريقين لا يمثل كل منهما سوى نسبة محدودة من الشعب السوري.
المطالبة بتنفيذ القرار 2254 (الذي يجب على كل سوري قراءته وفهمه جيداً جدًّا) هي الردّ والحل الناجع لا للمرحلة الانتقالية السليمة فقط، بل لكل الظواهر المرتجلة السابقة، بما فيها البيانات الركيكة والأميّة والخطرة التي تنهمر علينا من خائفين أو من متسلقين كانوا بغير موقف أول البارحة فقط أو من بشر حسني النوايا لكنهم لا يحسنون التعبير، وأي تهاون فيه قد يشكل كارثة جديدة.
7. تحية كبيرة لكل من حافظ على السلم الأهلي، لا سيما سلطة الأمر الواقع التي من الضروري محاورتها ونقدها لا من الخارج فقط.
8. تشّكك كبير حيال كل من صمت ولو لساناً عن العدوان الإسرائيلي الأخطر، وأولها سلطة الأمر الواقع.
9. تشكّك مماثل حيال كل من يغري الناس بأنهار عسل «الاقتصاد الحر» (من دون أن يكون له حق تقرير ذلك بدلاً من الشعب نفسه بالطرائق المشروعة المعروفة).
10. القرار 2254 الآن هنا، من أجلنا جميعاً، بمن فينا أبناء ومقاتلو سلطة الأمر الواقع السوريين.

* كاتب ومترجم سوري مقيم في اللاذقية


منير الشعراني: من أجل دولة مدنية ديموقراطية

  • «الجولان سوري ويبقى» لمنير الشعراني
    «الجولان سوري ويبقى» لمنير الشعراني

فرحة ما بعدها فرحةٌ سقوطُ النظام، وكذلك خروج المغيبين والمعتقلين، ولا تكتمل هذه الفرحة إلا بالدولة المدنية الديموقراطية، التي لا يمكن أن تكون بدايتها تفرّد الجولاني بالقرار، وتعيين محمد البشير رئيساً للوزراء.
الطريق إلى التعافي من الاستبداد وبناء دولة المواطنة الديموقراطية تمهّد له حكومة انتقاليّة تكنوقراطيّة مؤلّفة من وزراء مشهود لهم بالكفاءة كل في مجاله للبدء بإعادة البناء اللازم لهذه الدولة.
* خطَّاطٌ سوري، مقيم في دمشق


أدونيس: الجوهري هو تغيير المجتمع لا النظام

بدايةً، لديّ تحفظات: لقد غادرت سوريا عام 1956. لذا، فأنا لا أعرف سوريا بعمق. لقد كنت ضد، ودائماً ضد هذا النظام. ولكن ماذا سيفعل من حلّ محله؟ المسألةُ ليست مسألةَ تغيير نظام. يتعلق الأمر بتغيير المجتمع. وهذا يعني تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي. ومعضلة العرب ـــ وليس العرب فقط، ولكنني أتحدث عن العرب ـــ أنهم لا يغيرون المجتمع. يغيرون نظاماً وسلطةً فقط. إذا لم نغير المجتمع، فكأننا لم نفعل شيئاً. إن تغيير نظام بآخر أمر في غايةِ السَّطحيَّة.
* شاعر ومفكر سوري مقيم في باريس، في تصريح لموقع francetvinfo.fr، بتاريخ 12.12.2024


سلاف فواخرجي: لن أتنكر لما كنتُ عليه، وشكراً لحقن الدماء

تعلمت أن أتصالح مع كل مرحلة، مهما كانت: عمرية، فكرية، إنتاجية؛ صحيحة كانت أم خاطئة. لأنها كلها أنا، وأنا لم أتنكر لأناي يوماً.
لم أدّعِ يوماً أني على الحق بالمطلق، لأنه لا يوجد إنسان مهما علت مرتبته على حق دائماً.
في كل كلامي ولقاءاتي كنت أقول ربما أكون على صواب وربما أكون على خطأ لكنه رأي.
وفيها كلها أيضاً قديمها وجديدها كنت أقول إنّ دم السوري على السوري حرام.
لكن لم يرد أن يُسمع كلامي هذا وغيره عند البعض كيلا أقلل لهم فرص الشتائم!
اليوم وقد صرنا في مرحلة جديدة، أتمنى لبلدي أن تكون أحسن البلاد كما يحق لها أن تكون.
ولن أتنكر لما كُنت عليه سابقاً ولم أكن خائفة ولن أكون، ولا أعتقد أن الحكم الجديد بما يُظهره لنا سيكون ظالماً أو مستبداً ليخيفنا ويقمعنا، على عكس ما يروجه البعض من تهديد ووعيد وترهيب على صفحاتنا.
طلب إلي البعض أن أمسح صوراً لي. ولكن إن مسحتها هل ستُنسى وكأنها لم تكن؟ وهل سأتنكر أنا لها؟
إنها مرحلة من تاريخ سوريا شئنا أم أبينا، بإيجابياتها وسلبياتها، وتاريخنا معها.
أحترم كل لحظة مضت، وسأحترم كل لحظة جديدة في حياة جديدة لبلدي، أتمنى كل المنى أن تكون قادرة على نهضة سوريا.
وبناءً على طلب الأصدقاء من الطرفين، سأمسح بعضها. لكن الصور منتشرة وموجودة ولأن تاريخ أي منّا لا نستطيع محوه متى شئنا أو طُلب إلينا.
ولأني لست خائفة، لم أسارع إلى إعلان رجوعي من الخطأ إلى الصواب الذي لم أره بعد لكني أتمناه.
وأتمنى كما دائماً سوريا العلمانية المدنية، سوريا الحضارة والديانات والنور.
وأرجو أن لا نحتفظ بحق الرد، وأن نستعيد جولاننا المحتل.
بعد كل تلك السنين، وخصوصاً أنّ إسرائيل المزعومة زامنت الوصول إلى دمشق مع احتلالها لعشرات الكيلومترات من أراضينا!
عاشت سوريا وعاش السوريون موحَّدين غير مقسّمين، مسالمين آمنين.
وشكراً لحقن الدماء.
* فنَّانة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب