ثقافة وفنون

ظلال أميركا تخيّم على تيك توك

ظلال أميركا تخيّم على تيك توك

علي عواد

علي عواد

هل سيُحظر التطبيق الصيني في الولايات المتحدة؟ هل سيؤدي ذلك إلى تغييرات جذرية في المشهد الرقمي؟ وما هو الدور الذي ستلعبه الشركات الأميركية في المستقبل إذا حدث ذلك؟

يبدو أن مصير تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة يقترب من لحظة حاسمة، إذ أصبح قرار حظره أو السماح له بالاستمرار في أيدي المحكمة العليا الأميركية. وفي جلسة استماع عُقدت يوم الجمعة الماضي، استمع القضاة التسعة إلى حجج من محامي تيك توك، نويل فرانسيسكو، ومنشئي المحتوى الذين يقولون إن حظر التطبيق سيشكل انتهاكاً لحماية حرية التعبير لأكثر من 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، أصرت الحكومة الأميركية على زعمها بأنّ التطبيق، المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية، يشكل تهديداً للأمن القومي بسبب إمكانية استخدامه بمنزلة «أداة للتجسس» أو «التلاعب السياسي» من قبل الصين.

في نيسان (أبريل) الماضي، وقّع الرئيس جو بايدن قانوناً يفرض على «بايت دانس» بيع التطبيق أو التوقف عن العمل في الولايات المتحدة بحلول 19 كانون الثاني (يناير) 2025. وُقّع هذا القانون بعد سلسلة من المناقشات والضغوط السياسية المتزايدة على الحكومة الأميركية لضمان سلامة البيانات وحماية الخصوصية التي شرع فيها النائب الجمهوري المدعوم من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «آيباك» مايك غالاغر. وقد دعا عدد من المسؤولين الأميركيين إلى ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة ضد تيك توك، في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشأن قضايا متعددة، أبرزها الأمن السيبراني والتجارة والتكنولوجيا. رغم أن الحكومة الصينية نفت مراراً وتكراراً محاولاتها التدخل في البيانات التي يجمعها التطبيق، فإنّ الشكوك الأميركية تجاه الشركات الصينية لا تزال قائمة، ما يضع «بايت دانس» في موقف صعب. عملياً، يبدو أن تيك توك قد أصبح أداةً في الصراع الجيوسياسي بين القوتين العظميين.

من الناحية التقنية، فإن حظر تيك توك لن يعني اختفاءه الفوري من هواتف المستخدمين الحاليين، ولكنه سيُزال من متاجر التطبيقات مثل «غوغل بلاي» و«آب ستور»، ما سيمنع المستخدمين الجدد من تنزيله. إضافة إلى ذلك، لن يتمكن المستخدمون الحاليون من تحديث التطبيق، ما قد يؤدي إلى تراكم الثغرات الأمنية وجعله غير قابل للاستخدام مع مرور الوقت. كما يمكن للحكومة الأميركية أن تفرض على مزوّدي خدمة الإنترنت (ISPs) حظر الوصول إلى موقع المنصة، ما يعقّد عملية استخدامها بشكل أكبر. مع ذلك، هناك طرق يمكن للمستخدمين عبرها تجاوز الحظر، مثل استخدام شبكات VPN التي تخفي موقع المستخدم وتسمح له بالوصول إلى التطبيق كما لو كان في دولة أخرى.
من جهة أخرى، لا يزال هناك احتمال أن تبيع «بايت دانس» التطبيق لمالك غير صيني، وهو ما قد يعيد الوصول للمستخدمين الأميركيين. وقد قدمت مجموعة بقيادة الملياردير فرانك ماكورت عرضاً لشراء أصول تيك توك في الولايات المتحدة، رغم أنّ الشركة أكّدت مراراً أن التطبيق ليس للبيع. كما ظهرت بعض النظريات المؤامراتية بين قبائل الإنترنت التي تتحدث عن أنّ مؤسس شركة «ميتا»، مارك زوكربيرغ، حاول في وقت سابق شراء تيك توك. وعندما فشل في ذلك، أصبحت علاقته بالتطبيق سلبية، وقال بعدها إن تيك توك يمثل تهديداً للديموقراطية. والآن، مع دعم زوكربيرغ المتزايد لترامب (الأخبار 9 ك2/ يناير 2025)، بدأت تظهر تكهنات بأن إيلون ماسك وزوكربيرغ ربما يكونان يخطّطان معاً لدفع الرئيس المقبل إلى حظر التطبيق.

على المقلب الآخر، يبدو أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يريد معالجة القضية بطريقته. في عام 2020، كان ترامب يريد حظر تيك توك، لكن وجهة نظره تغيرت الآن. في الوقت الحالي، يسعى ترامب إلى إيجاد حل لحظر التطبيق، وطلب من المحكمة العليا تأجيل تنفيذ القانون حتى بعد أن يتولى منصب الرئاسة مجدداً. ومن غير الواضح ما إذا كانت المحكمة ستوافق على هذا الطلب، لكن إذا حدث ذلك، يمكن لترامب تعليق الحظر لمدة 90 يوماً، شريطة أن يظهر تيك توك أنه بصدد الانفصال عن «بايت دانس». في المقابل، حذر محامي تيك توك من أنّ المنصة قد «تغلق» في 19 كانون الثاني، أي قبل يوم واحد من تنصيب ترامب رئيساً، ما قد يترك ملايين المستخدمين من دون وسيلة للوصول إلى التطبيق.

قد يصدر قرار الإقفال قبل يوم واحد من تنصيب ترامب رئيساً

أما محامية وزارة العدل الأميركية، إليزابيث بريلوغار، فقد قالت في المحكمة يوم الجمعة الماضي، إنّ «لا شيء دائم» يجب أن يحدث في ذلك اليوم، وأنه لا يزال هناك وقت لإتمام صفقة بيع التطبيق. وذكرت أنه قد يكون من المفيد أن يُجبر التطبيق على الإغلاق، وإن ذلك قد يكون بمنزلة «الصفعة» التي تدفع شركة «بايت دانس» إلى النظر بجدية في عملية البيع. وأضافت أنّ هذا الوضع سيغير تماماً المشهد في ما يتعلق بما قد تفكر فيه «بايت دانس» في المستقبل. بعد الجلسة، تنبأ المراقبون القانونيون بأنّ قضاة المحكمة العليا قد يكونون قد تأثّروا بمخاوف الحكومة. وقال البروفيسور كارل توبياس، أستاذ القانون في جامعة «ريتشموند» وفقاً لما نقلت «بي بي سي»: «تقليدياً، كانت المحكمة العليا تميل إلى التروي عندما يكون الأمن القومي على المحك»، مضيفاً: «أتوقع أن القضاة، وبالغالبية، سيتبنون وجهة نظر الحكومة».

في الوقت نفسه، شهدت الساحة الرقمية موجة كبيرة من المعارضة لقانون حجب تطبيق «تيك توك»، ونشر مئات منشئي المحتوى فيديوهات عبر المنصة يعبّرون فيها عن رفضهم لهذا القرار. هؤلاء المنشئون، الذين أصبح تيك توك جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، تحدثوا عن كيفية تغيير التطبيق حياتهم بشكل جذري، وتحوّله وسيلةً للتواصل والتعبير عن الذات في عالم رقمي منفتح. في هذه الفيديوهات، شارك المنشئون قصصاً شخصية رووا فيها كيف ساعدهم تيك توك في بناء جمهورهم، والتواصل مع أشخاص من خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة. بالنسبة إلى كثيرين، لم يعد التطبيق مجرد وسيلة ترفيه، بل منصّة للتعبير ومشاركة الأفكار، وحتى الدفاع عن قضايا اجتماعية وسياسية. إضافة إلى ذلك، أشار عدد من المنشئين إلى أن تيك توك أصبح مصدر رزق أساسياً لهم، ويعتمدون على الإيرادات التي يحققونها من خلال المحتوى الذي ينشرونه على المنصة. بالنسبة إليهم، حجب التطبيق لا يعني فقط فقدان منصة للتعبير، بل أيضاً تهديداً مباشراً لاستقرارهم المادي ومعيشتهم.

فرض بيع تيك توك إلى الولايات المتحدة إذا حصل، يعني فرصة كبيرة للشركات الأميركية التي تسعى إلى الإفادة من البيانات الضخمة التي يجمعها تيك توك مثله مثل بقية منصات التواصل. عبر الوصول إلى تلك البيانات، يمكن للشركات الأميركية الإفادة منها في تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي وتعزيزها، ما يسهم في تدريب الأنظمة الرقمية وجعلها أكثر تطوراً. نظراً إلى أنّ تيك توك يمتلك قاعدة مستخدمين ضخمة في الولايات المتحدة (يستخدمه أكثر من نصف الشعب الأميركي بشكل دائم)، فإن البيانات المتوافرة في هذا التطبيق تمثل ثروةً هائلةً يمكن أن تسهم في تحسين سوق الإعلانات ومحركات البحث، وتطوير الخدمات الذكية التي تعتمد على التعلم الآلي.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب