تحقيقات وتقارير

“كمين” لقائد جيش الاحتلال الإسرائيلي في اجتماع مجلس الحرب تزامناً مع الكشف عن 12 ألف جندي معاق

“كمين” لقائد جيش الاحتلال الإسرائيلي في اجتماع مجلس الحرب تزامناً مع الكشف عن 12 ألف جندي معاق

الناصره / وديع عواودة

 جاء انهيار اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، ليلة أمس، بعدما هاجم عددٌ من الوزراء المتشددين قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، بعدما كشف عن تعيينه الجنرال في الاحتياط شاؤول موفاز رئيساً للجنة فحص ما جرى في السابع من أكتوبر وما بعده، رغم أنه كان قد سبق وأيّد عملية فك الارتباط عن غزة، عام 2005، وهذه، بنظرهم، بداية الفشل الإستراتيجي الكبير المتمثل في “طوفان الأقصى” ومفاعيلها العميقة والخطيرة.

وكان من المفترض أن يبحث الاجتماع المتفجّر، في الليلة الفائتة، سؤال “اليوم التالي” للحرب، بعدما كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يعارض التداول به، رغم ضغوط الجيش والرأي العام والضغوط الأمريكية. بل كان من المفترض أن يتباحث مجلس الحرب في “سؤال اليوم التالي”، قبل أيام، لكن الوزيرين المتطرفين الغيبيّين باتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير هدّدا نتنياهو بتفكيك الائتلاف الحاكم، إذا ما تباحث مجلس الحرب بسؤال “اليوم التالي”، زاعمين أن هذه سؤالٌ سياسي ينبغي التباحث به في المجلس الوزاري السياسي- الأمني وفي الحكومة، وليس في مجلس الحرب، وهذا ما حصل، حيث سارع نتنياهو للتراجع ونقل الموضوع لاجتماع الليلة الفائتة، والذي تحوّل لـ “كمين” و”حمام ساخن” لقائد الجيش، وفيه تعرّض لهجوم من أربعة وزراء على الأقل، فيما كان نتنياهو يصمت و”يتفرّج” مستفيداً من هذا الموقف الذي يصبّ الماء على طاحونته، فهو الآخر كوزرائه يتهم المستوى العسكري بالفشل الاستخباراتي الذريع، في السابع من أكتوبر، ولكن ليس فحسب، فهناك حسابات واعتبارات مشتركة له ولهم خلف هذا الهجوم وخلف الاستنكاف عن البحث الحقيقي الجاد لسؤال “اليوم التالي”.

 شنّ سموتريتش وأعضاء حزبه هجمة على المستوى العسكري بدعوى أنه يواصل الغرق في ذات العقيدة الإستراتيجية التي أفضت للسابع من أكتوبر

طبقاً للتسريبات الإسرائيلية الصحفية، كان من المفترض أن يتم اجتماع هام، يأتي بعد 90 يوماً من الحرب على غزة، وفيه يتم اتخاذ قرار بهوية الجهة التي ستدير القطاع بناء على فرضية إسرائيل أنها ستنتصر في هذه الحرب الفاشلة حتى الآن.

وتقول هذه التسريبات إن وزير الأمن يواف غالانت قد طرح خطة المؤسسة الأمنية لمواصلة السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وسط محاولة تهيئة جهات محلية لإدارة الشؤون المدنية. في هذه اللحظة شنّ سموتريتش وأعضاء حزبه هجمة على المستوى العسكري بدعوى أنه يواصل الغرق في ذات العقيدة الإستراتيجية التي أفضت للسابع من أكتوبر. ثم طالب سموتريتش وزمرته بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة واستعادة المستوطنات فيه، وانضم الوزيران من الليكود ميري ريغف ودافيد امسالم اللذان صعّدا الهجمة على قائد الجيش بعدما تبيّن أنه شكّلَ طاقماً للفحص برئاسة موفاز، وانضمّ لهم الوزير بن غفير ووجّه اتهامات قاسية للجيش بالفشل اتسمت بطابع الهجوم الشخصي.

في المقابل، وفيما واصلَ نتنياهو الصمت والمشاهدة، تصدّى الوزراء غانتس وبيطون وطروبر دفاعاً عن جيش الاحتلال وقائده هليفي. وفي لحظة معينة تدخّل نتنياهو، وقال إن الجلسة في هذا الموضوع انتهت، وسنكمل لاحقاً، وبذلك انهار الاجتماع، ولكن ليس فقط على خلفية اختلافات حول موضوع النقاش “اليوم التالي”.

 ومن غير المستبعد أن يكون نتنياهو شريكاً في ترتيب هذا الكمين مسبقاً من أجل خدمة عدة مآرب: مواصلة وَصْم المؤسسة الأمنية وتلطيخها بتحميلها مسؤولية الفشل حصرياً في إطار دحرجة المسؤولية نحوها، وتخليص المستوى السياسي بقيادته منها، وتفجير الاجتماع قبل أن يبدأ بالتداول الفعلي بسؤال “اليوم التالي”، الذي تعرضه هذه الحكومة الرافضة لعودة السلطة الفلسطينية وتخشى من عودة فكرة الدولتين مجدداً بعدما ظنوا أنها ماتت.

أكثر من ذلك، فبعض الوزراء المستوطنين المتشدّدين، ومنهم بن غفير المدان بالإرهاب في محكمة إسرائيلية، يصعّدون الضغوط على نتنياهو للسعي لتطبيق فكرة التهجير بموازاة التدمير، علاوة على بناء مستوطنات داخل القطاع مجدداً، وبالنسبة لهم؛ فإن كل شيء أقل من ذلك سيعتبر هزيمة لإسرائيل. ومن جهة أخرى، فإن التداول في “اليوم التالي” سيؤدي لزعزعة أسس الائتلاف الحاكم، وهذا بالنسبة لنتنياهو مفترق طريق بين المصلحة الشخصية بالإبقاء على التحالف مع المتشددين الغيبيّين كي يبقى في الحكم وبين مصالح إسرائيل العليا.

مثل هذه الفضيحة من شأنها أن تلحق ضرراً إضافياً بصورة ومكانة الحكومة بعيون الإسرائيليين، في ظل حرب مكلفة لا تحقق أهدافها العالية، مثلما أن ذلك سيدفع غانتس وأعضاء حزبه للبحث عن فرصة لمغادرة الحكومة التي انضموا لها بسبب الحرب ولفترة مؤقتة.

 من غير المستبعد أن يكون نتنياهو شريكاً في ترتيب الكمين لهاليفي لوَصْم المؤسسة الأمنية وتلطيخها بتحميلها مسؤولية الفشل حصرياً

وستزداد الضغوط على غانتس وايزنكوت لمغادرة هذا الائتلاف مع استمرار الحرب دون طائل، وازدياد عدد القتلى والجرحى في صفوف جنود الاحتلال، ودون تحديد أهداف لاستمراريتها، وحبل صبر هؤلاء بات قصيراً جداً، خاصة في ضوء استمرار المساعي المفضوحة لنتنياهو من أجل البقاء، وفي ظل الكشف عن الخسائر الحقيقة، وسيأذن خروجهم من الحكومة ببدء الحرب الداخلية مجدداً في الشوارع، ما يفتح سيناريو الإطاحة بنتنياهو، أو الذهاب لانتخابات عامة جديدة.

12500 معاق

وفي هذا المضمار، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الجمعة، عن أعداد مدهشة للجرحى في الجانب الإسرائيلي، منوهة أنه حسب وزارة الأمن تم حتى الآن، ومنذ الحرب على غزة، تقديم نحو 20 ألف طلب لقسم التأهيل الجسماني والنفسي، مرجحة أن يعلن، خلال العام الجاري، عن 12500 جندي إسرائيلي معاق، معظمهم معاقون جسمانياً جراء إصابات في الحرب، بما ينسجم تماماً مع تقارير المقاومة الفلسطينية يومياً.

وحسب هذا التحقيق العبري، فإن عدد الجرحى في هذه الحرب يعني حدثاً قومياً بمقاييس تاريخية تتطلب إعادة انتشار خاصة للجيش.

وتنقل الصحيفة عن جهات في وزارة الأمن خشيتها من احتمال انهيار قسم تأهيل المصابين العسكريين، ويأتي مثل هذه الكشف تزامناً مع الكمين ضد هليفي، وشجارات الحكومة الإسرائيلية ليزيد من حالة الضغط الداخلي وتصاعد النقاش حول الحرب جدواها ونهايتها و”اليوم التالي”، علاوة على ارتفاع أصوات تطالب بإسقاطها، كما جاء في تصريح رئيس المعارضة يائير لبيد، الذي قال إن هذه الحكومة فاشلة وفاسدة، ولا تستحق تضحيات الجنود.

ومن المرجح أن تتفاعل الخلافات الداخلية أكثر، في ظل حالة إحباط تلازم قادة الائتلاف، نتيجة انهيار “خطة الإصلاحات القضائية”، بعدما ألغت المحكمة العليا قانونين جوهريين بادرَ لهما هذا الائتلاف، رغم كونهما إشكاليين، ونتيجة تراكم الرواسب الشخصية، بعد مسيرة تشظ وخلافات سياسية واجتماعية وشخصية أيضاً ترافقها مخاوف من احتمال سقوط الحكومة بعدما تنتهي الحرب التي تبدو مكلفة وموجعة للجانب الإسرائيلي أيضاً، كما هي في الجانب الفلسطيني، وهذه القيادة الإسرائيلية تدرك أنها على موعد مع حساب داخلي عسير.

سيأذن خروج غانتس وايزنكوت من الحكومة ببدء الحرب الداخلية مجدداً في الشوارع، ما يفتح سيناريو الإطاحة بنتنياهو، أو الذهاب لانتخابات عامة جديدة

إسرائيل عاجزة عن الانتصار على أصغر أعدائها

 ويعبّر عدد من المراقبين الإسرائيليين عن مخاوفهم من حسابات غير موضوعية للمستوى السياسي، ومن استمرار التورّط في رمال غزة نحو حرب استنزاف. في مقال بعنوان: “هناك مكاسب ولا توجد حلول، من الصعب الدخول ومن الأصعب الخروج”، يقول المعلق السياسي البارز ناحوم بارنياع، اليوم، إن “هناك ثلاثة طرق لوصف تقدّم الجيش داخل القطاع: تطهير، انتقام، أو احتلال”. بارنياع، الذي حذّر، منذ اليوم الأول، من عدم وجود أهداف واقعية، ولا صورة انتصار في هذه الحرب، يتابع: “الجيش متمسك بالنيّة الأولى: تطهير “جيوب المخربين”– مهمة عسكرية خالصة- لكن العالم مقتنع بأن الحديث يجري عن تطهير عرقي. التجربة التاريخية تحذّر من الإمكانية الثالثة: احتلال”.

ويخلص بارنياع للقول: “يوم الإثنين الفائت، وصلت الطائرة الأمريكية الـ 150المحمّلة بالسلاح والذخائر، ضمن قطار جوي، بفضل دعم بايدن السخي. هذا دعم غير مسبوق، لكنه يكشف أن إسرائيل غير قادرة وحدها أن تنتصر حتى على أصغر أعدائها”.

 ويكشف المحلل العسكري في موقع “واينت” رون بن يشاي عن مطالبة قادة الجيش للحكومة بـ “اتخاذ  قرارات توضح الهدف النهائي للحرب، وإلا ستدخل القوات الغازية في حالة خطيرة من المراوحة في المكان”.

جائحة الغباء

ويتفق معه المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يواصل التحذير، اليوم أيضاً، من عدم تحديد الأهداف لبقية الحرب. كما يحذر من حرب في الشمال أيضاً: “دون الإعلان رسمياً، الجيش ينتقل لمرحلة ثالثة من الحرب على غزة، والأنظار تتّجه للشمال. إن وعود إسرائيل، وتوقّعات سكان الشمال بتغيير مطلق للمعادلة مع “حزب الله” من الممكن أن تدفع الدولة لخطوة عسكرية”.

من جانبه، يقول محلل الشؤون السياسية والدولية في القناة 12 العبرية، نداف أيال إن “تصفية” العاروري رسالة لـ “حزب الله”. محذراً من نشوب حرب في الشمال: “التهديد الأكبر على إسرائيل هو تفشي جائحة الغباء. إذا قاد السنوار لحرب إقليمية، فهذا انتصار له، ولذا فإن تسويةً داخل القطاع أفضل بكثير من حرب مع حزب الله”.

 “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب