مقالات

الكتب المفضلة

الكتب المفضلة

أمير تاج السر

كاتب سوداني

في حوار عبر الزوم جرى مؤخرا مع مجموعة من الطلاب والدارسين في جامعة أمريكية، وكان مخصصا للحديث عن رواية «إيبولا 76»، بوصفها من أدب الأوبئة، ثم فتح اللقاء للأسئلة العامة، سألني أحد الحاضرين:
ما هي رواياتك المفضلة؟
الحقيقة السؤال تقليدي، ويُسأل دائما، وهناك إجابات عنه من أي قارئ في شتى ضروب المعرفة، حيث لا بد من كاتب مفضل، وكتاب أو كتب مفضلة. وبوصفي قارئا في المقام الأول، تربيت على حب القراءة، ومطاردة الكتب منذ الصغر، فإن لي بالقطع كتبا مفضلة، وإن كان هذا التفضيل يتغير من حين لآخر، أو لنقل من مرحلة عمرية وقرائية معينة، إلى مرحلة أخرى.
أيضا كثرة الكتب، وتعدد الأفكار، والأساليب، يجدد من حصيلة القارئ ويجعله أكثر قربا من الحاضر بكل زخمه.
مثلا لم تكن هناك تكنولوجيا متقدمة حتى عهد قريب، لذلك لن تجد رواية صدرت في الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات تتحدث عن معرفة تكنولوجية، والتكنولوجيا نفسها، تتطور باستمرار. وأذكر أنه كانت هناك وسيلة تواصل اسمها البيجر، تعطي رنة، فيرد الشخص الذي رنت عنده، حين يعثر على تليفون قريب، حيث لم تكن هناك أجهزة محمولة، ثم لتظهر الأجهزة المحمولة، وتقضي على البيجر، وتظهر الأجهزة المحمولة الذكية وتقضي على التقليدية، وهكذا، ووصلنا الآن لمرحلة الذكاء الاصطناعي، الذي يمكن أن يؤلف القصص والحكايات.
الآن تقرأ الروايات والقصص، فتعثر على تلك الهواتف، واستخدامها وأنواعها، ولا تحس بأي غرابة، لأن الرواية كما نعرفها دائما، هي رسم لواقع مواز، يأخذ من الواقع المعيش ويضيف إليه، هكذا.
أعود لكتبي المفضلة التي لم تتغير كثيرا، بحكم ولعي الشخصي بالغرائب والسحر الكتابي، واللغة التي تستخدم في البوح بتلك الغرائب. وقد صُنفت حين كتبت ومن أول رواية صدرت عام 1988، بأنني من ضمن الواقعية السحرية، التيار اللاتيني المعروف، لكن الأمر ليس كذلك، إنها واقعية ربما تكون غرائبية أو أسطورية.
في ذلك السياق أحببت جدا رواية «الحب في زمن الكوليرا»، للمعلم ماركيز، واعتبرتها من رواياتي المفضلة، ومن حين لآخر أعود إلى ذلك العالم الغني المدهش، أتأمل فيه وأستمتع. لا شيء يضاهي قصة حب استمرت سنوات حتى اكتهل الحبيبان، وما زالا مشتعلين، الكوليرا خلفية مأساوية لوباء عمّ الكاريبي، والنهر الذي تسير فيه سفينة الحب ممتلئ بالجثث لكن الحب مشتعل.
في كتابة ماركيز عموما، وفي هذه الرواية خصيصا، ثمة حكايات لا تُنسى أبدا، وثمة تعابير أيضا لا تنسى، وأقول دائما عن ترجمة الراحل صالح علماني إنه لم يكن يترجم الروايات المكتوبة بالإسبانية، لكنه يكتب النسخ العربية لها.
ولأن «الحب في زمن الكوليرا» مفضلة عندي، فدائما ما أحس بالغم حين أجد من يتحدث عنها بسوء، أو يقيمها تقييما متدنيا في مواقع القراءة، كأنها روايتي. والحقيقة لا أهتم بالنسبة لرواياتي، فالتقييم الفردي ليس حكما قاطعا، وما لا تحبه أنت يحبه غيرك.
أيضا من الروايات التي أحبها جدا، وصرحت أكثر من مرة أنني تمنيت لو كنت كاتبها، رواية «قلم النجار» للإسباني مانويل ريفاس. هذه رواية تتحدث عن القهر والسجون والتعذيب، وإرسال الناس إلى الموت لمجرد أنهم قالوا لا في وجود سلطة ديكتاتوية، تماما مثلما يحدث الآن في عالمنا الثالث، حيث تعد التظاهرات الرافضة للديكتاتوريات خيانة للوطن، تسوق إلى الموت مباشرة.
ريفاس رسم شخصياته بدقة، رسم الطبيب الذي يعالج السجناء وهو مسجون معهم، ويتعرض معهم للتعذيب، رسم السجان الذي أهداه النجار المحكوم بالإعدام قلمه كذكرى، فتحول القلم خلف أذن السجان إلى ضمير يوسوس له، ويعذبه. رواية صغيرة لكنها عظيمة، وأقول مرة أخرى، ليتها كانت من أعمالي.
من الأعمال المفضلة لدي كذلك، وستظل مفضلة دائما، رواية «أشياء تتداعى» للنيجيري الراحل تشينوا أشيبي، رواية عن مرحلة ما قبل الاستعمار ودخول الاستعمار إلى أفريقيا، وقد حازت هذه الرواية مكانة عظيمة في الأدب العالمي، وترجمت لعشرات اللغات ووزعت كثيرا.
أشيبي هنا تحدث عن أفريقيا التي يعرفها، عن عاداتها وتقاليدها، وأساطيرها، وآلهتها التي يثق فيها الوطنيون لجلب المطر، وإنجاح الزراعة، ومباركة الزواجات، وعقاب المذنبين، في طقوس بسيطة يفهمها الجميع، كما يوجد زعماء القبائل الذين يتولون تنسيق شؤون قبائلهم من دون حاجة لحكومة ولا شيء آخر، ثم ليأتي الاستعمار بغتة، يقاتل تلك المجتمعات البدائية، ويدحر طقوسها وأساطيرها، ويفرض نظاما جديدا، لم يستطع البعض تحمله، فضاعوا أو ماتوا.
في رواية أشيبي سحر خاص، وشيء أشبه بالواقعية السحرية، ولا أدري تاريخ كتابتها، وربما تكون سابقة لكتابة اللاتينين، صراحة لا أعرف.
إذن أجبت على السؤال، وكانت هذه ثلاثة أمثلة لكتبي المفضلة التي تحتل مكانا واضحا في مكتبتي المبعثرة، لكنها ليست كلها، هناك كتب عربية تدخل في مفضلاتي أيضا مثل رواية «بندر شاه» للطيب صالح، وراية «فساد الأمكنة» لصبري موسى، و«الياطر» لحنا مينا، وغيرها.
وبالنسبة للكتابة الجديدة، هناك إشراقات جيدة، قد تصبح من المفضلات ذات يوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب