مقالاتالصحافه

نزاهة جنوب افريقيا وركاكة المنظومة العربية!

راي القدس العربي

راي القدس العربي

أعلنت محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة الماضي، أنها تلقت طلبا من جنوب افريقيا لبدء إجراءات ضد إسرائيل لاتهامها بارتكاب «أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني» في قطاع غزة.
يمثّل قرار جوهانسبرغ تطوّرا سياسيا دوليا مؤثّرا فلجنوب افريقيا موقع مركزيّ في التاريخ البشريّ باعتبارها المثال الأبرز على نجاح نضال شعب جنوب افريقيا في إسقاط نظام الفصل العنصري للأقلية البيضاء، والذي سيطر على الحياة السياسية في البلاد منذ 1948، السنة نفسها التي تأسست فيها إسرائيل.
كانت حكومة جان سموتس، المؤيد للصهيونية بشدة، سابع دولة تعترف بإسرائيل، في 24 أيار/مايو 1948، ومفيد هنا استذكار في البيان السنوي لحكومة جنوب افريقيا لعام 1976 والذي يقول إن «لدى إسرائيل وجنوب أفريقيا شيء مشترك: كلاهما موجودان في عالم يطغى عليه العداء ويسكنه أناس من السود»!
بصعب على المتأمل في هيكلية نظام الفصل العنصري الراحل في جنوب افريقيا تجاهل عناصر تشابهه مع النظام الإسرائيلي، فالسكان فيه كانوا يصنّفون حسب ولادتهم إلى: بيض، وسود، وخلاسيون وهنود، وهو ما يشبه تصنيف تل أبيب لليهود وتقسيمها العرب الفلسطينيين إلى فئات يختلف التعامل معها (فلسطينيو 48، دروز، بدو، وفلسطينيو 67 الخ) كما تذكر إجراءات نظام بريتوريا المتعلقة بالأراضي بإجراءات إسرائيل، حيث صادر نظام جنوب افريقيا السابق معظم الأراضي (87٪) لصالح البيض، وأجلى نحو 3,5 ملايين شخص قسرا، ونقل السود إلى «بلدان السودان» والبانتوستانات (المحميات العرقية) وحتى العام 1986 كان على السود التنقل حاملين «تصريحا» أي وثيقة هوية تحدد المكان الذي يسمح لهم بالذهاب اليه تحت طائلة الزج بالسجن او دفع غرامة.
يعطي هذا التشابه بين النظامين الإسرائيلي والجنوب افريقي السابق، وجاهة لمواقف جنوب افريقيا المشرّفة من رفض حرب التطهير العرقي الجارية في غزة حاليا، والتي كللتها برفع شكوى ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، ثم برفع دعوى في محكمة العدل الدولية، لكن موقف جوهانسبرغ، من جهة أخرى، يمكن أن يثير التساؤلات الممضة لدى الشعوب العربية حول سبب سبق جوهانسبرغ لرفع هذه الدعوى، وهي الدولة البعيدة عن فلسطين، في حين استنكفت أي من الدول العربية عن القيام بإجراء سياسي مماثل، سواء عبر «الجامعة العربية» أو عبر الدول نفسها.
كان طبيعيا أن ترحّب منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، بالإجراء الجنوب أفريقي، كما كان طبيعيا الغضب الإسرائيلي الشديد من ذلك الإجراء، لكن الغائب الأكبر في هذا الجدل هو انعدام ردود الفعل الإيجابية العربية على موقف جنوب افريقيا، حتى الآن، وهو أمر يثير الشكوك.
يمكن أن نعزو هذا الصمت إلى الإحراج الذي تشكّله مبادرة جنوب افريقيا لواقعة التخاذل العربي تجاه الفلسطينيين، أم أنه، بالأحرى، تعبير عن تواطؤ، ظاهره رفض بعض الدول العربية لحركة «حماس» بدافع رهانها، مؤخرا، على التطبيع مع إسرائيل، واشتغالها، في العقدين الماضيين، على إنهاء أي أشكال مقاومة للأنظمة العربية المستبدة، وهو ما يصبّ، عمليا، في المجهود الحربي الإسرائيلي، وليس في صالح الفلسطينيين، الذين يتعرضون للإبادة الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب