رئيسيالافتتاحيه

تسريب الأراضي الفلسطينية عبر سماسرة الأراضي ومكاتب العقارات: البعد القانوني والواقع الميداني

تسريب الأراضي الفلسطينية عبر سماسرة الأراضي ومكاتب العقارات: البعد القانوني والواقع الميداني

بقلم رئيس التحرير 

المقدمة

تسريب الأراضي الفلسطينية يمثل أحد أخطر التهديدات للهوية الوطنية الفلسطينية وحق تقرير المصير. فالسيطرة على الأرض هي جوهر الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأي عملية بيع أو نقل ملكية، خصوصاً حين تتم عبر سماسرة في العديد من الدول العربية ، وبالتعاون مع كتّاب عدل إسرائيليين، تشكل أداة مباشرة لتمكين المشروع الاستيطاني. هذه الظاهرة ليست عمليات فردية معزولة، بل هي شبكات منظمة تستغل الثغرات القانونية والعلاقات السياسية لإضفاء “شرعية مزيفة” على صفقات مشبوهة.

أولاً: الإطار القانوني الفلسطيني

لقد أولى المشرّع الفلسطيني أهمية قصوى لحماية الأرض من التسريب:

المادة (114) من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 (المعمول به في الضفة الغربية) نصت على أن: “كل من نقل ملكية أرض إلى عدو يعتبر مجرمًا ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة”[^1].

كما أصدر الرئيس الفلسطيني قرار بقانون رقم 11 لسنة 2010 بشأن حظر ومكافحة تسريب الأراضي، والذي اعتبر أي بيع أو تفويض أو توكيل لأراضٍ أو عقارات لصالح العدو أو وسطاء يعملون لصالحه جريمة تمس الأمن القومي الفلسطيني وتستوجب العقوبة الرادعة[^2].

هذه النصوص القانونية تعكس إدراك خطورة المساس بالأرض باعتبارها ليست مجرد ملكية خاصة، بل ركيزة وطنية وسيادية.

ثانياً: البعد الدولي

يؤكد القانون الدولي على عدم مشروعية الاستيطان والتصرف بالأراضي الفلسطينية المحتلة:

المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949): تؤكد أن حقوق السكان في الأراضي المحتلة لا يجوز المساس بها، حتى في حال نقل السيادة أو توقيع اتفاقيات مخالفة[^3].

المادة 49 من الاتفاقية ذاتها: تحظر على قوة الاحتلال نقل جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها[^4].

قرار مجلس الأمن 2334 لسنة 2016: اعتبر أن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية “انتهاك صارخ للقانون الدولي”، وطالب بوقف جميع الأنشطة الاستيطانية[^5].

وعليه فإن أي عملية تسريب للأراضي تساهم في توسيع المستوطنات تمثل مشاركة غير مباشرة في خرق قواعد القانون الدولي الإنساني.

ثالثاً: آليات التسريب والتوثيق الواقعي

تشير تقارير حقوقية وإعلامية إلى أن السماسرة يعتمدون على آليات عابرة للحدود، من أبرزها:

  1. التعاون مع كتّاب عدل إسرائيليين:

حيث يتم تمرير العقود لتصديقها لدى مكاتب عدل إسرائيلية، ما يمنحها غطاءً قانونياً زائفاً يمكن استخدامه لاحقاً أمام المحاكم الإسرائيلية. وقد كشفت تقارير أممية أن كتّاب عدل إسرائيليين كانوا يصدّقون على تفويضات بيع تمت في في العديد من الدول ، بما في ذلك تفويضات غير قابلة للإلغاء لمدد تصل إلى 15 عاماً[^6].

  1. عقد الصفقات ويقظة أجهزة الامن

في الأردن، جرى الكشف عن شبكات تضم فلسطينيين وإسرائيليين متورطين في استخدام تصاريح مزورة لبيع أراضٍ في القدس للمستوطنين، ما دفع السلطات الأردنية إلى فرض قيود صارمة على التفويضات العقارية[^7].

في الإمارات، أشارت تقارير صحفية إلى أن مكاتب عقارية لعبت دور الوسيط في تمرير عقود شكلية، ثم نقلت الملكيات لاحقاً عبر شركات واجهة لتصب في النهاية في يد مؤسسات استيطانية إسرائيلية[^8].

  1. التزوير واستخدام أسماء وهمية:

أظهرت حالات موثقة أن بعض الصفقات تمت عبر استخدام هويات متوفين أو وثائق ضعيفة قانونياً، ورغم ذلك صودق عليها في السجلات الإسرائيلية، ما يعكس وجود شبكة تلاعب متكاملة تستغل غياب الرقابة القانونية في بعض الدول العربية[^9].

رابعاً: التوصيات

  1. بطلان أي عقود موثقة لدى كتاب عدل إسرائيليين تتعلق بأراضٍ فلسطينية، واعتبارها غير منتجة لأي أثر قانوني داخل فلسطين.
  2. إنشاء آلية فلسطينية–أردنية مشتركة للتدقيق في عقود بيع الأراضي، وتبادل المعلومات حول المكاتب العقارية والسماسرة المشبوهين.
  3. التشريعات الرديفة وتتطلب سن قوانين تمنع تمرير صفقات متعلقة بأراضٍ فلسطينية لصالح الاحتلال.
  4. حملات توعية للمغتربين الفلسطينيين لشرح خطورة التسريب، مع توفير بدائل قانونية لإدارة أملاكهم عبر مؤسسات وطنية.
  5. الاستناد إلى البعد الديني والوطني، بتجديد الفتاوى التي تحرم بيع الأرض للعدو أو الوسطاء، باعتبار الأرض وقفاً وطنياً لا يجوز التصرف فيه.

الخاتمة

إن تسريب الأراضي الفلسطينية عبر شبكات من السماسرة ومكاتب العقارات في  العديد من الدول ، وبالتنسيق مع كتاب عدل إسرائيليين، يمثل تهديداً مركباً قانونياً وسياسياً ووطنياً. هذه الصفقات لا تستهدف الملكيات الفردية فقط، بل تستهدف الحق الجماعي للشعب الفلسطيني في أرضه. ومواجهتها تقتضي إرادة سياسية فلسطينية حازمة، وتنسيقاً عربياً مشتركاً، واستناداً إلى القانون الدولي، لأن حماية الأرض هي حماية للهوية الوطنية ولحقوق الأجيال القادمة.

الهوامش

[^1]: قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، المادة (114).

[^2]: قرار بقانون رقم 11 لسنة 2010 بشأن حظر ومكافحة تسريب الأراضي والعقارات، الجريدة الرسمية الفلسطينية.

[^3]: اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، المادة (47)، 1949.

[^4]: اتفاقية جنيف الرابعة، المادة (49)، 1949.

[^5]: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار 2334 (2016).

[^6]: تقرير الأمم المتحدة بشأن أوضاع الأراضي الفلسطينية المحتلة، لجنة التحقيق الخاصة، 2012.

[^7]: ecoi.net: “Jordan: Sale of Land to Israelis,” 2014.

[^8]: تقارير صحفية عربية حول دور بعض المكاتب العقارية في الإمارات بتمرير صفقات مشبوهة (القدس العربي، 2019).

[^9]: Al Jazeera, “Israeli settlers forging deeds for land,” 2014.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب