كيف تنظر كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى “الخطة المصرية” لإدارة قطاع غزة؟
كيف تنظر كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى “الخطة المصرية” لإدارة قطاع غزة؟
في التطلع إلى استكمال اتفاق التبادل يزداد التأهب والتوتر، إضافة إلى ازدياد التقارير الضبابية والمتناقضة، وأيضاً عدم اليقين فيما يتعلق بهوية من سيطلق سراحهم. كل ذلك يعتم على بنود أخرى في الصفقة، مثل عدد السجناء الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم؟ من الذين سيطلق سراحهم؟ ما طبيعة وقف إطلاق النار الذي سيتم التوصل إليه عقب الصفقة؟ كم هي فترة الهدنة؟ متى وهل سيُكتمل الجزء الآخر للصفقة الذي سيؤدي إلى إعادة جميع المخطوفين وجثث القتلى؟ ما حجم انسحاب الجيش الإسرائيلي، وما هي مكانة محور فيلادلفيا ومعبر رفح؟ هل ستتحقق عودة السكان إلى شمال القطاع وكيف سيتم توزيع المساعدات على المدنيين؟.
قضية المساعدات للقطاع وإدارته أصبحت أموراً حاسمة في الفترة الأخيرة، حيث تبين حجم السرقة وعجز منظمات الإغاثة في نقل المواد من المخازن إلى السكان. عصابات محلية ورجال حماس يسيطرون على قنوات المساعدات، والتجار يضطرون إلى دفع آلاف الدولارات لهم مقابل كل شاحنة، والمواد الغذائية الأساسية ارتفع سعرها إلى أرقام فلكية. كل ذلك يتم تحت عيون الجيش الإسرائيلي المفتوحة، دون أن يعرض أي خطة لإدارة القطاع، أو على الأقل ترتيبات توزيع المساعدات التي ستسمح لـ 2 مليون وربع شخص بالبقاء على قيد الحياة.
بعد إدارة مصر للمفاوضات مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس طوال أشهر حول خطط لإدارة القطاع منذ تشرين الأول 2023، تلوح في الأفق خطة قد تقدم الرد على هذا الأمر. في بداية كانون الأول، نشرت مسودة الخطة المعروفة باسم “خطة مصر”، التي بحسبها سيتم تشكيل “لجنة دعم اجتماعية” في غزة تتكون من 10 – 15 عضواً، كل منه يكون مسؤولاً عن مجال مهني حسب مؤهلاته وتجربته. هذه اللجنة ستعمل بقوة أمر رئاسي من رئيس السلطة محمود عباس ووفقاً لقوانين السلطة وتحت رقابتها.
إضافة إلى هذه اللجنة ستعمل سلطة عامة تضم أعضاء من قطاعات مختلفة في غزة، مثل موظفين عامين، ورؤساء حمائل، وصحافيين، وأطباء ورجال أعمال. هم سيعطون اللجنة مكانة جماهيرية وسيساعدونها على حل المشكلات. وحسب المسودة، سيتم فتح معبر رفح طبقاً لترتيبات “اتفاق المعابر” من العام 2005. ولن يكون لحماس و”الجهاد الإسلامي” وتنظيمات أخرى، أي تمثيل في لجنة الإسناد، ولن يشاركوا في نشاطاتها. التطلع هو أن تعمل هذه اللجنة في المجالات المدنية في القطاع، من بين ذلك التعليم، والصحة، والرفاه وإعمار القطاع. وهي ستعمل ما دام ذلك مطلوباً، أو إلى حين إجراء انتخابات جديدة للسلطة. في الوقت نفسه، سيتم إنشاء صندوق لإعادة الإعمار، وسيكون ممثلو الدول المانحة أعضاء فيه إلى جانب ممثل السلطة.
منذ نشر مسودة هذه الخطة، أدخلت إليها تعديلات تتعلق بمكانة اللجنة أمام السلطة. من جهة التعديلات، استهدفت الرد على معارضة إسرائيل إعطاء مكانة للسلطة. ومن جهة أخرى، يمكن أن تمنع إقامة سلطة فلسطينية موازية في قطاع غزة، تكون منفصلة عن السلطة القائمة وفصل غزة عن الضفة الغربية.
أمس وصل إلى القاهرة وفد فلسطيني برئاسة روحي فتوح، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، الذي عُين نائباً لعباس إذا لم يتمكن الأخير من أداء مهامه. وجاء مع فتوح عضوا اللجنة التنفيذية في م.ت.ف: عزام الأحمد وأحمد مجدلاني، وهما يحملان موافقة مبدئية من عباس على صيغة المسودة – المطالبة بتعزيز العلاقة بين الضفة وغزة، والتأكيد على أنهما جزءان غير منفصلين عن فلسطين. معنى الصيغة هو تطبيق صلاحيات السلطة في القطاع.
يجب الانتظار ورؤية ما إذا كانت التعديلات “البسيطة” التي يطالب بها عباس لن تؤخر الخطة، أو حتى تفشلها. طوال فترة المفاوضات، عارض عباس ومؤيدوه تشكيل “لجنة الإسناد”. فهم يعتقدون مبدئياً أن السلطة قد تحكم في جزئي فلسطين، وأي هيئة إدارية أخرى ستشكل في غزة قد تمس بقوة السلطة. لذلك، يضاف تقدير بالسلطة في هذه الأثناء، حيث فقدت حماس قوتها ومكانتها، وهناك فرصة سانحة لتطوير مكانة م.ت.ف على اعتبار أنها تسيطر على كل فلسطين. لذلك، لا سبب لإعطاء حماس مكانة في تشكيل لجنة منفصلة. ولكن أوضحت مصر لممثلي م.ت.ف بأنه لا يوجد لهذا التطلع أي صلة بالواقع.
مصدر فلسطيني في حركة فتح قال للصحيفة: “مصر أوضحت بشكل حازم أن إسرائيل لن توافق على مشاركة مباشرة للسلطة في إدارة غزة. الطريقة الوحيدة لاجتياز هذا العائق هي تشكيل لجنة لا تبدو كفرع للسلطة. معارضة تشكيل اللجنة تخدم إسرائيل”. المصدر لم يعرف إذا كانت مصر حصلت على موافقة إسرائيل على تشكيل اللجنة. ولكن حسب أقوال هذا المصدر، فإن “أعضاء الوفود التي ذهبت إلى مصر تولد لديهم انطباع بأنه تم تنسيق الأمور مع إسرائيل”.
حاولت إسرائيل عدة مرات تشكيل إدارة في غزة تتحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات والاهتمام باحتياجات السكان. واقترحت ذلك على رؤساء الحمائل الكبيرة، ولكنه اقتراح رفض بشكل علني وحاسم من قبل “اتحاد رؤساء الحمائل والعائلات” في غزة، وهي الهيئة التي أقيمت في عهد ياسر عرفات للتنسيق بين السلطة والسكان. بعض رؤساء الحمائل مثل دغمش، وحلس، والمصري وغيرها، التي تصادمت بعضها بعنف مع حماس إلى أن هزمت وبعد ذلك أيدت حماس، حذروا من أن أي تأخير في تشكيل اللجنة يعني “التخلي عن الشعب الفلسطيني ومنح فرصة للاحتلال وتطبيق خطة لإبادته وقتله”. وأوضح الاتحاد أيضاً بأنه يؤيد تشكيل اللجنة شريطة أن تحافظ على وحدة فلسطين، أي أن تعمل تحت صلاحية السلطة الفلسطينية وليس بدلاً منها.
أسماء أعضاء اللجنة لم يتم نشرها بعد. حماس أبلغت مصر بأنها قدمت قائمة بأسماء أشخاص مقبولين عندها. ومن غير الواضح إذا كانت القائمة مقبولة لدى السلطة وإسرائيل. تشكيل اللجنة الآن أمر ضروري لإعادة فتح معبر رفح: منذ سيطرت إسرائيل عليه في أيار والمعبر لا يعمل، ومصر ترفض تشغيله بدون وجود فلسطيني في الطرف الغزي. وهذا أيضاً هو موقف الاتحاد الأوروبي الذي سيكون وجود ممثلين عنه في المعبر مطلوباً إذا تم تطبيق الترتيبات التي ذكرت في اتفاق المعابر. إضافة إلى مسألة تمثيل الفلسطينيين في اللجنة وطبيعة خضوعها للسلطة، يبقى السؤال الرئيسي متعلقاً بضمان نشاطات أعضاء اللجنة والحماية من هجمات عصابات الجريمة والسيطرة العسكرية في المناطق التي سينسحب الجيش الإسرائيلي.
التقدير هو أن الموافقة على تشكيل لجنة إدارة القطاع ستسمح بوجود قوة متعددة الجنسيات، حتى عربية، يمكنها تولي المسؤولية الأمنية في القطاع (حتى لو بشكل جزئي). في أيار، أعلنت الإمارات عن استعدادها للمشاركة في إدارة القطاع وإرسال قوات شريطة إقامة الدولة الفلسطينية. بعد شهرين، قامت الإمارات بتليين موقفها، وأوضحت مساعدة وزير الخارجية، لانا نسيبة: “الإمارات لن تشارك في قوة متعددة الجنسيات إلا إذا استدعتها السلطة الفلسطينية. على الولايات المتحدة قيادة هذه المبادرة من أجل نجاحها”. وعلى فرض أن إسرائيل ستعارض إعطاء السلطة أي صلاحية أمنية فإنها قد توافق على وجود قوات دولية في القطاع، كما ألمحت إلى ذلك من قبل. ولكنه افتراض نظري وأمني فقط إزاء نية جلية بمواصلة احتلال غزة، “إذا كانت حاجة إلى ذلك”، وخطط الاستيطان التي تنتظر التطبيق.
تسفي برئيل
هآرتس 7/1/2025