
الاقتراب من العمق: ليست هناك نهاية للحلم الصيني

عاطف محمد عبد المجيد
الحلم الصيني لا يفرض نفسه عليك، يريدك أن تكون شريكا، لا يتدخل في صراعاتك الداخلية، لا ينحاز لطرف دون الآخر، لا يُملي شروطه حين يقرضك. الحلم الصيني حلم تنموي، حلم أن تتحقق كرامة العيش والمسكن والتعليم والرخاء المادي، ثم تأتي بعد ذلك حرية الكلام: الديمقراطية، حين رأت الصين أن مسؤوليها يتميزون في طريقة العيش عن مواطنيهم، ساوت بين الجميع. هذا ما يكتبه مصطفى عبادة في كتابه «الاقتراب من العمق.. رحلة ثقافية لعالم التنين» الصادر عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة في القاهرة، وفيه يقول إن المواطن الصيني حين يقابلك يسألك: هل أعجبتك بلدنا؟ هل تتمنى أن تعيش هنا؟ ذاكرا أن علاقة المواطن بالدولة تمتاز بالحرية والاحترام المتبادل، فما تقوله الدولة تفعله، وما ينبغي على المواطن يلتزم به، دون إجبار أو تعسف. مصطفى عبادة يكتب هنا قائلا إنه شرّق في مجال القراءة وغرّب في مجالات فكرية عديدة، على أرضية معيارية، ابتعد عنها حينا واقترب منها في أحيان أخرى، ورغم أنه قروي يحفظ القرآن، ويؤمن بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يضايقه شيء في مجال الأفكار، قدْر ما ضايقه غرقنا نحن العرب في الخرافات، وتحويل كل شيء تراثي إلى خرافة، مشيرا إلى أنه حين انهار الاتحاد السوفييتي واستسلم أمام القطب الواحد أمريكا، بقيت الصين وحدها ترفع شعار الاشتراكية والتصنيع، وظلت تزحف على العالم رويدا وببطء حتى فاقت تأثير دول عظمى، وتبوأت في السنوات الأخيرة مراكز متقدمة على مستوى العالم في نواحٍ مختلفة، خصوصا من الناحية الاقتصادية، حيث تتطلع الصين إلى تجاوز المركز الثالث على مستوى العالم اقتصاديّا، وهي تعَد الآن، يقول عبادة، مصنع العالم والمصدر الأساسي لكثير من المنتجات.
ثلاثة محاور
هنا يقول الكاتب إن الصين رغم جميع التغيرات والتطورات الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والعسكرية التي تعيشها، إلا إنها لا تزال تحتفظ بخصائصها التي تنبثق من طبيعة الفكر الصيني المتميز، وتشتمل على ثلاثة محاور رئيسية وهي، المصالح المتبادلة، الاحترام المتبادل، والتعاون البناء، مع الاحتفاظ بالخصوصية والسلام الدائم، ذاكرا أن تعامل الصين مع القضايا الدولية يختلف عن الغرب، فالفكر الغربي يعتمد على استخدام القوة في تحقيق مطامع اقتصادية، أو حل بعض القضايا الدولية، بينما اعتمد الصينيون على فكرة تبادل المساعدة للحصول على علاقات سوية. عبادة يذكر هنا أيضا أن «نحن الصينيين» هي كلمة أخرى من كلمات السر التي تسكن في قلوب كل الصينيين، وتجعلهم يعملون بجد واجتهاد، ويثابرون على مواجهة المصاعب التي تقابلهم حتى يحققوا الانتصارات والإنجازات، وهي كلمة السر التي إذا قالها الصينيون في حرب فاعلم أنهم سيجتهدون حتى ينتصروا، وإذا قالوها لظالم فسيوقفون ظلمه، وإذا قالوها عند إنجاز عمل صعب فسينجحون في إتمامه، وإذا قالوها لمستعمر فسيجرعونه المر حتى يرحل عن أرضهم، وإذا قالوها لمتكبر متعالٍ فسوف يعلم من هم الصينيون، مشيرا إلى أنه في اللحظة التي تطأ قدماك فيها مطار بكين سترى الدنيا كلها من الشرق ومن الغرب، وأغنية صينية أو فيلم صيني تتم مشاهدته في قارة آسيا وخارجها أكثر مئات المرات من أي فيلم أو أغنية غربية، وإن لم تصدق فانظر في منزلك أو في يديك، وانظر ماذا تستعمل، وكيف أنك تردد كلمة «صين» مئات المرات في اليوم الواحد، ولهذا حفي الغرب، وذابت نعاله لتدخل الصين اتفاقية التجارة الحرة، التي وصفها البعض بأنها أتفه ما اخترعه العقل البشري. يؤكد الكاتب كذلك أن ثقة الصين في تحقيق حلمها لم تأتِ من فراغ، فقد عملت وفق خطة محكمة تنجز شيئا منها كل عقد، تحت مسمى «النموذج الصيني»، وهو أن متوسط نصيب الفرد الآن من الدخل القومي يساوي سبعة آلاف دولار أمريكي، يسعون إلى مضاعفته كل عشر سنوات، وبحلول عام 2030 تكون الصين قد أكملت ما أرادت، وما تريده أولا هو أن يصبح مستوى النمو والناتج القومي الصيني معادلا لمجموع الناتج القومي لأوروبا كلها وأمريكا واليابان مجتمعين.
تشونغوا جايو
كذلك يقول عبادة هنا إن الصينيين يرفعون شعارا فريدا لا يمجد شخصا أو مكانا، بل يدعو إلى الجد والاجتهاد، ويقولون «تشونغوا جايو» التي تعني بالعربية «تقدمي إلى الأمام يا صين»، وليس هذا الشعار مجرد قول، بل هو فعل، خاصة أن ملامح الفكر الصيني بنيت على أساس الاجتهاد الذي يحقق الإنجازات، وهم يؤمنون بأن تحقيق الأماني والإنجازات ليس بالتمني ولا بالكلام، إنما بالعمل والاجتهاد والتفكير والمثابرة ومواجهة الواقع. من خلال رؤيته لواقع الصين وقراءته لكتاب الزلزال الصيني، يقول عبادة إن الدول لا تُبنى بالحوار الكلامي، والصراع السياسي ومطالبة كل من خدم بلده، أو تصور ذلك بالثمن، منصبا أو شهرة أو مالا، فمن يريد ذلك عليه أن يمارس عملا أو تجارة، فالوطنية مدفوعة الثمن، وهي مقلوب الخيانة، أو هي الاستعداد الفطري للخيانة، ومن يمارس عمله المهني بصدق وفطرية وضمير، لا يقل وطنية عن الجندي المنغمس مع سلاحه في الرمل، مؤكدا أن الديمقراطية وحرية الرأي والكتابة، بل حرية الفجور والكفر، لا تتحقق دون وجود وطن تمارس فيه كل الأشياء، وأن النهوض الاقتصادي والسلام الاجتماعي لأي دولة، لا يتحقق دون احترام الخصوصية التاريخية للأمة، وتطويرها بالانطلاق منها وعدم الانسلاخ عنها وتحفيز الروح القومية لدى الناس، ومصارحتهم بحقائق الأوضاع، وضع حد زمني لمعاناتهم، يجنون بعده ثمار صبرهم، وأن أي دولة تريد النهوض بصدق عليها أن تطرح من سياساتها رأي الدول الغربية في ما تقوم به، وتلقي وراء ظهرها ادعاءات عدم احترام حقوق الإنسان، التي تستخدم كوسيلة ضغط على الحكومات لاتباع السياسات الغربية، مشيرا إلى أن رؤية الجانب الصيني في ما يتعلق بالقضايا العربية تتسم بكثير من الدبلوماسية، فهم لا يقولون الشيء، أو يعبرون عن رأيهم بشكل مباشر، بل يعولون دائما على ما بين السطور، وأن الثقافة الصينية تفكر في المستقبل، بينما الثقافة المصرية تقدس الماضي.
حوارات
في القسم الثاني من «الاقتراب من العمق» نقرأ عدة حوارات مع أدباء ومبدعين ومسؤولين صينيين منهم فانغ فانغ، قو ون بين، ليو إيهونج، تشانغ وي وي، تشينغ لاي وهو مسؤول عن دار نشر تسمى القارات الخمس الذي أجاب، حين سأله الكاتب: كم نسخة يوزعها أشهر كاتب صيني من عمله، قائلا إن أشهر كاتب صيني من الممكن أن يوزع خمسة ملايين نسخة من روايته، يحصل المؤلف على نسبة 12% من ثمن بيع الكتاب، وقد تصل نسبة بعض الكتّاب إلى 20% لكنهم قليلون مثل مو يان وسو تونغ، فيما حين سأله عن أشهر الأدباء العرب في الصين قال إن الأدباء الذين يحصلون على جوائز عالمية، أو إقليمية تُنشر أعمالهم بشكل تلقائي مترجمة في الصين، لأننا نتتبع الجوائز العالمية وننقل لقرائنا ما يهتم به العالم، إضافة إلى الكلاسيكيات العربية، بينما كانت الإجابة الأهم حين سأله عن إمكانية تحقيق الحلم الصيني، وكان رده: ليست هناك نهاية واضحة للحلم الصيني، لأنه سيتغير مع كل عقد أو فترة زمنية، فكل فترة زمنية سيظهر حلم صيني جديد، حتى نكمل كل أحلامنا.
كاتب مصري