مقالات
حرب القرن 21 العالمية: قيم جمعية متراكمة مقابل بلطجة وشخصانية بقلم الدكتور علي بيان -طليعة لبنان –
بقلم الدكتور علي بيان -طليعة لبنان -

حرب القرن 21 العالمية: قيم جمعية متراكمة مقابل بلطجة وشخصانية
بقلم الدكتور علي بيان -طليعة لبنان –
تشير الوقائع عبر التاريخ إلى أن الصراع بين الكائنات الحية والظواهر الطبيعية المتطرفة، وبين أنواع الكائنات الحية نفسها، وداخل كل نوع بما في ذلك النوع البشري هو حقيقة دائمة تتخذ أشكالاً متباينة، وتُستخدَم فيها أسلحة مختلفة ازدادت مفاعيلها التدميرية طردياً مع الوقت من استخدام الحجارة وإشعال الحرائق، إلى السيف والترس واستخدام الحيوانات وسائل نقل للمقاتلين ولتوفير أرجحية في المعارك، إلى المدافع والعربات والدبابات، إلى الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى سواء أًطلقت من الأرض او من الطائرات والبوارج، وحتى أسلحة الدمار الشامل (البيولوجية والكيميائية والنووية)، إلى الحروب السيبرانية المستخدَمة في توجيه وسائل الحرب أو تعطيلها.
سُجل في العالم حروب متعددة ذات أبعاد محدودة: بين مجاميع بشرية داخل دول أو أقاليم أُطلق عليها حروب اهلية، او بين دولتين متجاورتين أو أكثر، أو بين أحلاف دولية سُجل منها الحربين العالميتين الأولى والثانية بين ما أَطلق عليه: “الحلفاء” و”المحور”. انتهت الحرب العالمية الأولى بترتيبات دولية ونشوء دول وإنشاء عصبة الامم (1920 ـ 1946) لتعزيز التعاون الدولي، وتحقيق السلم والأمن الدوليين، وانتهت الحرب العالمية الثانية بإنشاء الأمم المتحدة (1945) ومجالسها المتخصصة ومن بينها مجلس الأمن الدولي، حيث احتفظت الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي السابق (حالياً روسيا الإتحادية)، وبريطانيا وفرنسا والصين بعضوية دائمة فيه مع حق استخدام النقض وتعطيل قراراته، مع 10 دول تتوالى عضويتها بين دول العالم الأخرى، وتشكيل حلفين: حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة وخلف وارسو بقيادة الإتحاد السوفياتي، كما شكلت دول أخرى غير منضوية في أي من الحلفين منظمة “دول عدم الإنحياز”.
رغم الحروب الموضعية والصراعات الإقتصادية ما بعد الحرب العالمية الثانية تمكنت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرارات أخذ معظمها طريقه إلى التنفيذ، إلا انه في القرن الحالي، ومع التطور الهائل في قطاع الإتصالات والذكاء الإصطناعي، وسيطرة اليمين المتطرف على السلطة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والأرجنتين وغيرها وُجهت ضربة قاسمة ومؤلمة للنظام الدولي والتوازن العالمي، والتفويض الممنوح لمجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ومجلس حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الدولية، وكانت إحدى إشاراتها تمزيق مندوب الكيان الصهيوني ميثاق الأمم المتحدة في القاعة العامة أمام مندوبي الأمم دون رادع أو خجل في 10 أيار 2024، ودعم الولايات المتحدة الأميركية الكيان الصهيوني بشكل مطلق بحجة “الدفاع عن النفس” بالأسلحة والمال والدبلوماسية في جرائم الحرب التي يستمر في ارتكابها في فلسطين عامةً وفي غزة خاصةً، واستمرار المماطلة في البدء بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ويتخذ الرئيس الأميركي قرارات فردية من جانب واحد للسيطرة على قناة بنما وجزيرة غرينلاند وضم كندا وتحويل غزة الى “ريفييرا الشرق”، كما أعلن في بداية ولايته، وأعاد تأكيد ذلك خلال اللقاء الصحفي في البيت الأبيض بحضور بعض أركان إدارته ورئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، في السابع من نيسان حيث قال: “ستسمى غزة منطقة الحرية بعد نقل السكان منها”، وفرض رسوم جمركية عالية حتى على دول حليفة لأميركا ما أدى إلى زعزعة استقرار الإقتصاد العالمي، والتداول المالي، وتطبيقات منظمة التجارة العالمية، ما يشير إلى أن فكر وممارسة فائض القوة بالمجالين المادي والعلمي تستخدمه الولايات المتحدة استناداً إلى قرارات شخصية دون الإستناد إلى معايير ومقاييس واتفاقيات دولية، وقيم إنسانية تراكمت عبر التاريخ تحت مسمى ” الحضارة البشرية”. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن من حق كل دولة أن تتخذ القرارات التي تناسبها مع احترام المعاهدات الدولية، لكن أميركا تريد رفع الرسوم على وارداتها وتمنع ذلك عن الآخرين. وبشكل عام فإن رفع الرسوم الجمركية بالنسب العالية التي تطرحها الولايات المتحدة والرد عليها من قبل الدول الأخرى ستؤدي حتماً إلى ارتفاع كبير في الأسعار ما ينعكس سلباً على الطبقات الفقيرة والوسطى في العالم أجمع، ويرفع معدل الفقر، ويخفض الإستهلاك، ويزيد التضخم، ويعطل خطط التنمية في العالم خاصةً في ما يسمى “دول العالم الثالث”.
بكلمة أخرى، إن العالم اليوم يمر بمرحلة حرب عالمية جديدة غير مألوفة في التاريخ البشري والتي سماها الرئيس الأميركي “الحرب التجارية”، فهي إضافةً إلى تسببها بحدوث مجازر ومآسٍ بشرية وبيئية كبيرة كما في الحروب السابقة، فهي تتسم بأنها حرب بين حلف المافيا الإقتصادية العالمية والشعور الذاتي بالتفوق العرقي ، بحيث ينظر بعض أطراف هذا الحلف، مثل وزير الدفاع السابق في حكومة الكيان الصهيوني، يوآف غالانت في وصفه للفلسطينيين ب “أنهم حيوانات وليسوا بشراً مثله”، وحلف في طور التشكل يخوض معركة الحفاظ على الموروث البشري من بناء وإبداع وتطور فكري ومادي في جميع مجالات الحياة، والإلتزام بالمواثيق الدولية، وهو يمثل الأكثرية الساحقة في العالم.
ومهما بلغ غلو الحلف الأول فإنه ساقط وزائل لا محالة، لأن التطرف آني والإعتدال دائم، والعاطفة مؤقتة والعقل والحكمة أبقى. أن ذلك يتطلب تضافر جهود كل القوى في العالم الحريصة على القيم الإنسانية المميزة لبني آدم أن يخوضوا غمار المواجهة مع رواد العالم المادي والتفكير المجرد من الروح والروحانيات الذي يتميز به العنصريون الجدد المتمردون على الحقوق الجمعية والقوانين الدولية وتراكم الإرث الحضاري العالمي، والذين يعتبرون العالم ملكاً شخصياً لهم يستطيعون التصرف به وحتى بالشعوب التي تعيش فيه.