مقالات

الطاعة العمياء ( سلاح الجمود العقائدي والدمار السياسي ) .. أ. د. محمد طاقة-العراق

أ. د. محمد طاقة-العراق

الطاعة العمياء ( سلاح الجمود العقائدي والدمار السياسي ) ..
أ. د. محمد طاقة-العراق-
في عمق تاريخ البشرية ، لم يكن الإنسان مجرد تابع ، بل كان صانع المعرفة والأفكار والأنظمة التي توجه مسارات حياته .
غير ان الإيمان المطلق والطاعة العمياء لم تكن وليدة زمن محدد ، فقد وجدناها تتجذر في اعماق المجتمعات ، حينما تقدس الأيديولوجيات والأشخاص والمرجعيات الدينية والسياسية ، ليصبح الإنسان فرداً ضمن قطيع ، فاقد للوعي النقدي والعقل الإنساني .
في العالم العربي والإسلامي ، تتجلى الطاعة العمياء في شكلها الأوضح ، حيث تتحول المرجعيات الدينية إلى قوى تلهب عواطف الجماهير وتسيطر على عقولهم .هؤلاء القادة ، سواءً كانوا رجال دين أو شيوخ عشائر أو شخصيات واحزاب سياسية ، يستغلون الإيمان الاعمى لمصالحهم الشخصية ، معتمدين على تفشي الجهل وفقدان الحس النقدي .وهذا الانصياع يؤدي إلى تهميش قيم الديمقراطية وإقصاء مبدأ الرأي والرأي الاخر .
بل يصل إلى تأليه الاشخاص والأفكار ، لتصبح هذه المرجعيات مقدسة لا تقبل النقد أو المساءلة ، مما يعمق التخلف الاجتماعي ويكرس هيمنة الطغيان .
لايمكن الحديث عن الطاعة العمياء دون الإشارة إلى التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ، حيث الهبت الماركسية اللينينية إلى درجة اصبحت معها عقيدة لا تقبل النقاش ، تحولت الدولة إلى ساحة لتصفية المعارضين ، وانغلقت في جمود عقائدي كان احد اهم اسباب انهيارها .
فبدلاً من تحقيق المرحلة الشيوعية الموعودة ، بقي الاتحاد السوفييتي عالقاً في ( راسمالية الدولة ) ، حيث غابت الديمقراطية وسادت سلطة مطلقة لا تعترف بالتغيير والتطور ، هذا الخطأ الاستراتيجي كان القشة التي قصمت ظهر التجربة السوفيتية وادّت إلى نهايتها .
للأسف فإن العديد من الاحزاب الثورية في الوطن العربي وقعت في نفس الفخ الذي أودى بالاتحاد السوفيتي ، هذه الاحزاب ما زالت تتشبث بافكار وقواعد تعود لعقود ماضية ، متجاهلة ان العالم يتغيير بسرعة فائقة، بالفكر ، الدساتير ، الانظمة الداخلية ، أساليب العمل وحتى القيم الاجتماعية والسياسية في حالة تغيير مستمر .غير ان هذه الاحزاب ، بدلاً من التكييف مع المتغيرات ، تواصل تقديس قياداتها وأفكارها ، مما يدفعها إلى حالة من الجمود العقائدي الذي ينذر بنهايتها .
فكل حزب أو حركة تعتقد انها تملك الحقيقة المطلقة وتفرض اوامرها دون اي اعتبار للرأي الاخر ، انما تمهد الطريق لتآكل شرعيتها وانهيارها في النهاية .
ان العالم اليوم يشهد تطورات علمية وسياسية واقتصادية مذهلة ، تتطلب مرونة فكرية وقدرة على التكيف مع المتغيرات .ان القيادات التي تتسم بالجمود والتخلف الفكري لا تفعل سوى اعادة مجتمعاتها وأحزابها إلى الوراء ، بينما العالم يتقدم إلى الأمام بخطى متسارعة .
الطاعة العمياء ليست سوى اداة للاستبداد ، تقتل الإبداع وتحد من التقدم ، لذلك فإن تحقيق الديمقراطية الحقيقية واحترام الرأي والرأي الآخر ، يعد اساساً لاي مشروع سياسي أو فكري يسعى إلى البقاء والازدهار .
أن الطاعة العمياء ليست مجرد مشكلة فكرية أو سياسية ، بل هي ازمة حضارية تعرقل التقدم وتكرس التخلف ، تجاوز هذه الأزمة يبدأ بإعادة الاعتبار للعقل النقدي وتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف ، وبالتأكيد على ان الأفكار والقيادات ليست مقدسة ، بل هي ادوات لخدمة الانسان والمجتمع وليس العكس ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب