ثقافة وفنون

رفعت طربيه… المارد اليتيم!

رفعت طربيه… المارد اليتيم!

أدهم الدمشقي

في مسرحية «الأمير المجنون» (رؤية الراحل جيرار أفيديسيان عن مسرحية «هاملت» لشكسبير ــــ إخراج لينا أبيض) التي تُعرض على خشبة مسرح «بيريت»، خرجَ ماردُ المسرح اللبناني رفعت طربيه، من قُمقُمِ مسرح الستينيّات، بتِقنياتِهِ التي أصبحت غريبة على المشهد المسرحي اللبنانيّ المُعاصر، الذي يتعكّزُ بغالبيّتِهِ على المؤثّرات البصريّة والسّمعيّة في استسهالٍ يهدفُ إلى الإبهار وشحذ انتباه الجمهور المَلول.

بدا الماردُ يتيماً بعدَما عاصرَ روّاد الحركة المسرحيّة اللبنانيّة، بدءاً من منير أبو دبس وريمون جبارة وغيرهما. يحاكي رفعت طربيه شخصيّة هاملت بحضوره القوي الطاغي على الخشبة، يسيطر عليها بحركاته ونظراتِه وصوتِه العريق، كأنها امتداد لجسده وروحه، فيتجلّى حضوره كقامة مسرحية نادرة، تتماهى مع جنون هاملت المتمرّد التائه بين الخيانة والفقد والحزن والانكسار واليأس.

يتقن طربيه لغة الصّمت، وإيقاعات الصوتِ وتدرّجاتِهِ التي يحوّلها إلى أداة تعبيرية قوية، تعكس أعماق الشخصية وتكشف عن مكنوناتها وتناقضاتها. أمّا عن الطاسة النّحاسية التي تلازمهُ في معظمِ أعمالِهِ، فإنّ بينَهُما تلازماً وثيقاً، تحوّلَ إلى بصمةٍ خاصّة في مسيرتِهِ، ورمزاً لتميّزه، تماماً كرمزيّة منديل أم كلثوم الذي لا يفارق يديها.

جاءَ اقتباس الراحل جيرار أفيديسيان، مرتكزاً على تجريد المسرحيّة الأصليّة من تسلسلها الزمنيّ وبنيتها الكلاسيكيّة الشكسبيريّة، جاعلاً الشخصيّات تتحرك في مخيّلة هاملت المجنون، وهلوساتِه التي تلازمه كأنها شبح والدِه الذي يحاصرهُ في كل اتجاه.

ورغم تقديرنا مسيرة المخرجة لينا أبيض، التي ارتأت التقشّف السينوغرافي، وإفراغ الخشبة من الزّوائد، إلا أنّ السؤال يطرح عن جدوى استخدامِ فيديوهاتِ الرسومِ المتحركةِ والملابسِ «المودرن» التي بدت نافرةً بصرياً.

كما يُطرح السؤال عن الرؤيةِ الإخراجيةِ وراءَ إشراكِ مُمثِّلَين شابينِ، يجسِّدانِ خطابَ هاملت بإيماءاتٍ عشوائيّة ضعيفة، تُشبهُ تمريناً بدائياً لطلابِ مسرحِ إعادةِ العرضِ أو الارتجال. أمّا عن كَسرِ الجدار الرابع في المسرحيّة، فقد بدا غير موفّق، عند نزول رفعت طربيه عن الخشبة لمحادثة بعض الحاضرين في الصف الأمامي، بلغةٍ أضفَت طابعاً سياسياً مُبطناً، انزلق بالعرض نحو الخطابية الشعبية.

ولن نتوقفَ كثيراً عند كارثةِ المصوّرِ الذي اقتحمَ الخشبةَ وخرقَ حرمةَ العرضِ بوقاحةِ الجاهل، لالتقاطِ صورٍ للوزراءِ والشخصياتِ التي حضرتِ العرضَ الأول.

لحسن الحظ، هذا الأمر اقتصر على العرض الأول، ولن يتكرر في العروض المُقبلة. إلّا أن هذه الحادثة، وإن كانت مؤسفة، تدعونا إلى إعادة النظر في مفهومنا للمسرح، ودوره في حياتنا الثقافية، وإلى العمل على ترسيخ ثقافة مسرحية جادّة، تحترم الفن والفنانين، وتصون حُرمة المسرح كفضاء للإبداع والتعبير.

* مسرحية «الأمير المجنون»: حتّى الأحد 30 آذار – الساعة التاسعة والنصف مساءً – مسرح «بيريت» («جامعة القديس يوسف»، بيروت). للاستعلام: 81/838689

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب