ثقافة وفنون

الحرب الإسرائيلية أرخت بظلالهاعلى المشهد | حصاد 2024: الساحة الأدبية لا تبارح منطقة الحذر

الحرب الإسرائيلية أرخت بظلالهاعلى المشهد | حصاد 2024: الساحة الأدبية لا تبارح منطقة الحذر

محمد ناصر الدين

محمد ناصر الدين

ألقت الحرب الإسرائيلية الهمجية على لبنان بظلالها على الساحة الثقافية والأدبية في 2024، فانعكست سلباً على حركة النشر والتظاهرات الثقافية وأبرزها معرض الكتاب السنوي الذي احتجب هذه السنة لظروف قاهرة، فلا الفعالية التي دأب عليها «النادي الثقافي العربي» منذ عام 1956 (وهو أول معرض للكتاب في المشرق العربي) أبصرت النور في عاصمة الكتاب والنشر، وكذلك تأجّل المعرض المنافس الذي تقيمه نقابة الناشرين اللبنانيين لموعد يحدد لاحقاً. دور النشر هي الأخرى أعلنت بحذر وخجل عن إصداراتها، إذ تابعت «دار الآداب» مواكبتها للحدث الفلسطيني بإعلانها عن الجزء الثاني من رواية «قناع بلون السماء» للأسير الفلسطيني باسم خندقجي بعنوان «سادن المحرقة»، بعد نجاحها بجزئها الأول الذي يعرّي الأكاذيب والأطماع الصهيونية في الأرض الفلسطينية وحازت جائزة «البوكر» لهذا العام. يتابع خندقجي لعبة الفانتازيا السياسية بأن يضعنا وجهاً لوجه أمام «أور» الصهيوني أو الوجه الآخر لـ «نور» الفلسطيني. «أور» هو المحتل والمهزوم سلفاً والمأزوم دائماً والمحمّل قسراً وزوراً بتراث المحرقة، والمتخفي تحت قناع القوة المطلقة، والرافض بأن يقرّ بإنسانيته من أجل إمعانه في شيطنة الآخَر، حتى وإن كان يحلم باللغة العربية ويتعلمها. يخرج خندقجي بنصّ بديع ليغوص في الإشكالية التي طرحها محمود درويش من قَبل: «من منّا يصنع الآخَر». الروائية اللبنانية هدى بركات هي أيضاً من الأسماء الكبيرة التي حضرت على كاتالوغ «دار الآداب» برواية «هند أو أجمل امرأة في العالَم» حيث تصاب البطلة «هنادي» ذات الجمال الاستثنائي في طفولتها بمرض تضخّم الأطراف والعظام (الميكروميغاليا) وتتحول إلى مسخ. تتنكر الأم لابنتها المريضة وتخفيها في عليّة المطبخ، لكن البطلة تنجح في الهرب.

  • شهد 2024 رحيل الكاتب الياس خوري صاحب «باب الشمس»
    شهد 2024 رحيل الكاتب الياس خوري صاحب «باب الشمس»

عبر مغامراتها بين باريس وبيروت، تأخذنا صاحبة «بريد الليل» في مغامرة ممتعة تطرح الكثير من الأسئلة المحيرة والمبهمة التي تتناول مصائر أناس عاديين تحرّك أقدارهم الصُدف الكبيرة والصغيرة. وحدها دار «هاشيت-أنطوان» تركت منطقة الحذر وأسهمت في نشر باقة كبيرة من الإصدارات توزّعت بشكل أساسي بين التاريخ، فبرز كتاب للمؤرخ والباحث منذر جابر بعنوان «مسائل في أحوال الجنوب اللبناني-جبل عامل» الذي يتناول الحياة الأدبية والثقافية في جبل عامل منذ البذور الأولى للتشيّع حتى مطالع القرن العشرين، إلى جانب إصدارات أخرى في الرواية والقصة القصيرة والنوفيلا، وبين كتّاب مخضرمين أو آخرين أطلّوا على القرّاء بعملهم الأول: الروائية اللبنانية جمانة حداد تابعت في روايتها الأخيرة «وصايا شهرزاد الأخيرة» الحفر في النضال ضد البطريركية الذكورية موجهة النداء إلى المرأة الشرقية: «تذكّري أنّ جسدك هذا ليس ملكية العائلة، ولا ملكية المجتمع، ولا ملكية الدين، ولا ملكية التقاليد، ولا ملكية الوطن، ولا ملكية الثقافة ولا ملكية الزوج/ة… جسدك حصراً وتحديداً ويقيناً ونهائيّاً ملكيتك لك وحدك». وأطلّ الروائي والصحافي اللبناني صهيب أيوب بنوفيلا قوية بعنوان «ذئب العائلة» يشرّح فيها المفاصل الدقيقة لحياة أسرة طرابلسية لبنانية بعيون بطله «حسن السبع» الذي يكره الكون بأسره باستثناء أمه، فتنسجم الشوارع والأزقة مع شخصيات النوفيلا ومصائرها وتصبح شهوداً على صراعاتها وحميمياتها، فيتابع القارئ حياة البطل وعائلته وجيرانه وينتقل معهم بين الماضي والحاضر، وبين القواقع والخيال، لتتداخل جوانب الفقر والعنف والجريمة، ما يمنح السرد طابعاً مثيراً وجريئاً لا يعوزه العمق. الكاتبة عزة طويل حضرت بعملها الأول «لا شيء أسود بالكامل» على قائمة منشورات «هاشيت-أنطوان»، وهي نوفيلا تتابع فصولاً من سيرة بطلتها التي تختبر الأمومة والخسارة والحب. عملت طويل بإتقان على فقرات الكتاب التي تبدو قائمة بذاتها حتى تغدو ناضجة وتمتلك إيقاعاتها الموسيقية المتوازنة، وتوازنها المثالي، ولحظات تشويق غير متوقعة بشكل متقن، لتعود الكاتبة وتربطها بالموزاييك الكلي لحياة البطلة وأسرتها، ما يخرج هذه الفقرات من دائرة القصص القصيرة التي لا يربطها رابط. كما طبعت الدار أعمالاً مميزة لعدد من الروائيين والكتّاب العرب مثل السورية سهى مصطفى في «اللعنة»، والعراقي نزار عبد الستار في «فورور»، والفلسطيني مازن معروف في «لعنة صبي كرات الطين»، والسوداني أمين تاج السر في «عورة في الجوار»، والعمل الأخير «سمك ميّت يتنفس قشور الليمون» للروائي السوري الراحل خالد خليفة.

أسهمت «هاشيت-أنطوان» في نشر باقة كبيرة من الإصدارات توزّعت بين التاريخ والرواية والقصة

«دار النهضة العربية» انفردت بنشر كتاب نقدي بعنوان «حب إيه» للشاعر اللبناني بلال خبيز المقيم في الولايات المتحدة الأميركية. يحاول خبيز هنا أن يستقرئ بعض الذي أماتته الهيمنة الأميركية من قيم ومسالك، لكنه في الوقت ذاته يبحث في سبل التعايش مع الخواء الذي يسيطر على حيواتنا وعيشنا في ظل العولمة، في رحلة للبحث عن المعنى الذي ليس هو قطعاً «المعنى الذي رسخته الثقافات الأوروبية والذي لا يتحقق إلا في أحلامنا ومناماتنا». الكاتب والصحافي رامي الأمين المقيم هو الآخَر في الولايات المتحدة، تناول في كتابه «الباكيتان» قصة التمثال القديم في ساحة البرج الذي هبطت عليه مطرقة سامي سليم بعدما رأت فيه «عصبة تكريم الشهداء» التي ينتمي إليها سليم «إهانةً للبنانيين وعيشهم المشترك» منذ انتصابه في الساحة في عام 1930، فيأخذنا الأمين في رحلة بحث عن الرجُل الذي ضرب ضربته عام 1948، فيتفكك أمامنا الواقع اللبناني بكل مفارقاته العمرانية والثقافية وتناقضاته الطائفية. «دار الرافدين» (بيروت/ بغداد) التي خسرت فرعها النشيط ومكاتبها في ضاحية بيروت الجنوبية بفعل العدوان الصهيوني اشتركت مع «دار تكوين» (الكويت) في إصدار طبعة فاخرة للحوارات الكاملة للشاعر السوري-اللبناني أدونيس في مجلدات خمسة ضرورية لفهم تجربة أدونيس الرائدة كوجه من وجوه الحداثة الثقافية والشعرية في بيروت والعالم العربي ككل.

  • فاز الروائي محمد طرزي بـ «جائزة نجيب محفوظ للأدب»
    فاز الروائي محمد طرزي بـ «جائزة نجيب محفوظ للأدب»

كما نشرت الدار أخيراً الترجمة الكاملة لرواية توماس مان المذهلة «يوسف وأخوته» (ترجمة محمد إسماعيل شبيب) التي يعيد فيها الروائي الحائز «نوبل» سرد القصة التوراتية ليوسف مازجاً الموضوعات الدينية بالاستكشافات النفسية والفلسفية، ويحول السرد التوراتي إلى ملحمة تجمع الأسطورة بالأفكار الحديثة. «منشورات الجمل» (بيروت/الشارقة) منحت «جائزة سركون بولص» هذا العام للشاعر والروائي الفلسطيني سامر أبو هواش، وأعلنت عن قرب إصدار الجزء الثاني من رسائل بودلير بترجمة صالح الأشمر وسحر ستالة. كما حضرت عناوين عدة مترجمة قوية على قائمة الدار مثل «عدن عدن عدن» لبيار غيوتا (ترجمة كاتب هذه السطور)، و«اليأس» لفلاديمير نابوكوف (ترجمة فالح الحمراني)، و«إمبراطورية العلامات» لرولان بارت (ترجمة توفيق قريرة)، و«الرقة» لدافيد فونكينوس (ترجمة صالح الأشمر).

  • «دار الرياض الريس» استذكرت الشاعرة والرسامة الراحلة ايتل عدنان بكتاب بعنوان «في الحب واللغة»
    «دار الرياض الريس» استذكرت الشاعرة والرسامة الراحلة ايتل عدنان بكتاب بعنوان «في الحب واللغة»

«دار رياض الريس» استذكرت الشاعرة والرسامة الراحلة ايتل عدنان بكتاب بعنوان «في الحب واللغة» بعناية الكاتب والمؤرخ اللبناني فواز طرابلسي، إذ تحكي عدنان قصة الأب وأيام الطفولة في بيروت وتتأمل في الكتابة بلغة أجنبية وتعرّج على اثنين من شعرائها المفضّلين هما فلاديمير ماياكوفسكي وبابلو نيرودا.

أطلت مجلة ثقافية جديدة في بيروت بعنوان «البعد الخامس»

يضمّ الكتاب مقابلة أخيرة أجراها طرابلسي مع إيتل عدنان قبل وفاتها بأسبوعين، وقد أرادتها بمثابة وصيتها عن الفلسفة والأدب والحياة والموت. كما استذكرت «دار نلسن» الشاعر العراقي الراحل سركون بولص بكتاب يجمع رسائل تنشر للمرة الأولى تبادلها مع الشاعر اللبناني وديع سعادة. الشاعر اللبناني عباس بيضون كانت له حصّة في الرواية بعمل قوي بعنوان «الشيخ الأحمر» عن «دار الشروق» المصرية.

  • صدرت الطبعة الشعبية المصرية لرواية علوية صبح البديعة «افرح يا قلبي»
    صدرت الطبعة الشعبية المصرية لرواية علوية صبح البديعة «افرح يا قلبي»

يتناول بيضون في العمل سيرة شيخ لبناني في قرية جباع في إقليم التفاح (جنوب لبنان) ويمر فيه على تحولات الدين والدنيا والمسار الصعب لدخول العامليين في الحداثة. كما صدرت لبيضون مختارات شعرية عن وزارة الثقافة العراقية إضافة إلى مختارات للشاعر بول شاوول. كما صدرت الطبعة الشعبية المصرية لرواية علوية صبح البديعة «افرح يا قلبي» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب» اعترافاً بمكانة صبح كصوت متفرد في عالم الرواية العربية اليوم. وشارك الشاعر اللبناني شوقي بزيع بقراءات شعرية في عمان خلال الاحتفال السنوي الذي تنظمه «مؤسسة فلسطين الدولية» لدعم صمود الشعب الفلسطيني. وكذلك نشر الشاعر اللبناني زاهي وهبي كتاب «عائد في انتظار النسوة» عن «دار مرفأ» (بيروت/ اسطنبول) كتحية لفلسطين العروبة والثقافة والنضال. خبر سار للرواية اللبنانية تمثل في فوز الروائي محمد طرزي بـ «جائزة نجيب محفوظ للأدب» عن روايته «ميكروفون كاتم صوت»، إضافة إلى فوز الرواية إياها بجائزة «كاتارا» للرواية العربية. كما فاز الشاعر اللبناني شربل داغر بـ «جائزة أبي القاسم الشابي» عن ديوانه «يغتسل النهر في نثره» الصادر عن «دار خطوط وظلال» (عمان). ومن المفاجآت السارة أن أطلت مجلة ثقافية جديدة في بيروت بعنوان «البعد الخامس» تصدر بوتيرة شهرية عن «دار زمكان» لصاحبيها الكاتب عبد الحليم حمود وشادي منصور.

  • انطفأ شوقي أبي شقرا، أحد وجوه مجلة «شعر»  وصاحب السوريالية الريفية في الشعر اللبناني
    انطفأ شوقي أبي شقرا، أحد وجوه مجلة «شعر» وصاحب السوريالية الريفية في الشعر اللبناني

أما أبرز الأسماء التي غيّبها الموت عن الساحة الثقافية والأدبية، فتمثلت في الشاعر شوقي أبي شقرا، أحد وجوه مجلة «شعر» وصاحب السوريالية الريفية في الشعر اللبناني، والكاتب والناقد الياس خوري صاحب «باب الشمس» الذي ودّع محبيه بكتاب مرجعي حول معنى النكبة الفلسطينية، والشاعر جاد الحاج أحد الأصوات المميزة في جيل السبعينيات الشعري وصاحب رواية «شجرة الحنبلاس» التي يحلل فيها أسباب الحرب اللبنانية بما يغاير التفسير الطائفي والفئوي.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب