تحقيقات وتقارير

البرهان وقوى الحرية.. لماذا أصبحت الدوحة محطّ اهتمام الأطراف السودانية؟

البرهان وقوى الحرية.. لماذا أصبحت الدوحة محطّ اهتمام الأطراف السودانية؟

محمد مصطفى جامع  

أجرى قائد الجيش السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان، الخميس الماضي الموافق لـ 7 سبتمبر/ أيلول الحالي، زيارة إلى دولة قطر ضمن جولات خارجية ابتدرها بالقاهرة أواخر أغسطس/ آب الماضي، عندما خرج بعملية عسكرية من القيادة العامة للجيش التي ظلّ فيها منذ اندلاع الحرب يوم 15 أبريل/ نيسان الماضي.

قبل زيارة البرهان بأيام قليلة، وصل إلى العاصمة القطرية الدوحة وفد من قوى الحرية والتغيير التي كانت تمثل الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، قبل أن يطيح بها الجنرالات في انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

نستعرض في هذا التقرير الأسباب التي دعت كلا الطرفَين، العسكر والمدنيين، إلى اهتمامهما بقطر ورغبتهما في كسب تأييد الدوحة لمواقفهما، خلافًا لما كان عليه الوضع قبل الانقلاب، إذ اتصفت علاقات حكومة ما بعد البشير بالبرود مع قطر، إذ ركّز المكونان المدني والعسكري على تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.

الحرية والتغيير.. جولات إقليمية

في مطلع يوليو/ تموز الماضي، غادر وفد من تحالف الحرية والتغيير وقادة سياسيين الخرطوم إلى الخارج، بعد أكثر من شهرَين من اندلاع الحرب الدموية بين الجيش والدعم السريع.

المحطة الأولى لوفد الحرية والتغيير “قحت” كانت أوغندا، حيث وصل وفد رفيع من القوى السياسية إلى عنتيبي الأوغندية، وأجرى محادثات مع الرئيس يوري موسيفيني بحثت تطورات الأوضاع في السودان ورؤية الائتلاف لوقف الحرب.

ومن أوغندا توجّه وفد “قحت” إلى نيروبي، إذ أجرى مباحثات مع الرئيس الكيني وليام روتو في نيروبي، التزم خلالها الأخير بالعمل “مهما كانت التحديات” لوقف الحرب بين الجيش والدعم السريع.

ترأّست كينيا اللجنة الرباعية التي شكّلتها الهيئة الحكومية للتنمية “إيقاد”، والرامية إلى وقف الحرب التي يشهدها السودان منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، لكن حكومة الأمر الواقع السودانية بقيادة البرهان اعترضت على رئاسة كينيا لهذه اللجنة واتهمتها بعدم الحياد.

في أعقاب ذلك اتجه وفد المدنيين إلى القاهرة، حيث عُقد في أواخر يوليو/ تموز الماضي اجتماع للقوى المدنية السودانية، مكمّلًا لما بدأ في 13 يونيو/ حزيران من استضافة القاهرة لقمة دول جوار السودان، كمبادرة مطروحة من دول الجوار لإيجاد صيغة مُرضية لكافة الأطراف، في ضوء القيود المفروضة على الرؤى البديلة وفي ضوء سعي المبادرة لضمّ كافة دول الجوار الأفريقي.

خروج عن حالة الصمت

سعت قوى الحرية والتغيير مؤخرًا للخروج عن حالة الحياد والصمت التي التزمت بها في بداية الصراع، والتي تسبّبت في اتهامها بالانحياز إلى أحد طرفَي الصراع (الدعم السريع)، نظرًا إلى عدم إدانتها الانتهاكات الواسعة التي تورّطت فيها قوات حميدتي من قتل واغتصاب ونهب ودمار للبنية التحتية وتطهير، وكلها جرائم وثّقتها منظمات دولية مثل الأمم المتحدة وهيومان رايتس ووتش، كما أدانتها الولايات المتحدة التي فرضت مؤخرًا عقوبات على الرجل الثاني في الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، بسبب تورطه المباشر في تلك الانتهاكات.

بعد القاهرة، عادت قوى الحرية والتغيير إلى شرق أفريقيا مرة أخرى، إذ عقدت اجتماعًا آخر في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمشاركة الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري “الحركات المسلحة”.

أما آخر محطات قوى الحرية في جولاتها الإقليمية كانت العاصمة القطرية الدوحة، حيث أثارت الزيارة استفهامات عديدة باعتبار قطر لم تكن محطّ اهتمام قوى الحرية والتغيير طيلة الفترة التي أمضاها الائتلاف المدني في الحكم قبل الانقلاب، إذ حرصت قوى الحرية والتغيير في تلك الفترة على تعزيز علاقاتها مع السعودية والإمارات من خلال الزيارات المتبادلة والترويج لمصالح أبوظبي في السودان، كما كان يفعل وزير مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف.

الإعلام القطري يتجاهل زيارة وفد “قحت”

من اللافت في زيارة وفد قوى الحرية والتغيير إلى الدوحة أن الإعلام القطري الرسمي لم ينقل أي شيء عن اجتماعات الوفد السوداني مع المسؤولين القطريين، وكان المصدر الوحيد لتلك اللقاءات هو البيانات التي تصدرها قوى الحرية والتغيير.

في المقابل، حظي قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان باستقبال ووداع رسميَّين نقلتهما وكالة الأنباء الحكومية “قنا”، كما عقد البرهان جلسة مباحثات رسمية مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث أَطلع الأخير على مستجدات الأوضاع والتحديات التي يواجهها السودان.

وجدد أمير قطر، خلال الجلسة، “التأكيد على موقف دولة قطر الداعي إلى وقف القتال في السودان، وانتهاج الحوار والطرق السلمية لتجاوز الخلافات، وتطلعها إلى انخراط كل القوى السياسية السودانية في مفاوضات واسعة بعد الوقف الدائم للنزاع العسكري، وصولًا إلى اتفاق شامل وسلام مستدام يحققان تطلعات الشعب السوداني الشقيق في الاستقرار والتنمية والازدهار، مثمّنًا في هذا الصدد الجهود الإقليمية والدولية والمساعي الحميدة الهادفة لإنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في السودان”، وفقًا لوكالة الأنباء القطرية الرسمية “قنا”.

داليا الطاهر- Dalia Eltahir
@dalia_eltahir
قوى الحرية والتغيير البيان الختامي لإجتماع قوى الحرية والتغيير المنعقد بالقاهرة خلال الفترة من 24-25 يوليو 2023م رؤية لإنهاء الحرب وتأسيس وإعادة بناء الدولة السودانية الجديدة عقدت قوى الحرية والتغيير إجتماعاً مهماً ومفصلياً وتاريخياً في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من 24-25 يوليو 2023م وهو أول إجتماع تعقده قيادات الحرية والتغيير ومؤسساتها حضورياً منذ بداية الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م نتقدم بالشكر لجمهورية مصر العربية قيادة وحكومة وشعباً على كل المجهودات والمساعدات التي قُدمت لبنات وأبناء شعبنا قبل الحرب وبعدها في الإستضافة وإستقبال القادمين من جحيم الحرب، ولجهودهم من أجل إنهائها وترحيبهم بقيام هذا الإجتماع في أرض مصر. إستهل الإجتماع أعماله بالترحم على من فقدوا أرواحهم في حرب الخامس عشر من أبريل من المدنيين والعسكريين من أبناء وبنات شعبنا وأعرب عن أصدق الأمنيات بعاجل الشفاء للجرحي والمصابين وعميق التضامن مع كل الذين شردوا من ديارهم وفقدوا ممتلكاتهم وأن هذه التضحيات لشعبنا ستثمر بذورها المروية بدماء الشهداء ودموع الجرحي والمعتقلين والنازحين واللاجئين المشردين من ديارهم بناء وتأسيس وإعادة بناء الدولة السودانية الجديدة. تناول الإجتماع بنقاش مستفيض الأجندة الاتية:- أولاً:- القضية الإنسانية وحماية المدنيين وإنتهاكات حقوق الإنسان (1) أدان الإجتماع الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي نتجت عن هذه الجرائم القتل والسلب والنهب وإحتلال البيوت التي قامت بها قوات الدعم السريع، وجرائم القصف الجوي والإعتقالات التعسفية للناشطين وحماية أنشطة وفعاليات وفلول النظام البائد من قبل القوات المسلحة. نحن إذ نؤكد في هذا السياق أننا نتعامل مع قضية الإنتهاكات بوصفها قضية حقوقية وأخلاقية نطالب بوقف جميع أنواع الإنتهاكات فوراً وإجراء تحقيق مستقل حولها يحدد المنتهكين ويحاسبهم مع إعتماد آليات فاعلة لإنصاف الضحايا ومحاسبة الجناة وجبر الضرر وتعويض المتضررين. ندعو المجتمع الإقليمي والدولي لوضع قضية حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية لجميع المتضررين في مقدمة أجندته. (2) تقدم الإجتماع بالشكر الجزيل لكل الدول الجارة والصديقة التي فتحت حدودها والتي سارعت بإرسال المساعدات الإنسانية للمتضررين منذ أيام الحرب الأولي ولكن معظمها للاسف الشديد لم يجد طريقه للمستحقين وضلت طريقها جراء سيطرة فلول النظام البائد على المؤسسات الحكومية والجهات المشرفة على التوزيع، ونطالب بعدم تعطيل أعمال الإغاثة والسماح بدخول العاملين فيها للسودان. (3) الإشادة بالشعب السوداني المعلم الذي إجترح البطولات بعمل غير مسبوق بإستقبال ملايين النازحين في المدن والقري وفتح لهم القلب قبل البيت، وبالإسهام الكبير أيضاً الذي لعبته غرف الطوارئ المشكلة بالأحياء من شباب وشابات لجان المقاومة والمبادرات الإنسانية بالولايات وضرورة تشبيك العلاقات المشتركة في ما بينهم بغرض تطوير عملهم وإشرافهم على توزيع المساعدات وإيصالها لمستحقيها. ثانياً- الرؤية الإستراتيجية (1) أكد الاجتماع إن الحرب التي اندلعت في 15 ابريل 2023م هي نتاج عقود من تراكمات سلبية، صاحبت انظمة الحكم الوطني منذ فجر الاستقلال وغياب المشروع الوطني الذي يحظى بإجماع كافي وعدم قدرة النظام السياسي علي التجديد والتحديث والتقدم، وإن قوى ثورة ديسمبر المجيدة سعت لكتابة تاريخ جديد لبلادنا، حتى جاء انقلاب 25 أكتوبر ليقطع الطريق أمام ذلك ويؤزم الأوضاع في البلاد بصورة غير مسبوقة، وحين سعت القوى الديمقراطية لإنهاء الانقلاب عبر الاتفاق الاطاري، عمل عناصر النظام البائد على اشعال الحرب لقطع الطريق أمام استرداد المسار الديمقراطي ولتصفية الثورة وقواها. وفقاً لما تقدم فقد أجاز الاجتماع الرؤية السياسية لإنهاء الحروب وتأسيس الدولة السودانية الجديدة عبر مشروع نهضوي جديد يحقق السلام المستدام ويقيم نظاماً مدنياً ديمقراطياً يحترم التنوع السوداني ويحسن ادارته ويبني جيشاً مهنياً قومياً واحداً ينأى عن السياسة ويخضع للسلطة المدنية. وفي هذا فإننا لن نبدأ من فراغ بل سنستصحب كل إيجابيات تجربتنا الوطنية والبناء عليها في إطار مشروع التأسيس والنهضة. (2) وجه الاجتماع بنشر الرؤية الاستراتيجية كاملة لجماهير الشعب السوداني وفتح نقاش وطني حولها وصولاً لإنهاء الحرب وبناء مستقبل جديد لبلادنا تحت رايات الوحدة والسلام والعدالة والمواطنة المتساوية والديمقراطية والعيش الكريم. (3) طالب الاجتماع بضرورة تصنيف المؤتمر الوطني وواجهاته كتنظيم إرهابي جراء جرائمه التي ارتكبها منذ تقسيم البلاد والإبادة الجماعية انتهاءاً بإشعال حرب 15 أبريل والسعي لاستمرارها وتغذية خطابات الكراهية والعنصرية وتقسيم البلاد.

Image

كل المؤشرات تدلّ على أن الجنرال البرهان وقوى الحرية طلبا زيارة الدوحة كلًّا على حدة، أي أن قطر لم توجّه إلى أي منهما دعوة رسمية لزيارة البلاد، لكن الاستقبال الرسمي الذي حظي به البرهان من قبل الشيخ تميم يوضّح أن قطر تتعامل معه باعتباره يمثل السلطة الحالية في السودان، تمامًا كما تفعل الأمم المتحدة التي دعته لتمثيل السودان وإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة التي ستعقد دورتها الـ 78 خلال سبتمبر/ أيلول الحالي.

قد يكون البرهان طلب دعمًا من قطر

سأل “نون بوست” الباحث في العلاقات الدولية أحمد زمراوي عن مغزى الزيارتَين في هذا التوقيت، فأجاب بقوله: “تأتي الزيارتان في سياق شرح موقف الأطراف الفاعلة”، مشيرًا إلى أن قوى الحرية قامت بجولات في مصر وعدة دول أفريقية في سياق إيضاح رؤيتها لوقف الحرب، تقدم نفسها كجهة سياسية فاعلة، رغم أنه تم إقصاؤها من مفاوضات جدة.

وأضاف محدثنا: “الشيء نفسه ينطبق على البرهان الذي بدأ جولته من القاهرة ثم جنوب السودان والدوحة، وربما قريبًا يزور جدة كخاتمة لجولته”، قبل أن يستدرك قائلًا: “إن زيارة البرهان إلى قطر ربما تقرَأ بأنه يبحث عن دور عربي أكبر في الأزمة السودانية، بالنظر إلى توتر علاقاته مع الاتحاد الأفريقي ودول مؤثرة مثل كينيا”.

موضّحًا أن قطر قدمت دعمًا مقدّرًا للسودان لمواجهة الكارثة التي خلفتها الحرب، متمثلًا في الجسر الجوي الإنساني الكبير والمساعدات الطبية المستمرة، إضافة إلى تكفل الحكومة القطرية بشحن مصنع الجوازات السودانية إلى بورتسودان.

وإجابة عن سؤال لـ”نون بوست” عما إذا كان البرهان يسعى إلى دعم من الدوحة، قال المختص في الشأن السوداني أحمد زمراوي: “أتوقع أن يكون قد طلب من القطريين دعمًا سياسيًّا أو عسكريًّا، خاصة أنه ألمح إلى بقائه في المشهد خلال الفترة القادمة عندما تحدث قبل أيام عن نهاية الدعم السريع والذين راهنوا عليه”.

وأضاف أنه يعتقد أن يكون تعامل المسؤولين القطريين حذرًا، لأنهم يقدمون أنفسهم كوسطاء كما حدث في الشأن الأفغاني بين طالبان والولايات المتحدة وبين الأخيرة وإيران، مختتمًا بقوله: “ليس من المهم الطلبات التي تقدَّم في الغرف المغلقة، لكن ردة الفعل دائمًا هي الأهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب