الدكتورة آلاء النجار… استشهاد أطفالها تجسيد لمأساة وطن كامل، وحالة من الموت الجماعي المفروض على غزةبقلم: مروان سلطان
بقلم: مروان سلطان

الدكتورة آلاء النجار… استشهاد أطفالها تجسيد لمأساة وطن كامل، وحالة من الموت الجماعي المفروض على غزة
بقلم: مروان سلطان
فلسطين 🇵🇸
25.5.2025
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د آلاء النجار اسم في الاخبار صباح هذا اليوم ، أم فلسطينية تعمل طبيبة في مستشفى ناصر، حالها كحال الأمهات الفلسطينيات اللواتي مُسحت عائلاتهن من الوجود بسبب الحرب، فجعت باطفالها التسعة. تسعة من أطفالها أخذهم صاروخ أُطلق على مكان إقامتهم، فغابوا إلى الأبد. وكغيرها من الأمهات الماجدات، تحتسب آلاء أبناءها عند الله، لكن الألم يظل سيد الموقف.
نكتب عن الدكتورة آلاء لهول الفاجعة، لكن الحقيقة أن هذا هو حال آلاف الأمهات في غزة الصامدة، الصابرة، المرابطة. أكاد أجزم أن الوحي سينصفها من السماء السابعة، من عند رب كريم وعرش مجيد، ليُخلّد قصتها، ويُبيّن منزلتها في جنات الفردوس. ما حدث معها هو صورة موجعة من الواقع اليومي في غزة، حيث يتحوّل الفقد إلى روتين، والموت الجماعي إلى واقع مفروض بقوة النار والحصار. استشهاد أطفالها التسعة لا يمثل مأساة شخصية فقط، بل هو تجسيد لمأساة وطن بأكمله، وطن يُذبح أطفاله بلا هوادة، وتُسرق منهم الحياة قبل أن تبدأ.
قصة الدكتورة آلاء، الأم الثكلى، شهادة حية على جريمة مستمرة، وصورة تعكس جرحًا جمعيًا يعصف بكل بيت في غزة. هي نموذج لحالة العائلات التي قُتلت ومُسحت من السجل المدني الفلسطيني.
الموت هنا لا يُفرّق، يمرّ على العائلات دفعة واحدة، يقتلعها من جذورها، وكأن المطلوب ليس قتل الأفراد فقط، بل محو أثرهم تمامًا.
الكلمات أمام هذا المشهد لا تكفي، لكنها تبقى محاولة لمقاومة النسيان، ولمطالبة العالم بأن يرى ما يُرتكب على مرأى ومسمع منه، دون أن يرف له جفن.
كيف هو الفقد لكل من فقدن فلذات أكبادهن؟ إنه ملف ما زال نازفًا، والسؤال يبقى: من يكبح جماح المعتدين لوقف هذا النزيف؟
هنا فقدت الأمومة معناها. هنا فقدت العائلية جوهرها. عائلات بأكملها مُسحت من دوائر السجل المدني الفلسطيني بسبب الحرب. كل المعاني التي يرتبط بها الإنسان في المجتمع المدني افتقدتها الأمهات الفلسطينيات، وفقد الأبناء معاني الأمن والسلامة في واقع مستحدث لم يفهموا حتى ما يجري حولهم. فمنهم من يبحث عن أمه، وآخرون عن آبائهم.
حين ودّعت آلاء النجار أطفالها التسعة، لم تكن تودّع أبناءها فقط، بل كانت تودّع معها قطعة من الوطن، من القلب، من الحلم، من المستقبل. في لحظة واحدة، انطفأت ضحكاتهم، وتحوّلت الأمومة إلى حداد، والبيت إلى شاهد على فاجعة لا يتّسع لها اللسان.
لكن ما جرى مع الدكتورة آلاء لم يكن حدثًا فرديًا، بل فصلًا جديدًا في قصة الفقد الفلسطينية. ففي غزة، لا يموت الأطفال وحدهم، بل تُذبح الطفولة ذاتها، وتُقتل المدينة مرة بعد أخرى، برصاصة واحدة تستهدف قلب أم، أو لعبة طفل، أو صحنًا لم يكتمل.
آلاء النجار، الطبيبة التي كانت تعالج المرضى والجرحى، وجدت نفسها أمام جثامين أطفالها التسعة وزوجها، أشلاءً بين يديها.
أي ذنب حملته الطفولة لتمزّق أجسادها؟ لا شيء… إنها البربرية بحذافيرها عندما تسقط الإنسانية.
آلاء النجار ليست فقط أمًا ثكلى، بل مرآة تعكس ما تمرّ به آلاف الأمهات في غزة؛ كل واحدة منهن تحمل جرحًا يشبه الآخر، وكل بيت في هذه المدينة يحمل اسمه في قوائم الفقد، قبل أن يُكتب على شواهد القبور.
في فلسطين، لا يعني الفقد مجرد الغياب، بل هو امّحاء قسري لحياة بأكملها. لا ندفن أبناءنا فقط، بل ندفن معهم الأمن، والطمأنينة، وحتى تفاصيل الحياة اليومية التي كانت تملأ قلوبنا. كل قصة فقد هنا هي قصة وطن، كُتبت بحبر الدم، وتُروى كل يوم من جديد.
ومع كل قصف، تُسحب صفحة أخرى من ذاكرة المدينة. مع كل جنازة، يُغلق باب بيت، وتُفتح أبواب في الذاكرة لن تُغلق أبدًا. لكن رغم هذا، لا يُصبح الفقد اعتياديًا، ولا يتحوّل الحزن إلى روتين. بل يبقى نازفًا، حاضرًا، شاهدًا على الجريمة.
وها نحن نكتب اليوم عن آلاء النجار، كحالة فلسطينية تعيش في مناخات الحرب المفروضة، وتجسد واحدة من وقائع الفقد اليومية التي تمر بها غزة. نرفض أن يتحوّل هذا الموت إلى رقم، أو أن تصبح غزة مجرد خبر عابر على الشاشات.
نحن لا نكتب فقط، بل نرفض الصمت، لأن الذي يُقتل هنا هو البراءة، وبراعم الحياة. الفقد في فلسطين لا يُنسى، ولا يُغفر. إنه قصة وطن بأكمله، بألوانه وأشكاله، بأشجار التين والزيتون والليمون والبرتقال، بأبنائه وأحفاده، بأمهاته وشيوخه، بعكازاتهم وأحجارهم.
كُتب هذا الفقد على أكتاف الأمهات الفلسطينيات، الصابرات، المرابطات، المؤمنات بالقدر، ونُقش في صدور الأطفال الذين لم يعيشوا ليكبروا، لكن أسماءهم ستبقى، تروي للتاريخ ماذا يعني أن تكون فلسطينيًا، في مواجهة موتٍ تُصرّ عليه آلة لا تعرف الشفقة.