مقالات

بحثٌ في تاريخ المعارضة السورية [2]: من درعا إلى بيان جنيف قضايا وآراء

بحثٌ في تاريخ المعارضة السورية [2]: من درعا إلى بيان جنيف

محمد سيد رصاص

اندلعت الاحتجاجات بعد صلاة يوم الجمعة 18آذار /مارس 2011، في مدينة درعا. وكان عود ثقابها طريقة تعامل رئيس فرع الأمن السياسي مع مطالب الأهالي بإطلاق سراح أطفال اعتقلوا قبل أيام بسبب كتابتهم لشعارات على حيطان مدارسهم. ثم انتقلت الاحتجاجات منذ يوم الجمعة التالي إلى مدينة اللاذقية، ولتنتقل خلال نيسان إلى ريف دمشق ومدينة حمص، وفي أيار إلى ريف إدلب وبلداتها، وفي حزيران /يونيو إلى مدينة حماة (3حزيران /يونيو) وريفها السُني وإلى مدينة دير الزور وبلداتها، مع سكون احتجاجي في مدينة حلب ومثيل له في مدينة دمشق ولو مع بعض الحوادث الصغيرة المتفرقة في المدينتين الكبيرتين خلال مجرى حراك عام 2011.

كان من الواضح، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحركة الاحتجاجية السورية، أنها شرارات أشعلت أزمة عامة في البلد تطال مجمل البنية السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-الإدارية-الثقافية لنظام سلطة «البعث» القائمة منذ 8 آذار/ مارس 1963، والتي أهال الحل الأمني المنتصر للسلطة في مدينة حماة في شهر شباط /فبراير 1982 الكثير من التراب فوقها لتسعة وعشرين عاماً اللاحقة، ولتنفجر في عام 2011 ولو مع حمولات جديدة كان من أبرزها (وبخلاف انفجار 1979-1982، الذي كان حراكاً لفئات مدينية وسطى في مدن حلب وحماة واللاذقية وبعض بلدات محافظة إدلب)، متركزة في أطراف ريفية سنية (أرياف حوران ودمشق وحمص وحماة وإدلب ودير الزور) وفي مدن مهمشة اقتصادياً (درعا ودير الزور وإدلب) أو تضررت اقتصادياً (حمص) أو مدن يعاني سكانها من التهميش في الوظائف (سُنّة مدينة اللاذقية)، أو لها جروح قديمة لم تندمل أو تعالج بعد (حماة).

لم تعترف السلطة، خلال المئة يوم الأولى من الاحتجاجات، بوجود أزمة عامة في البلد، وقد كان خطاب بشار الأسد في 30 آذار/مارس بزبدته مبنياً على أن هناك «مؤامرة خارجية» تستخدم فيها كحطب «مشكلات فرعية» و«أخطاء» و«ثغرات» في بناء السلطة وممارساتها، قبل أن تنتقل إلى الحل الأمني-العسكري الذي بدأ بتدخل الجيش في مدينة درعا، ومجمل منطقة حوران، في 25 نيسان/أبريل 2011، في إعلان من السلطة عن نهج في معالجة الأزمة السورية لم تحد عنه في الفترات اللاحقة.

في 13 نيسان / أبريل، صيغت وثيقة تحت اسم «بيان إلى الرأي العام» من قبل «القيادة المركزية للتجمع الوطني الديموقراطي» (يضم وقتها أحزاب: الاتحاد الاشتراكي، والشعب، والعمال الثوري العربي، والعمل الشيوعي، وحركة الاشتراكيين العرب)، ظلت في نطاق التداول اليدوي، تؤكد على أنه «قد تُطرح قضية الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة» لتنطلق للتأكيد على قناعة «التجمع» بـ«مبدأ الحوار…لمناقشة وحل الأزمات التي تعاني منها سورية، بغض النظر عن النوايا الخلفية للسلطة في هذا الشأن».

ثم لتصل إلى أن «لكل حوار بيئة يجري فيها». و«هنا يصبح من المطلوب من النظام إرسال عدد من الرسائل الإيجابية لتأكيد صدقيته في اختيار مبدأ الحوار، ولعل أهمها في هذه اللحظة السياسية: محاسبة المسؤولين عن ممارسة العنف والقتل ضد المتظاهرين، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وقف الحملة الإعلامية المغرضة ضد الاحتجاجات والمعارضين، وقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، والاعتراف العلني بوجود معارضة سورية وبحقها في العمل الحر». ومن «دون هذه المؤشرات لن تخلق بيئة صحية للحوار، وستزداد القناعة بأن دعوة الحوار لا تخدم إلا خروج النظام من أزمته، والإيحاء للداخل السوري والخارج بأنه يسير في طريق الإصلاح».

وقد جرى في الوثيقة تحديد للمواضيع التي يمكن بعد تشكيل «بيئة الحوار» التطرق لها كموضوعات للحوار: «الدستور السوري وضرورة إجراء تغيير دستوري يطال المادة الثامنة-النظام الانتخابي-آليات تداول السلطة-الفصل بين السلطات-توصيف الحالة الحزبية-مهام رئيس الجمهورية-وظائف الجهاز التنفيذي-مسألة الأقليات القومية» (1).

بالتوازي مع هذا، أكدت جماعة «الإخوان المسلمين» أن «فتح أبواب الوطن أمام أجيال المهجرين على خلفيات سياسية، والإلغاء المباشر للقانون 49\1980 وآثاره وتداعياته، وإغلاق جميع الملفات الأمنية السابقة.. هي خطوة ينبغي أن تكون سابقة لكل وعود الإصلاح المرسل…إن مثل هذه الإجراءات العاجلة، ستعطي الوعد بالإصلاح مصداقيته وجديته، وستوفر المناخ الوطني للحوار البنّاء، الذي نعلن إيماننا به وحرصنا عليه» (2).

هنا، وفي خطوة هي قبل بدء الأحداث السورية، ومع توقع انفجار سوري على غرار تونس ومصر وليبيا، أطلقت الأمانة العامة لـ«إعلان دمشق» في 25 شباط / فبراير (نشره موقع «كلنا شركاء») نداء طلبت فيه من «السلطة السياسية المسئولة عن حكم البلاد تحمل مسؤولياتها الوطنية في هذه الظروف الدقيقة، واتخاذ موقف جريء وحكيم من قضية التغيير الوطني الديمقراطي المطروحة على جدول أعمال بلادنا، والتي يمكن أن تجد طريقها إلى المعالجة والحل عبر حوار وطني شامل، بين جميع القوى والأحزاب والفعاليات اقتصادية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، يرسم معالم هذا الطريق، والجدول الزمني لتحقيقه، ومهمات كل جهة لوضعه موضع التنفيذ».

الجديد في نداء 25 شباط/فبراير هو دعوة «جميع قوى المعارضة… على أمل اللقاء في لجنة وطنية للتنسيق من أجل التغيير، تنسق المواقف، وتخطط للنشاطات وتديرها، فوحدة قوى التغيير أولى الوسائل الضرورية لتحقيقه».

بعد شهرين من بدء الأزمة السورية، انتقل «إعلان دمشق» (بيان في 15أيار/مايو 2011) درجة أعلى نحو الاقتراب من سياسة جديدة: «الحديث عن الحوار في ظل إصرار النظام على خياره الأمني يعتبر موقفاً خاطئاً…كما أنه نوع من الانتحار السياسي لا ننصح بالانجرار إليه قبل أن تتهيأ البيئة الطبيعية لحوار سياسي صحي ومنتج، يخرج سورية من أزمتها، ولعل في مقدمة ذلك: 1-أن يعترف النظام بشكل صريح بأن سورية تعاني أزمة سياسية وبنيوية عميقة… 2-سحب الجيش والقوى الأمنية من الشوارع… 3-ضمان حرية التظاهر… 4-الدعوة إلى مؤتمر عام للحوار الوطني، لا يستبعد أحداً… وفقاً لبرنامج واضح ومحدد الآليات والمنطلقات، وفي مناخ حر وآمن».

في 9 أيار / مايو 2011 وزعت في العالم السري للمعارضة السورية وثيقة لمشروع من أجل توحيد المعارضة تحت عنوان: «نحو ائتلاف عام للتغيير الوطني الديمقراطي»، وكان توزيع الأوراق على أربع تحالفات (التجمع الوطني الديمقراطي-إعلان دمشق-تجمع اليسار الماركسي «تيم»-المجلس السياسي الكردي/9 أحزاب: تأسس في 30 كانون أول 2009) وعلى أحزاب مثل «حزب الاتحاد الديمقراطي»-(PYD) و«المنظمة الأشورية الديمقراطية» وعلى 35 شخصية من الشخصيات العامة. وقد جرى التوزيع بحيث يكون للحزبيين والتحالفات 37 ممثلاً.

شارك في صياغة مشروع الوثيقة معارضون من الداخل والخارج. ظلت المفاوضات قائمة ومستمرة حتى مساء يوم الخميس 23 حزيران عندما أعلن «حزب الشعب الديمقراطي» و«الأمانة العامة لإعلان دمشق» عدم مشاركتهم بالاجتماع المقرر لاعتراضهم على مشاركة «تيم»، وشاركهم في الامتناع عن الحضور نصف المدعوين من المستقلين.

ثم ليحصل الاجتماع المذكور في يوم السبت 25 حزيران بناء على تلك الورقة، ولكن مع تعديلات، ولينبثق عنه «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في سورية»، التي وقعت على وثيقتها التأسيسية أحزاب من «التجمع»هي: «الاتحاد الاشتراكي» و«حركة الاشتراكيين العرب» فيما انقسمت قيادة «حزب العمال الثوري» بين موقعين (حازم نهار وطارق أبو الحسن) وغير موقعين ظلوا في «إعلان دمشق» (عبد الحفيظ حافظ وسليمان شمَر).

كما وقعَت كل أحزاب ومنظمات «تجمع اليسار الماركسي»-(تيم): حزب العمل الشيوعي-الحزب الشيوعي/المكتب السياسي-هيئة الشيوعيين-الحزب اليساري الكردي-التجمع الماركسي الديمقراطي (تمد) وحزب «PYD» (هو حزب غير قومي يقول بمفهوم الأمة الديمقراطية التي تضم قوميات متعددة في وطن جغرافي مشترك) وثلاثة أحزاب كردية هي: البارتي (نصر الدين إبراهيم)-يكيتي الكردي- الحزب الديمقراطي الكردي السوري (جمال ملا محمود)، فيما لم توقع خمسة أحزاب كردية شاركت في الاجتماع المذكور أيضاً، بينما وقعت ثلاثون من الشخصيات العربية والكردية المستقلة التي كانت حاضرة في ذلك الاجتماع التأسيسي للهيئة.

في الأسبوع الأول من أيلول2011 جرت محادثات في الدوحة بين «هيئة التنسيق» و«إعلان دمشق» و«الاخوان المسلمين»، من أجل تشكيل تحالف عريض للمعارضة. بعد أن أتى أعضاء «الهيئة» المشاركين بلقاء الدوحة، جرى تضمين شروط مضادة عليها من قبل المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق في اجتماع يوم الأحد 11 أيلول/سبتمبر، تطلب إضافات على النص لم يكن يتضمنها: «رفض التدخل العسكري الخارجي-لا للعنف من قبل النظام أو أي جهة أخرى مهما كانت خارجية أو داخلية-لا للصراع والشحن الطائفي والمذهبي-تضمين البيان اعترافاً بالوجود القومي الكردي وإيجاد حل عادل للقضية الكردية).

وافقت الأمانة العامة لـ«إعلان دمشق» في يوم الإثنين 12 أيلول/سبتمبر (كان مقرراً لو جرى الاتفاق على النص الإعلان عن قيام التحالف يوم الأربعاء من دمشق) على تضمين النص المطالب الثلاثة الأخيرة للهيئة من دون طلب «رفض التدخل العسكري الخارجي» فيما رفضت جماعة «الإخوان المسلمين» الطلبات الأربعة، وهو ما أدى إلى فشل المحاولة الثانية لتوحيد المعارضة، وليتجه بعدها «الإعلان» و«الإخوان»، مع مستقلين مثل الدكتور برهان غليون الذي كان نائباً للمنسق العامة للهيئة والذي اجتمع «الإعلان» و«الهيئة» في الدوحة على رفض أن يكون رئيس الإئتلاف من الخارج، إلى تشكيل «المجلس الوطني السوري» الذي أعلن عن قيامه في إسطنبول يوم الأحد 2 تشرين أول/أكتوبر 2011.

وهو ما كرّس انشقاق المعارضة السورية بين قطبي «المجلس» و«الهيئة»، الأمر الذي شجّع الأكراد على عقد «المؤتمر الوطني الكردي» في القامشلي يوم 26 تشرين أول/أكتوبر، والذي انبثق عنه «المجلس الوطني الكردي» وضم الأحزاب الكردية الموجودة في «الهيئة» و«إعلان دمشق»، فيما لم يشارك «PYD» في لقاء القامشلي، قبل أن يقرر المكتب التنفيذي لـ«المجلس الوطني الكردي» في كانون ثاني/يناير 2012 (3) تعليق عضوية أحزابه في «المجلس» و«إعلان دمشق» و«الهيئة» نتيجة رفض هذه الأطر الطلبات المتضمنة في البيان الختامي للقاء القامشلي حول «حق تقرير المصير ضمن وحدة البلاد» و«اللامركزية السياسية».

بتكثيف مجمل: في محادثات الدوحة في أيلول 2011 كان الفشل في توحيد المعارضة السورية لأسباب ليست هي نفسها التي أدت إلى فشل محادثات توحيد المعارضة السورية بدمشق على أساس وثيقة 9 أيار 2011. كانت هناك القطيعة التركية مع النظام السوري عقب فشل زيارة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو لدمشق في الأسبوع الأول من آب، ثم مطالبة أوباما لأول مرة للرئيس السوري بالتنحي في 18 آب.

كان موقف واشنطن الجديد، وخاصة بترافقه مع سقوط نظام القذافي في 23 آب، قد شجع «إعلان دمشق»، و«الإخوان المسلمين» الوثيقي الصلة بحزب أردوغان، على المراهنة على تكرار سوري للسيناريو الليبي، وهو ما جعل محادثات الدوحة تتحطم على صخرة «موضوع التدخل العسكري الخارجي»، فيما اصطدمت محادثات «وثيقة 9 أيار» بالتعارض بين النفسين، الإصلاحي الذي كان لا يزال موجوداً عند «الإخوان» أيضاً بتشجيع من إردوغان، صديق دمشق حتى آنذاك، والتغييري عند «إعلان دمشق».

كانت سياسة أوباما الجديدة تجاه دمشق، بالترافق مع التصعيد التركي تجاه النظام السوري، مظلة لتصعيد معارض عند «الإخوان» و«إعلان دمشق» نحو المراهنة على تدخل عسكري خارجي بدأت تترافق فيه في التظاهرات شعارات «إسقاط النظام» و«الحماية الدولية» مع شعارات تدعو لتدخل عسكري خارجي. ومن دون هذا لا يمكن تفسير نشوء «المجلس الوطني السوري» في إسطنبول يوم 2 تشرين أول 2011، حيث كان واضحاً أن إردوغان هو رأس حربة أوباما في سوريا كما كان ساركوزي في ليبيا، وحيث رهان أصحاب ذلك المجلس على أن يكون تكراراً سورياً لمجلس مصطفى عبد الجليل في ليبيا.

كان قيام «المجلس الوطني السوري» في يوم الأحد 2 تشرين أول/أكتوبر 2011، انعطافياً في تاريخ المعارضة لما بعد مرحلة 18 آذار/مارس 2011، كونه عبّر، إضافة لتمثيله الواسع داخلياً وبالذات من خلال إسلامييه للشارع المتحرك، عن بداية اكتساب المعارضة السورية لأبعاد إقليمية ودولية، وخاصة من خلال بعديه التركي والفرنسي. كما أنه كان أول تجربة سورية معارضة تتناغم وينبني مشروعها على (وبخلاف ما توهم بعض المعارضين أن الأمر كذلك في عام 2005 عند تأسيس «إعلان دمشق» في أثناء الأزمة الأميركية–السورية ما بعد اغتيال رفيق الحريري) ميلان الأجواء الدولية باتجاه تغيير «ما» في بنية السلطة السورية.

وهو ما كان واضحاً منذ يوم 18 آب 2011 مع دعوة أوباما الرئيس السوري «للتنحي» لأول مرة منذ بدء الحراك السوري. وربما كان هو السبب في تفشيل الإسلاميين لمحادثات الدوحة من أجل توحيد المعارضة السورية، من خلال حسابات عندهم بأن «هيئة التنسيق» تميل إلى حوار «ما» مع السلطة للوصول بعد «إسقاط النظام الاستبدادي الأمني» إلى تسوية مع الجهاز السياسي للنظام، كما أوحى لاحقاً «مؤتمر حلبون لهيئة التنسيق الوطنية» في يوم 17 أيلول 2011، وربما أكثر إلى حسابات عندهم بأن من الممكن ما دامت الرياح هكذا أن يكونوا هم القوة الأكثر قوة في إحداث التغيير من دون الحاجة إلى تحالف عريض وشامل.

في يوم 4 تشرين أول/أكتوبر 2011، أجاب الفيتو الروسي–الصيني على إمكانية تحقيق ذلك عبر الأمم المتحدة، كما جرى سابقاً في الشهر الثالث من عام 2011 تجاه ليبيا عندما امتنعت روسيا عن التصويت، وربما أسدل ما جرى في قاعة مجلس الأمن بنيويورك ستاراً على فصل ظنّ المبادرون إلى إنشاء «المجلس الوطني السوري» أنه قد بدأ في يوم 18آب / أغسطس 2011، مع تصريح أوباما حول «انتهاء شرعية النظام السوري».

هنا، ربما كان تصريح المراقب العام لـ«الإخوان» رياض الشقفة في إسطنبول يوم 18 تشرين ثاني/نوفمبر، حول طلب «تدخل تركي عسكري» (www.kharej-alserb.com\archives\3705 تحديث يوم 19تشرين ثاني/نوفمبر2011) محاولة للخروج من هذا الاستعصاء الموجود في نيويورك، قبل أن يتضح، مع إرسال بوارج أسطول البحر الأسود الروسية لمرفأ طرطوس في نهاية تشرين ثاني/نوفمبر 2011، أن التوازن الدولي البادئ منذ يوم 4 تشرين أول/أكتوبر 2011، والذي أشعلت فيه موسكو ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1989 أول أزمة عالمية في وجه القطب الواحد للعالم على خلفية الأزمة السورية، يمنع (وسيمنع) تكرار السيناريو الليبي في سوريا.

من هذا المنطلق، كانت معارضة «المجلس الوطني السوري» لـ«المبادرة العربية»، التي سربت مسودة مشروعها لجريدة «الحياة» ونشرت في عددها يوم 6 أيلول/سبتمبر 2011، وكانت كتابة مسودتها بالتعاون بين أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي وقيادات من «هيئة التنسيق»، والتي تقول بمرحلة انتقالية تبدأ مع «تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية برئاسة رئيس حكومة يكون مقبولاً من قوى المعارضة المنخرطة في عملية الحوار، وتعمل مع الرئيس وتتحدد مهمتها في إجراء انتخابات نيابية شفافة تعددية حزبياً وفردياً يشرف عليها القضاء السوري وتكون مفتوحة لمراقبين للانتخابات وتنجز مهامها قبل نهاية العام»، حيث عندما تبناها «المجلس الوزاري العربي» وحولها لـ«مبادرة عربية رسمية»، في 2 تشرين ثاني/نوفمبر، وجدنا المكتب التنفيذي لـ«المجلس الوطني السوري» لم يصدر بياناً يعبّر عن تأييده للمبادرة العربية الصادرة عن الجامعة العربية، بخلاف تأييده للمبادرة العربية الثانية (22كانون ثاني/يناير) التي قالت بـ«تفويض رئيس الجمهورية نائبه الأول بصلاحيات كاملة للقيام بالتعاون التام مع حكومة الوحدة الوطنية لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية».

من هنا كان حتمياً موت اتفاق 30 كانون الأول 2011 بين رئيس المجلس الوطني الدكتور برهان غليون ونائب المنسق العام لهيئة التنسيق الدكتور هيثم مناع الموقّع في القاهرة تحت رعاية أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، ذلك الاتفاق الذي لم يعمر لأكثر من يوم واحد، بعد أن رفضته القوى النافذة في المجلس.

خلال شهر شباط/فبراير 2012، ماتت عملية التعريب لحلول الأزمة السورية، من خلال اصطدام المبادرة العربية الثانية، والتي تتضمن «السيناريو اليمني لتولي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي سلطات الرئيس علي عبدالله صالح»، بجدار الفيتو الروسي-الصيني في مجلس الأمن في 4 شباط/فبراير لما حُمِلت إليه المبادرة من أجل إعطائها مباركة دولية. خلال أيام قليلة من ذلك، وبعيد زيارة وزير الخارجية الروسي لدمشق، بدأت عملية عسكرية كبرى قام بها النظام في حي بابا عمرو بحمص، قلبت الكثير من الموازين الميدانية لصالح النظام في تلك المدينة التي كانت أكثر المدن اشتعالاً في وجه السلطة.

في 21 آذار/مارس، وفي البيان الرئاسي لمجلس الأمن بدأت معالم توافق دولي أميركي-روسي نحو تدويل الأزمة السورية، من خلال دعم خطة كوفي عنان، التي من الواضح، وعبر ذلك البيان الرئاسي ثم عبر قراري مجلس الأمن (2042و2043) في 14 و21نيسان/أبريل، أنها تضع وراءها السيناريو اليمني وتتجه إلى اقتراب غامض الملامح من مبادرة الجامعة العربية في 2 تشرين ثاني/نوفمبر.

أيّدت «الهيئة» خطة كوفي عنان في بيان لمكتبها التنفيذي في 27 آذار /مارس، فيما لم يقدّم المكتب التنفيذي لـ«المجلس الوطني السوري»، تأييداً لخطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بينما سكت «المجلس الوطني الكردي» في الوثائق الصادرة عن اجتماعه في 21 نيسان/أبريل، والذي تخلى فيه عن مطلبي «حق تقرير المصير» و«اللامركزية السياسية»، عن ذكر خطة كوفي عنان.

وقد دعت جماعة «الإخوان» الأمم المتحدة، في بيان يوم الجمعة 27 نيسان /أبريل، إلى «إعلان فشل خطة المبعوث الدولي كوفي أنان»، وطالبت الجماعة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن «يقرن إعلانه عن امتناع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد عن الالتزام بعملية السلام، باعتبار خطة السيد كوفي أنان منتهية» وفقاً لما أوردت وكالة «أ ف ب» (www.syrianncb.org تحديث يوم 27 نيسان/إبريل 2012).

في 30 حزيران جرى تدويل للأزمة السورية من خلال «بيان جنيف» الذي جرى بتوافق أميركي-روسي، ويدعو إلى «هيئة حكم انتقالي تتولى كامل السلطات التنفيذية»، وهو ما أطلق مساراً تدويلياً للأزمة السورية استمر حتى سقوط النظام السوري في يوم 8 كانون الأول 2024.

* كاتب سوري

هوامش البحث:

(1) يوجد نص بيان «التجمع الوطني الديمقراطي» في العدد 29 من جريدة «طريق اليسار»، حزيران/يونيو 2011 (وهي الجريدة الناطقة باسم تجمع اليسار الماركسي في سورية – تيم)، يمكن إيجاد أعداد «طريق اليسار» على الرابط التالي:
www.ahewar.org\m.asp?i=1715

(2) بيان صادر في 5 نيسان 2011، منشور على موقع «أخبار الشرق»، لندن، بتحديث يوم 7 نيسان/إبريل 2011

(3) www.elaph.com\web\news تحديث يوم 17كانون الثاني\يناير 2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب