دخان العقوبات يغطي سماء المفاوضات الأمريكية-الإيرانية

دخان العقوبات يغطي سماء المفاوضات الأمريكية-الإيرانية
محمد نون
:عادت واشنطن وطهران إلى لعبة المكاسرة ومحاولة «ليّ الذراع»، فتأجلت الجولة الرابعة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، والتي كانت مقررة يوم السبت في روما بعد ما أعلن الوسيط العماني أن أسباب التأجيل هي لوجستية.
وعلى قاعدة لعبة تهاوي أقراص الدومينو، فقد أطاح ذلك التأجيل، باجتماع آخر كان من المقرر عقده يوم الجمعة الماضي في روما أيضا بين وفد إيراني ووفد من الترويكا الأوروبية (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) وذلك قبل يوم واحد من الجولة الرابعة التي تم تأجيلها بين الجانبين الأمريكي والإيراني.
ولا يبدو أن ذلك التأجيل سيستمر طويلا، وهذا يعني أن أبواب التفاوض الأمريكية-الإيرانية ما زالت مفتوحة، حيث قالت واشنطن إن محادثات جديدة ستعقد مع إيران بشأن برنامجها النووي «في المستقبل القريب»، موضحة أنّ موعد ومكان الجولة التي كان من المفترض إجراؤها السبت (في روما)، لم يتم تأكيدها مطلقا.
ورغم التقدم الذي أحرزته الجولات الثلاث السابقة وخاصة في الجولة الثالثة التي استضافتها سلطنة عُمان يوم السبت الماضي بحضور خبراء من الطرفين، إلا أن الأجواء خارج قاعات التفاوض تلبدت بفعل تصريحات ومواقف تصعيدية، أدت إلى زيادة درجة الاهتزاز في الثقة بين الجانبين.
الهزة الجديدة-القديمة تتعلق بمواصلة الإدارة الأمريكية فرض مزيد من العقوبات، ثم إعلان ترامب شخصيا يوم الخميس الماضي في منشور على شبكته «تروث سوشال»، أن «جميع مشتريات النفط والبتروكيميائيات يجب أن تتوقف الآن». وأنّ «أي دولة أو شخص يشتري أي كمية من النفط الإيراني أو المنتجات الكيميائية سيتعرّض فورا لعقوبات غير مباشرة».
وسريعا ردت طهران برفض مواقف ترامب، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها الجمعة إنه «في الوقت الذي تؤكد فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التزامها بالمسار الدبلوماسي واستعدادها لمواصلة المفاوضات، فإنها ترفض بشكل قاطع السياسات القائمة على التهديد والضغوط، التي تتعارض كليا مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي». وأضافت: «وخلال ثلاث جولات من التفاوض، ووفقا للقانون الدولي بشأن الاستخدام السلمي للطاقة النووية وضرورة إنهاء العقوبات الجائرة، قدّم مفاوضو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن إطار واضح يستند إلى المبادئ الأساسية لإيران، مواقف ومطالب الشعب الإيراني الحقة، وبذلوا جهودا جادة للتوصل إلى تفاهم عادل، منطقي ومستدام».
وتابع بيان الخارجية الإيرانية: «في هذا السياق، تدين إيران بشدة استمرار العقوبات غير القانونية والضغوط المُمَارسة على شركائها التجاريين والاقتصاديين، وتعتبرها دليلا إضافيا على مشروعية شكوك الشعب الإيراني العميقة في جدية أمريكا بشأن اتباع المسار الدبلوماسي.»
تهديدات نتنياهو
وسبق ذلك بأيام، إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل عازمة على تدمير البرنامج النووي الإيراني، تماما كما حصل مع البرنامج النووي الليبي (الذي تم تفكيكه بالكامل).
وهنا استشاط الإيرانيون غضبا، وجاءت أبرز الردود من الأدميرال علي شمخاني مستشار القائد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، ومن وزير الخارجية عباس عراقجي الذي يقود وفد بلاده إلى المفاوضات الإيرانية-الأمريكية.
وكتب شمخاني على صفحته في منصة «إكس»: إن أي عمل «إسرائيلي» ضد إيران ستكون له عواقب لا يمكن تصورها بالنسبة لهم.
ولفت شمخاني إلى احتمال وجود دور أمريكي عندما سأل في الوقت نفسه: «هل أن هذه التهديدات هي نتيجة لقرار مستقل من جانب إسرائيل، أم جاءت بالتنسيق مع ترامب والدفع بالمفاوضات مع إيران؟».
أما وزير الخارجية عباس عراقجي فقال: ليس هناك خيار عسكري فحسب، ولا يوجد حل عسكري، وسيتم الرد فورا وبالمثل على أي عمل عسكري ضد إيران.
واتهم عراقجي نتنياهو وفريق الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بمحاولة عرقلة المفاوضات الأمريكية-الإيرانية عندما أضاف في حسابه عبر منصة «اكس»: «إن توهم الكيان الإسرائيلي بأنه قادر على إملاء ما ينبغي وما لا ينبغي على إيران فعله، هو بعيد كل البعد عن الواقع ولا يستحق الرد عليه، ولكن وقاحة نتنياهو لافتة للنظر في رغبته في إملاء ما يمكن أو لا يمكن فعله على الرئيس ترامب في دبلوماسيته مع إيران».
وأوضح عراقجي: «من السهل للغاية لحلفاء نتنياهو في فريق بايدن المهزوم الذي فشل في التوصل إلى اتفاق مع إيران، أن يصوروا بشكل خاطئ مفاوضاتنا غير المباشرة مع إدارة ترامب على أنها خطة عمل مشترك شاملة أخرى…دعوني أكون واضحا أكثر، إيران قوية وواثقة بما يكفي في قدراتها لإحباط أي محاولات من قبل جهات أجنبية خبيثة لتخريب أو إملاء سياستها الخارجية، ولا يسعنا إلا أن نأمل في أن يبقى نظراؤنا الأمريكيون على نفس القدر من الثبات.»
لكن عراقجي أبقى الباب مفتوحا على التوصل لاتفاق حين قال: «إن إيران مستعدة لاتفاق عادل ومتوازن…وليس هناك أي تغيير في عزمنا ضمان حل يتم التفاوض عليه… وأن أي اتفاق يجب أن يضمن نهاية للعقوبات».
والحل العادل والمتوازن من وجهة النظر الإيرانية يكمن في رفع العقوبات الأمريكية عن إيران من جهة، مقابل تقديم طهران الضمانات اللازمة لعدم انحراف نشاطها النووي نحو المقاصد العسكرية، وأن أحد أشكال تلك الضمانات هو قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالاستثمار المباشر عبر شركاتها في بناء المفاعلات النووية التي تعتزم إيران إنشاءها وهي 19 مفاعلا جديدا تضاف إلى المفاعل الحالي الذي بنته روسيا في مدينة بوشهر جنوبي البلاد، وهي قررت الدخول في بناء مفاعل ثان عبر خط تمويل روسي.
ويقول الناطق باسم الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي «إن التخصيب المحلي (لليورانيوم في إيران) والرفع الفعلي للعقوبات (الأمريكية) هما خطان أحمران لإيران في مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإن إنهاء العقوبات بشكل فعال، هو الكلمة المفتاحية للاتفاق، ويجب أن يتضمن الاتفاق مجموعة متنوعة من الالتزامات، وإن حرية الوصول إلى أصول الأمة الإيرانية هو أحد مطالبنا الجادة، لأن تجميد هذه الأصول كان ظالما وغير مبرر وغير قانوني تماما، وبالتالي فإن هذه القضية ستكون أيضا جزءا من عملية التفاوض في مجال إنهاء العقوبات».
وبموجب تلك النظرة، تَعتبرُ إيران أن استمرار تخصيب اليورانيوم على أراضيها بنسبة 3.67 في المئة هو من الخطوط الحمراء التي لا يمكنها التراجع عنها، لأن هذه النسبة مخصصة فقط للاستخدام السلمي، ولا تقترب من اليورانيوم الذي يستخدم في صناع الأسلحة النووية وهو يكون بدرجة نقاء تصل إلى 90 في المئة.
لكن يبدو أن طهران قد تقبل بتسوية ما بشأن مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة وهو الذي أنتجته خلال السنوات التي أعقبت انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي خلال ولايته الأولى عام 2018.
الخارجية الأمريكية:
وقف تخصيب اليورانيوم
بالمقابل، تصطدم مواقف طهران مع ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي قال: «إن على إيران أن تبتعد عن تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ بعيدة المدى ويجب أن تسمح لمفتشين أمريكيين بدخول منشآتها… إن إيران يجب أن تستورد اليورانيوم المخصب لبرنامجها النووي بدلا من تخصيبه إلى أي مستوى».
وأضاف «إذا كانت لديكم القدرة على التخصيب بنسبة 3.67 في المئة فإن الأمر يستغرق بضعة أسابيع فقط للوصول إلى 20 ثم 60 ثم 80 و90 في المئة التي تحتاجونها لصنع سلاح».
وقال روبيو أيضا إن طهران سيكون عليها أن تقبل إمكانية مشاركة الأمريكيين في أي نظام تفتيش، وإن المفتشين سيحتاجون إلى الوصول لجميع المنشآت، حتى العسكرية.
وأضاف روبيو في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» قائمة أخرى من المطالب حيث قال «عليهم أن يبتعدوا عن رعاية الإرهابيين، وعليهم أن يبتعدوا عن مساعدة الحوثيين (في اليمن)».
وكان روبيو واضحا في استهداف علاقة إيران بحلفائها في كل المنطقة، من لبنان حتى غزة، ومن العراق حتى اليمن، وهذا مطلب رفضته طهران مرارا باعتباره خارج إطار التفاوض على البرنامج النووي.
ولم يقتصر السجال الدبلوماسي على الجانبين الإيراني والأمريكي، بل دخلت الترويكا الأوروبية على الخط وتحديدا فرنسا، حيث هدد وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو من واشنطن أنه «إذا لم نتوصل في غضون بضعة أسابيع، إلى اتفاق مع إيران بشأن تراجع ملحوظ وقابل للتحقق وقوي في برنامجها النووي، فإننا كأوروبيين سنعيد تطبيق العقوبات التي رفعناها قبل عشر سنوات عندما تمّ التوصل إلى الاتفاق عام 2015». وجاء تصريح بارو أثناء وجوده في واشنطن حيث التقى نظيره الأمريكي ماركو روبيو.
ولا يبدو أن الجانب الإيراني يعوّل كثيرا على الدور الأوروبي لكنه لا يريد استثناءه لكي يحصل على أكبر مساحة من دعم أي اتفاق مرتقب مع الجانب الأمريكي.
يرى وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي «أنه وبسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها الدول الأوروبية الثلاث فرنسا، ألمانيا وبريطانيا، فإن دورها حاليا يتلاشى تدريجيا»، مضيفا بأن إيران لا تحبّذ أن يحدث هذا.
وفي إشارة إلى عقد أربع جولات من المفاوضات مع الترويكا الأوروبية، قال عراقجي: «نحن مهتمون بحل هذه القضية من خلال تفاهم دولي، ولهذا السبب نواصل مفاوضاتنا مع الأوروبيين، لكن المفاوضات الرئيسية حاليا هي مع الولايات المتحدة».
صدمة
انفجار مرفأ رجائي
واصلت إيران امتصاص صدمة الانفجار الضخم الذي ضرب ظهر السبت 26 نيسان/إبريل 2025، ميناء الشهيد رجائي أكبر ميناء تجاري في البلاد حيث يمر فيه 85 في المئة من البضائع الإيرانية.
وقالت لجنة التحقيق – في تقرير أولي – إنه ثبت وجود إهمال في الالتزام بإجراءات السلامة في الميناء. ونقلت وكالة «فارس» عن وزير الداخلية إسكندر مؤمني إعلانه عن وجود تقصير من إحدى الشركات الخاصة، تسبب بانفجار ميناء رجائي، مؤكدا أنه جرى استدعاء المسؤولين عن التقصير للتحقيق معهم.
ورغم استبعاد السلطات وجود سبب خارجي للانفجار بانتظار جلاء التحقيقات النهائية، لكن كثيرا من المراقبين ما زالوا عند شكوكهم بشأن ما حصل وذلك لتزامن وقوع الانفجار مع الجولة الثالثة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عُمان.
وأعاد الحادث إلى الأذهان ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية بأنّ إسرائيل نفذت في أيار/مايو 2020 هجوما إلكترونيا على ميناء الشهيد رجائي. ويعدّ هذا الميناء أحد أهم المراكز البحرية في إيران، ويقع على الساحل الشمالي لمضيق هرمز الذي يمرّ عبره خمس إنتاج النفط العالمي.
ويعتبر الميناء جزءا من منطقة بندر عباس الكبرى التي يقطنها حوالي 650 ألف شخص، وتنتشر مستودعات الميناء العديدة على مساحة 2400 هكتار، ويضم مرافق تخزين، كما يعتبر أكبر ميناء تجاري وأكثر المرافئ ازدحاما في الجمهورية الإسلامية.
وتصنّف المنطقة حيث يقع الميناء بأنّها اقتصادية خاصّة، كما أنّها بمثابة مركز رئيسي لعمليات الاستيراد والتصدير والشحن وإعادة الشحن في إيران.
وذكرت وسائل إعلام محلية أنّ حوالي 50 في المئة من إجمالي التجارة الإيرانية تتم عبر الميناء، إضافة إلى حوالي 85-90 في المئة من إجمالي حركة الحاويات.
وشهدت البنية التحتية للطاقة والصناعة في إيران سلسلة من الوقائع التي خلفت قتلى خلال السنوات القليلة الماضية. وشملت هذه الوقائع حرائق في مصافي تكرير، وانفجار غاز في منجم فحم، بالإضافة إلى حادث وقع خلال إصلاحات طارئة في بندر عباس أدى إلى مقتل عامل عام 2023. ووجهت طهران أصابع الاتهام إلى إسرائيل في بعض الوقائع الأخرى التي استهدفت البرنامج النووي في السنوات القليلة الماضية.
ومعلوم أن هناك معركة أمنية تدور رحاها بين إسرائيل وإيران وهي حرب معلنة حينا، ومخفية أحيانا، ولذا فإن السؤال يبقى مشروعا عما ستشهده تلك المعركة بالتزامن مع استمرار المفاوضات الأمريكية-الإيرانية ومدى تأثيرها على الحل التفاوضي ونجاحه.
ـ «القدس العربي»