مقالات

ما أشبه اليوم بالأمس: ترامب على خطى ترومان بقلم الدكتور  رياض العيسمي

بقلم الدكتور  رياض العيسمي

ما أشبه اليوم بالأمس: ترامب على خطى ترومان
بقلم الدكتور  رياض العيسمي
إن أحداث العالم اليوم صبيحة تنصيب الرئيس الأمريكي السابع والأربعين دونالد ترامب تشابه تلك التي كانت سائدة عام ١٩٤٥ عشية استلام الرئيس الثالث والثلاثين هاري ترومان السلطة إبان انتهاء الحرب العالمية الثانية. حيث أن سقوط النظام السوري وفرار بشار الاسد يحاكي سقوط النظام النازي في ألمانيا وانتحار هتلر. وهزيمة إيران في سورية ولبنان واستمرارها بالتمرد يشابه وضع اليابان قبل ان تلقي عليها الولايات المتحدة القنابل النووية بأمر من الرئيس الجديد ترومان، وتفرض عليها الاستسلام دون قيد او شرط. وذلك لوقف النزيف الاقتصادي الذي تعرضت له الولايات المتحدة وأوربا والعالم جراء الحرب. وكذلك لإرسال رسالة للعالم بأن الولايات المتحدة تملك سلاح ردع جديد لا أحد يمتلكه غيرها وهي تستحق بذلك قيادة العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولهذا، ولتشابه الحالات وإمكانية الحصول على نتائج مشابهة، من غير المستبعد أن يسير الرئيس ترامب على خطى الرئيس ترومان وإيجاد الذريعة لضرب إيران. وستكون الضربة هذه المرة، إذا ما حصلت، خاطفة وحاسمة وبأسلحة جديدة متطورة وتعتمد على الذكاء الاصطناعي، سلاح الردع الجديد، والذي من المتوقع بأنه سيحل محل السلاح النووي. وذلك لأنه سيكون أكثر ردعا وأقل رعبا وتدميرا. وسيكون هدف هذه الضربة الأساسي استسلام إيران لشروط الرئيس ترامب سيد العالم الجديد. ومن ثم يتم احتوائها من قبل الولايات بعد أن يسقط نظام الملالي فيها، والذي انتهى دوره ولم يعد يصلح للمرحلة القادمة كما حصل مع النظام السوري. ولاحقا ستساعد الولايات المتحدة إيران على النهوض من جديد كما حصل مع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا يتطلب أيضا من الولايات المتحدة النهوض بسورية كما حصل مع ألمانيا بعد الحرب. ولا بد أن يكون هناك مشروع أمريكي لإعادة إعمار منطقة الشرق الأوسط كما حصل في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن هذه المرة لن يكون اسمه مشروع مارشل، وإنما مشروع ترامب. والذي سيشرف عليه مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويدلووف، صديقه وشريكه ملك العقار والاستثمار في الولايات المتحدة. والذي أظهر قدرته في وقت مبكر من خلال فرضه على نتنياهو قبول صفقة وقف إطلاق النار في غزة قبل العشرين من هذا الشهر، موعد تنصيب الرئيس ترامب. وهي نفس الصفقة التي بقي يرفضها نتنياهو لأكثر من ستة أشهر في عهد الرئيس بايدن، وهذا يمكن اعتباره مؤشرا بأن الرئيس ترامب يمكن أن يكون الرئيس الأول بعد الرئيس كينيدي الذي يرفض طلبات إسرائيل التي تتعارض مع المصالح الأمريكية الاستراتيجية ويقلل من هيبتها القيادية. والتي تمثلت في ذلك الوقت بطلب ديفيد بنغوريون رئيس وزراء إسرائيل من الرئيس كينيدي ان تتطابق سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية مع سياسة إسرائيل والسماح لإسرائيل ببناء مفاعل ديمونة النووي. ولكن الرئيس كنيدي رفض هذه المطالب ودفع حياته لاحقا ثمنا لموقفه، وحصلت إسرائيل لاحقا على ما أراده بنغوريون. فهل سيرفض الرئيس ترامب مستقبلا طلبات مشابهة من نتنياهو تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية ويلقى مصير الرئيس كينيدي. أم انه سينجح حيث أخفق كنيدي، ويستطيع ان يفرض على إسرائيل في النهاية شروط الولايات المتحدة التي تتجاوب مع مقامه وأهدافه الشخصية كقائد للعالم الجديد ومع مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية الجديدة للمرحلة القادمة،. هذا الاحتمال أصبح اليوم ممكنا ويمتلك مقومات النجاح بعكس ما كانت عليه المعطيات في فترة حكم الرئيس كينيدي في مطلع ستينيات القرن الماضي. فالرئيس ترامب يختلف عن الرئيس كنيدي وكل الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه. وهو بات يمثل ظاهرة فريدة في القيادة العالمية تخترق الأعراف والمقاييس التقليدية. وهو في مرحلة تتويج حياته الشخصية والسياسية ولم يعد يأبه بالمحاذير السياسية والمتطلبات الانتخابية بعكس كيندي الذي كان في ريعان الشباب وفي بداية رئاسته. وكذلك كانت إسرائيل في بدايتها وتتصدر المشروع الاستراتيجي الأمريكي للشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن المرحلة قد تغيرت اليوم وتغيرت معها طبيعة الصراع وأطراف الصراع. ولهذا لا بد وأن تتغير معها طريقة إدارة الصراع. والاستراتيجية الأمريكية الجديدة باتت تقتضي، وأكثر من أي وقت مضى، دمج إسرائيل في الشرق الأوسط وجعل المنطقة بكاملها، بما فيها ايران وتركيا، منطقة مستقرة ومزدهرة، وخالية من الأسلحة النووية. ومنطقة جيوستراتيجية مركزية للولايات المتحدة في صراعها مع الصين. كما كانت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية المنطقة المركزية لمواجهة الاتحاد السوفييتي. وإذا ما استطاع الرئيس ترامب ضبط إسرائيل ضمن دور أمريكي جديد مطلوب في المنطقة لمواجهة الصين، سيكون هذا هو مقياس النجاح في ربح الحرب العالمية الثالثة بأقل الخسائر. وبهذا يمكن للرئيس ترامب أن يعيد للولايات المتحدة عظمتها ودورها القيادي في العالم، كما يهدف ويطمح. وإلا ستكون الصين له بالمرصاد. وستكون جاهزة لملئ الفراغ الذي تتخلى عنه الولايات المتحدة. وهذا ما يضع الرئيس ترامب على محك الاختبار التاريخي الذي وضع عليه الرئيس ترومان قبل ثمانين عاما. هذه فرصة تاريخيّة جديدة للولايات المتحدة. والرئيس ترامب يعرف كيف يقتنص الفرص. لكن لا اعتقد بأن أحدا يستطيع أن يجزم على وجه الدقة بما يمكن أن يفعله أو لا يفعله الرئيس ترامب. وذلك لأنه لم ينج قائد تاريخي من مكر التاريخ. والرئيس ترامب قائد ذو شخصية متقلبة المزاج وغريب الأطوار، ولا احد يستطيع ضبطه تصرفاته وقراراته، وخاصة بأنه أصبح يمتلك كل عوامل القوة ويسيطر على معظم مراكز النفوذ وصناعة القرار في واشنطن. لكن التاريخ يبقى في النهاية هو الحكم. وتبقى سورية هي قلب الشرق. وهي مختبر التاريخ، كما وصفها يوما هينري كيسينجر، عميد الاستراتيجية الأمريكية. وسيكون برأيي مفترق الطرق التاريخي الأول للرئيس ترامب في دمشق، في الأول من آذار القادم موعد تشكيل الحكومة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب