مقالات
السودان في عين العاصفة بين انهيار الداخل وتحوّلات الإقليم بقلم امجد السيد -الهدف السودانية-
بقلم امجد السيد -الهدف السودانية-

السودان في عين العاصفة بين انهيار الداخل وتحوّلات الإقليم
بقلم امجد السيد -الهدف السودانية-
لا يحتاج المشهد السوداني اليوم إلى عدسة مكبّرة لرؤية حجم الكارثة فالدخان المتصاعد من المدن المنكوبة والأجساد التي تتساقط في الشوارع والنزوح الجماعي الذي بلغ الملايين كلها شواهد حية على بلد ينزلق بثبات نحو التمزق الكامل لكن ما يزيد المشهد قتامة هو غياب الإرادة الدولية الجادة وركون الفاعلين الإقليميين والدوليين إلى مقاربات توازن مصالح لا تضع استقرار السودان ضمن أولوياتها الحقيقية.
ما يجري في السودان ليس مجرد صراع مسلح بين جيش ومليشيا بل هو تفكك تدريجي لمفهوم الدولة ذاته. ففي ظل غياب أي مؤسسات مدنية فاعلة يتصدر المشهد العسكريون وقادة المليشيات بينما تغيب قوى المجتمع المدني عن مائدة الفعل وإن حضرت فبلا أظافر هذا الفراغ المدني ليس قدرا محتوما بل نتاج لتراكم طويل من تهميش العمل المدني وتقويض الأحزاب والكيانات النقابية لصالح السلطوية والتجييش.
وكلما طالت الحرب زاد خطر الانقسام المجتمعي والجهوي لا سيما مع التصعيد في خطاب الكراهية واستدعاء الهويات الأولية وهو ما يُنذر بتحول الجغرافيا السودانية إلى كانتونات مسلحة تتنازعها ولاءات الخارج وأجندات القوى الإقليمية.
رغم فداحة الأزمة تبدو المواقف الدولية عاجزة أو بالأحرى متواطئة بصمتها لا توجد خطة دولية ملزمة لوقف الحرب ولا ضغط جاد على الأطراف المتنازعة بل يتم التعامل مع المأساة السودانية كمجرد بند في قائمة النزاعات الأفريقية المنسية حتى بعثات الأمم المتحدة تحولت إلى أجسام شكلية يطاردها العجز واللامبالاة.
والسؤال الصعب لماذا لا تتحرك القوى الدولية؟
الجواب، على ما يبدو يكمن في غياب المصالح المباشرة وضعف موقع السودان الجيوسياسي في الحسابات الاقتصادية الغربية مقارنة بمناطق مثل الخليج أو شرق آسيا. وهنا لا يمكن فصل هذا التجاهل عن سياق دولي يتغير حيث لم تعد القيم الديمقراطية أولوية لصناع القرار الدوليين في ظل تنامي الشعبويات والبراغماتية السياسية.
في الجوار تتبدل خارطة التحالفات والمصالح فإيران تعود تدريجيا إلى العمق الإقليمي وتعيد تموضعها في أفريقيا مستغلة الفراغات الأمنية والصراعات الأهلية. في المقابل تنظر دول الخليج وخصوصا السعودية والإمارات إلى السودان بعين استراتيجية ليس فقط كمجال حيوي أمنيا وزراعيا بل كجزء من تهيئة المنطقة لعصر ما بعد النفط.
هذا الانشغال الإقليمي بالتحول الاقتصادي والاستراتيجي جعل السودان بالنسبة للبعض ملفا ثانويا ما لم يرتبط مباشرة بأمن البحر الأحمر أو تنافس النفوذ الدولي. أما بالنسبة للفاعلين المحليين، فقد أصبح الحصول على دعم إقليمي أو تسليح خارجي شرطا ضمنيا للاستمرار في ساحة المعركة وليس التفاوض من أجل الوطن.
إن الطريق للخروج من هذا الجحيم لا يمر عبر العسكر ولا المليشيات بل عبر بوابة القوى المدنية الحقيقية إن وجدت إرادتها السياسية وتنظمت في مشروع جامع يضع وحدة السودان وكرامة مواطنيه فوق المصالح الفئوية.
لا بد من خطاب وطني جام يعيد تعريف مفهوم الدولة السودانية على أسس ديمقراطية وعدالة اجتماعية ويُقصي من المعادلة كل من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء أيا كانت أزياؤهم أو شعاراتهم.
لكن هذا لن يحدث تلقائيا بل يتطلب جهدا مضنيا من النقابات والطلاب والحركات الشبابية والنساء والمثقفين وكل من تبقى من قوى الحياة في هذا الوطن الجريح.
السودان اليوم يقف على حافة انفجار داخلي، بينما يتغيّر الإقليم من حوله بسرعة غير مسبوقة. في هذا الزمن المضطرب، لا مكان للأوهام، ولا جدوى من انتظار الفرج من الخارج. إن لم يتحرك الشعب وقواه المدنية الآن، فسيصحو على وطن بلا ملامح، تحكمه البنادق، وتوزعه الخرائط الأجنبية.