مقالات
ما هو ممر ترامب ؟

ما هو ممر ترامب ؟
محمود الجاف
حسب ما أُعلن في البيت الأبيض بتاريخ 8 أغسطس 2025، شهد العالم تطورًا جيوسياسيًا بارزًا بعد توقيع اتفاق سلام تاريخي بين أرمينيا وأذربيجان، برعاية الولايات المتحدة الأميركية . هذا الاتفاق لا يقتصر على إنهاء النزاع في إقليم ناغورنو كاراباخ، بل يُدشّن لمشروع استراتيجي بالغ الأهمية يحمل اسم ( ممر ترامب للسلام والازدهار الدولي (TRIPP) يمتد لمسافة 43 كيلومتراً عبر مقاطعة سيونيك في جنوب أرمينيا، ليربط أذربيجان بجمهورية نخجوان ذات الحكم الذاتي، دون المرور عبر الأراضي الإيرانية أو التأثر بالنفوذ الروسي . ويمثل هذا التحول مكسبًا كبيرًا لكل من واشنطن وباكو . بموجب الاتفاق، منحت أرمينيا الولايات المتحدة امتياز تطوير الممر لمدة تصل إلى 99 عامًا، عبر شراكة استثمارية أميركية – أرمينية . ويشمل المشروع :
1 : سككًا حديدية وطرقًا سريعة
2 : خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز
3 : كابلات ألياف ضوئية
4 : مشاريع بنية تحتية رقمية
5 : مبادرات في الطاقة المتجددة
6 : بتكلفة مبدئية تتجاوز 10 مليارات دولار .
إيران . الخاسر الأكبر؟
تتجاوز أهمية TRIPP الجوانب الاقتصادية، فهو يُعيد رسم موازين النفوذ في جنوب القوقاز . إذ يسمح للولايات المتحدة بترسيخ وجودها في منطقة ظلت لعقود مسرحًا لتنافس إقليمي بين روسيا، تركيا، وإيران التي أبدت معارضة شديدة للمشروع واعتبرته تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي .
أبرز أسباب القلق الإيراني :
-عزل جغرافي بين أذربيجان ونخجوان، ما يُفقد إيران ورقة ضغط استراتيجية.
-وجود استثمارات أميركية مباشرة قرب حدودها الشمالية، يُعد تطويقًا إضافيًا في ظل علاقات عدائية مع واشنطن .
-خسائر اقتصادية محتملة بمليارات الدولارات من عائدات مرور التجارة والطاقة، كانت تأمل
إيران أن تحصل عليها من مشاريع ممر ” الشمال – الجنوب “.
الأبعاد الداخلية : تهديد للاستقرار الإيراني .
القلق الأكبر يتمثل في احتمال تأثير الممر على الداخل الإيراني، وتحديدًا على الأقلية الأذرية الكبيرة في شمال غرب البلاد، وخصوصًا في مدينة تبريز . فمن المتوقع أن تعزز قوة أذربيجان الإقليمية المشاعر القومية لدى هذه الأقلية، ما قد يؤدي إلى حركات احتجاج أو مطالب انفصالية في سياق سياسي هش أصلًا . كما أن عزلة إيران المتزايدة عن مشاريع الطاقة وخطوط الأنابيب المستقبلية سيُضعف نفوذها في السوق الأوروبية، ويُعزز من تبعيتها لطرق بديلة تسيطر عليها قوى غربية . من جهتها، رحّبت تركيا بالمشروع واعتبرته فرصة استراتيجية لتعزيز التكامل الإقليمي بين الشعب التركي والقوقاز وآسيا الوسطى . أما روسيا، فرغم أنها لم تُبدِ موقفًا رسميًا حادًا، لكنها تدرك جيدًا أن TRIPP يمثل تآكلًا واضحًا لنفوذها التاريخي في جنوب القوقاز، لا سيما في ظل تراجع هيمنتها على طرق الطاقة والنقل بين آسيا وأوروبا. أوروبا والصين تنظران إلى الممر كمبادرة استراتيجية لتعزيز الربط التجاري وتقليل الاعتماد على مسارات غير مستقرة سياسيًا. أما الولايات المتحدة، فترى فيه أداةً جيوسياسية لإحكام الطوق على الخصمين الرئيسيين : إيران وروسيا، وتوفير بدائل موثوقة ومستقرة للطاقة والتجارة الدولية .
أخيرا هل هو ممر أم شرارة جديدة؟
لا يمكن فهم “ممر ترامب” بوصفه مجرد مشروع بنية تحتية. إنه أداة لإعادة تشكيل موازين القوى في القوقاز وآسيا الوسطى . هذا المشروع قد يكون محورًا لتحالفات جديدة، أو نقطة اشتعال إقليمي في منطقة مضطربة أصلًا . وفي ظل ذلك، تبدو إيران محاصرة من الخارج، ومعرّضة لضغوط من الداخل . فهي تحيط بها :
برًا: أفغانستان، باكستان، تركمانستان، أرمينيا، أذربيجان (ونخجوان)، تركيا، والعراق .
بحرًا عبر الخليج : الكويت، السعودية، قطر، البحرين، الإمارات، وعُمان .
إنها خريطة جديدة تتشكل، وقد تكون بدايتها من 43 كيلومترًا فقط . لكنها قد تُغيّر وجه المنطقة لعقود قادمة