
في رواية «سماهاني»: من يعتذر لمن؟

محمد المهري
قد لا نكون موفقين حين نحاكم نصا روائيا محاكمة تاريخية، إذ أن الروائي اتكأ على مادة تاريخية منتقاة صنعت على عينه وبيده الخفيفة في استلال الروايات وتحريفها، كيما يظهر براعته في إظهار العرب في شرق افريقيا بتلك الصورة المطروحة من قبله، ومن بعده، وبما أننا أمام نص خلي من مؤلفه أخذا بمقولة (موت المؤلف) فإننا سنتناول الرواية بشكل مغاير.
ستكون قراءة رواية عبد العزيز بركة ساكن «سماهاني» الصادرة عن دار مسكلياني، والممتدة على ثلاثمئة وثلاثين صفحة. والعنوان كما يتبين ليس باللغة العربية (سامهاني) تعني «سامحني» باللغة السواحلية. قراءة تتبنى عملية إعادة البناء للأحداث، من خلال تحويل الشخوص إلى رموز تحمل دلالة مغايرة، وهي في ذاتها قراءة للقراءة التي أخذ بها الراوي، فإن الأميرة التي باركها الرب هي (الجزيرة أنغوجا أو زنجبار أو بر الزنج) كما يحلو للبعض إلا أنها أميرة باركها الرب، وحاطها السلاطين الذين أتو من خلف البحار، لم تعلم، أو لم تدرِ، أن سادتها يرتكبون أخطاء بحق السكان الأصليين، وأن مجدهم كان مشتركا بين قوة تدبيرهم وخدمة السكان، ومن أتي به من البر الافريقي، لقد كانت هذه الجزيرة في جمالها نسخة من حكايات «ألف ليلة وليلة» بكل بذخها، على أن أدوار القوة متداول بين الأمم؛ ما جعل كل القوى ترمي ثقلها للاستحواذ على الجزيرة، كانت الأميرة لا تريد أن تعلم بأن أقرب الناس إليها، وهو الخادم الذي يقدم لها اللبن في الصباح، هو المفتاح الأول للولوج إلى حصنها المنيع، وأنها ستقع في حبه لدرجه أنها تغامر بكل حياتها الباذخة لأجله، كان السلطان يتلقى الأخبار بين الفينة والأخرى من القوى الكبرى، بأن المستعمرات بدأت بالاستقلال، ورضي بما أتيح له من حياة برلمانية قوضت ما تبقى له من سولجان؛ إذ كان التحريض من خلال الأحزاب يزداد يوما بعد يوم، تلك الأحزاب التي تدعمها القوى الخارجية تفوق كل مدخراته وقوة سلطانه، وهي الحربة الأولى التي ستطعن كرامته في عام 1964، كانت الأميرة (أنغوجا) في تلك اللحظة يخطط لها في الداخل والخارج، وحين أخذت القوة (السلاح) من مخازن قلاعها المحصنة، كانت الأميرة بيد خادمها قد عبرت البر الافريقي، كان الثوار وهم يغنون أغنيات الحرب في سرور.. يمضون بسرعة بينما تحلّق على رؤوسهم أرواح أجدادهم التي تحميهم وتباركهم وترعاهم»، هذه الحملة التي شنت من البر الافريقي ومن حوض الكونغو، نظرت في الأخير إلى كل ما جاء من الجزيرة أنها أرواح ناقصة، فالشعوب التي سكنت الجزيرة، أصابها النحس، وأن أي من أفرادها مع مرور الأيام يحمل بذرة النحس أينما حلّ، وحينما أراد أو طلب أو حتى أن يفكر في اكتمال روحه الناقصة (سندس/ سكان زنجبار) «لم يستطع أعضاء المجلس كتمان ضحكاتهم فانفجروا مقهقهين بهستيريا، بعضهم نزلت الدموع من عينيه، وبعضهم ضرط ضرطات متتاليات بصورة شائنة». لم يك ينظر إليهم بقدر التوجه إلى قدره باسترجاع إنسانيته «بعدما أعيد عضوي من الرّب يمكننا أن نقرر، ولكنني لا أرغب في العودة المدينة مرة أخرى، سنتدبر أمورنا».
لقد كان الارتباط الوثيق بين الخادم والأميرة ارتباطا أزليا، فحين أراد البر الافريقي التخلص من الجزيرة لأنها ملعونة، كانت الأميرة على استعداد التضحية مهما قدمت من تكاليف، لأنها مرتبطة بسكانها «سأذهب مع سندس أينما ذهب.. سندس أيضا أسرتي، لقد كنا دائما أسرة واحدة، إذا عاد معي سأضمن سلامته، وإذا لم يعد، سأظل معه». فما كان من الشيخ إلا أن قال:
«خذ يا بني هذه اللعنة عن الشعب وارحل»، كانت الوصفة التي وصفها النبي الافريقي للولوج إلى كهف الرب، واستعادة الذكر المفقود، والتخلص من اللعنة نوعا من الإعجاز، وحين وضع التمائم بين يدي سندس/سكان زنجبار، علم أنه يُقْدم ُعلى موت محقق، ولكنه مضى في ثورته ليسترجع ذلك المفقود، كانت نصائح العجوز الأفريقي الذي التقاه سابقا ترن في أذنه، خاصة حين أخبره بحقيقة الرب المزعوم، وأن البحث عن المفقود ما هو إلا حيلة لقتله، أو التخلص منه إلى الأبد، «إذا ذهبتما فإنكما لن تعودا، إنهم ينوون بكم شرّا»، في لحظة حاسمة بين الاسترداد الموهوم، وحقيقة البئر توجه سندس والأميرة إلى البحر للعودة إلى الوطن إلى الذات، إلا أن روح الانتقام لا تزال تسكن روح أهل البر الأفريقي، فتبعتهم روح الكلب الحارس للبئر، في صورة (بموانا إمبوا)، وفي لحظة من الزمن أرسل السكان إلى الجزيرة واختطفت الأميرة/زنجبار أنغوجا، واغتصب من فيها، وقتل كل ما تبقى، فما كان من سندس/أهل زنجبار إلا البكاء على قوة جزيرتهم التي تهتز افريقيا لوقع طبولهم فقال بصوت جريح: سماهاني…
كاتب عُماني