عن ملاحقة القيادات العربية ومحاولة إقصاء أيمن عودة

عن ملاحقة القيادات العربية ومحاولة إقصاء أيمن عودة
ماذا نتوقع من الأحزاب الأخرى في كل مرة تُلاحق فيها شخصية عربية؟ هل نكتفي ببيانات استنكار، أم نترجم ذلك إلى فعل سياسي جماعي يرفض كل سياسات تقليص مساحة الخطاب وشطب كل من لا يُرضي المؤسسة الإسرائيلية؟…
منذ بداية الأسبوع الماضي، بدأ يظهر أمامنا فيديو كجزء من حملة تُسلّط الضوء على ملاحقة النائب أيمن عودة، حيث يظهر في بداية المقطع عودة، ثم تتوالى صور لأعضاء كنيست وقيادات عربية أخرى مثل أحمد الطيبي، سامي أبو شحادة، ومنصور عباس، تحت شعار: “الآن يلاحقون أيمن، لكن غدًا سيلحق الدور بالبقية”. ورغم خطورة هذا الاضطهاد ودلالاته على استمرار ملاحقة القيادات العربية، إلا أن هذه الحملة السياسية ضد عودة لا تمثل بداية مسلسل الانحدار نحو الفاشية، بل هي حلقة أخرى في سلسلة طويلة من سياسات منهجية، تستوجب أن نتوقف لنسأل: هل نحن مستعدون للاعتراف بأن ما يحدث ليس تدهورًا طارئًا، بل خطة عمل متواصلة ضد القيادات العربية في الداخل الفلسطيني؟
الادّعاء بأن ما نشهده هو نتيجة مباشرة لصعود اليمين أو تدهور النظام نحو الفاشية يتجاهل السياق التاريخي العميق الذي تعيشه السياسة العربية داخل إسرائيل. فمنذ الخمسينيات والستينيات، عندما حاولت حركة “الأرض” أن تنظم نفسها سياسيًا، تعرّض أعضاؤها لملاحقات واعتقالات إدارية، وحتى عندما قدمت ترشيحها للكنيست، جرى شطبها من قبل لجنة الانتخابات، وصادقت على الشطب لاحقًا المحكمة العليا، رغم عدم وجود أساس قانوني أو واقعي لذلك. كانت الحركة آنذاك تمثل التيار القومي والوطني الفلسطيني، وهو ما لم تكن الدولة مستعدة لسماعه أو القبول به، فجاء شطبها ليُجسد حدود العمل السياسي التي تسمح بها إسرائيل للفلسطينيين في الداخل.
ومع مرور السنوات، استمرت الدولة بشكل منهجي في استهداف الحركات والشخصيات التي تتحدى الرواية الصهيونية، بدءًا من شطب “الحركة التقدمية للسلام” في الثمانينيات، وصولًا إلى محاولات متكررة لشطب حزب “التجمّع الوطني الديمقراطي” في كل دورة انتخابية تقريبًا. ومع كل محاولة شطب، كان يرافقها خطاب تحريضي عنيف ضد النواب العرب، حتى أصبحت هذه التحريضات جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السياسية في إسرائيل، وتحولت مع الزمن إلى وسيلة فعالة لجني الأرباح الانتخابية.
أكثر الأمثلة وضوحًا هو التحريض المتواصل ضد د. عزمي بشارة، رغم أنه غائب عن البلاد منذ ما يقرب من عشرين عامًا، ولم يدلِ بأي تصريحات في الإعلام العبري، ولا يعرف غالبية أعضاء الكنيست الحاليين حتى اللغة العربية لفهم ما يقوله، إلا أن التحريض ضده ما زال مستمرًا بلا انقطاع.
الذروة كانت في عام 2015 عندما أخرجت الحكومة الإسرائيلية “الحركة الإسلامية الشمالية” عن القانون باستخدام قانون طوارئ غير ديمقراطي، ومن دون أي إجراء قضائي. في ذلك الوقت، كانت الحركة قد نجحت في تطوير نموذج سياسي فريد، بإنشاء مؤسسات حزبية ونشاط جماهيري واسع، حتى أصبحت تُشكل تحديًا لفكرة أن العمل السياسي العربي يجب أن يكون محصورًا في الكنيست. ولكن الدولة تمكّنت بين ليلة وضحاها من تفكيك الحركة ومؤسساتها بالكامل.
وبعد كل ملاحقة، كنا نسمع الخطاب ذاته: “لن تتوقف إسرائيل عند هذا الحد، وستواصل استهداف باقي الأحزاب”. وكنا دائمًا على حق في تحليلنا، لكننا فشلنا في ترجمة هذا التحليل إلى فعل سياسي فعّال. التصريحات الأخيرة لمنصور عباس في مقابلة مع برنامج “واجه الصحافة” عندما سُئل عن إقصاء أيمن عودة، فأجاب: “هو لا يستحق شرف أن يُشطب” بابتسامة متعالية، هي دليل صارخ على نجاح إسرائيل في تفتيت الصف السياسي العربي – فعندما تُستهدف القيادة، يفشل الباقون في إظهار التضامن والعمل المشترك لصدّ محاولات رسم حدود الفعل السياسي بما يخدم الرواية الصهيونية وحدها.
علاوة على ذلك، فإن غياب أي رد فعل جدي على الملاحقة السياسية ضد القيادات العربية، حوّل قرارات الشطب والإقصاء إلى خطوات فارغة من أي قيمة سياسية حقيقية، باستثناء كونها جزءًا من الصراع الداخلي الإسرائيلي، وخصوصًا بين الحكومة والمحكمة العليا. لمن تابع مسار محاولة إقصاء أيمن عودة، لن يفاجأ إن لم تصادق المحكمة العليا على القرار، ليس بسبب مبدأ قانوني، بل بسبب الطريقة التي تم بها، أي إجراء الإقصاء، كما صرّحت المستشارة القانونية للحكومة التي وجّهت انتقادًا لأعضاء اللجنة بشأن سلوكهم الذي لا يتماشى مع قواعد الإدارة السليمة.
ومع ذلك، فإن أعضاء الحكومة لن يترددوا في استغلال إلغاء الإقصاء كأداة دعائية لتصوير المحكمة العليا كأنها منحازة للعرب، مما سيعزز في نظر الرأي العام الإسرائيلي الرواية التي تستخدم المحكمة ككبش فداء في الصراع الداخلي.
كل ذلك يوضح مرة أخرى غياب أي اعتبار حقيقي من رد الفعل السياسي العربي، والافتراض السائد بأن حتى في حال تم الإقصاء، فإن الحركات السياسية العربية لن تُحدث تحديًا جوهريًا للمنظومة. كما لم يُفعل شيء يذكر بعد حظر الحركة الإسلامية الشمالية، واعتقال القيادي في حركة أبناء البلد، رجا إغبارية، إداريًا منذ أشهر، والآن الملاحقة المستمرة ضد الشيخ كمال خطيب.
الأحزاب العربية، منذ “حركة الأرض” وحتى اليوم، التزمت بالعمل وفق القانون، ولكن الدولة استغلت قوانين الطوارئ والخطابات الديماغوجية غير المبنية على أي أساس قانوني أو واقعي لتشريع القمع والملاحقة. ومع غياب الاستعداد لتحدي حدود الخطاب السياسي، استطاعت إسرائيل، بشكل متواصل، تقليص هذا الحيز حتى أضعفته تمامًا، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالخطاب الوطني الفلسطيني.
الملاحقة لم تبدأ مع أيمن عودة، وغالبًا لن تتوقف عنده. إنه ليس سوى نمط ممنهج تتبعه إسرائيل في تعاملها مع المواطنين الفلسطينيين، وخاصة مع التيارات التي تمثل الهوية الوطنية. والسؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم في وجه هذه الحقيقة: ماذا نتوقع من الأحزاب الأخرى في كل مرة تُلاحق فيها شخصية عربية؟ هل نكتفي ببيانات استنكار، أم نترجم ذلك إلى فعل سياسي جماعي يرفض كل سياسات تقليص مساحة الخطاب وشطب كل من لا يُرضي المؤسسة الإسرائيلية؟