ثقافة وفنون

المعرض الجماعي «الشجرة والطوفان» بتونس فنانون فلسطينيون يخرجون عن المألوف ويقدمون أروع الإبداعات

المعرض الجماعي «الشجرة والطوفان» بتونس فنانون فلسطينيون يخرجون عن المألوف ويقدمون أروع الإبداعات

تونس / روعة قاسم

 يشهد المركز الفني B7L9 بتونس، مؤسسة كمال الأزعر للثقافة والفنون والإعلان، من 24 كانون الثاني/يناير إلى 24 آذار/مارس 2024 تنظيم معرض فنّي جماعي بعنوان «الشجرة والطوفان» (استكشاف فني متعمّق وملتزم). وتتعلق الأعمال المعروضة، حسب الجهة المنظمة، بإرث غني ومركب وتُترجم التجاربَ المتعدّدةَ لسبع فنانين فلسطينيين متميّزين من فلسطينيّي الشّتات أو من المقيمين في الأراضي المحتلة. ويقدم كلّ واحد من هؤلاء رؤية متفرّدة، ويخوض في مواضيع أساسية مثل «الذاكرة» و«المكان» و«الخيال» و«الإدراك» للحياة اليومية.

والحقيقة ليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها هذه المؤسسة الثقافية التونسية، التي تركزت في ضواحي العاصمة، إلى التجديد في المجالين الثقافي والفني. وليست المرة الأولى التي تسعى فيها أيضا إلى تقديم تجارب فنية غير مألوفة فيها رؤى جديدة وطرق للتعبير مبتكرة وحديثة.

شعب الصمود

واستوحى المنظمون عنوان المعرض أي «الشجرة والطوفان» من قصيدة للشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان التي تحمل نفس العنوان، وذلك للدلالة على صمود الفلسطينيين بأرضهم بوجه طوفان الاحتلال الصهيوني الغاشم المدعوم في ظلمه من القوى الكبرى في العالم. وتصور الشاعرة الفلسطينية في هذه القصيدة شجرة تتعرض لعاصفة هوجاء وأعاصير، ثم ينتهي شتاؤها ويأتي ربيعها فتستعيد أوراقها الخضراء وأزهارها وتعود إليها الطيور مبتهجة من كل جدب وصوب.
تقول فدوى طوقان في قصيدتها:

«هَوَتْ الشجرة؟
عفو جداولنا الحمراء
عفو جذورٍ مرتويه
بنبيذٍ سفحته الأشلاء
عفو جذورٍ عربيّه
توغل كصخور الأعماق
وتمدّ بعيداً في الأعماق

ستقوم الشجرة
ستقوم الشجرة والأغصان –
ستنمو ضحكات الشجرة
في وجه الشّمس
وسيأتي الطير»

ويشبه الفلسطينيون في صمودهم بوجه الاحتلال الغاشم هذه الشجرة الباسقة والممتدة جذورها في أعماق الأرض والتي لا تستطيع السيول الجارفة والأعاصير مهما كانت شدتها وقوتها أن تقتلعها من أرضها التي رسخت فيها منذ الأزمنة الغابرة حين لم يكن لهذا الكيان الغاصب أي وجود. ولعل ما يحصل اليوم خاصة في قطاع غزة، وبدرجة أقل في الضفة الغربية وفي القدس وأراضي الـ 48 من صمود أسطوري فاق الخيال لشعب الجبارين بوجه أعتى وأقذر آلة حرب على مر التاريخ البشري، يؤكد فعلا أن الفلسطيني هو تلك الشحرة الراسخة التي حسم أمرها من الأزل واستحال اقتلاعها.

الذاكرة والمكان

وحسب المنظمين فإن هذا المعرض «يسعى إلى إبراز الفوارق الدقيقة، وتنوع الأفكار من بين الفنانين حول الذاكرة والمكان من منظور فلسطيني، في ظل الكوارث الراهنة وذلك من خلال إبراز قصص شخصية وعروض تفاعلية وومضات من الذكريات». وبالتالي فهو ينسج، حسب ما جاء في البيان الصحافي، «حبكة معقدة تتشابك فيها الحياة اليومية مع الجماعة وتتجاوز هذه المقاربة الفنيّة الحدودَ المعتادةَ للعروضِ لتقدّم مساحة للتعبير تختلط فيها الأصوات الفردية فتُشكِّل نسيجًا سرديًا حيًا وغنيًا».
ويعتبر هذا المعرض فريدا من نوعه من حيث اختلاف الأعمال الفنية المقترحة والمعروضة على الجمهور التونسي الذي كان إقباله لافتا، فهناك التنصيبة الفنية والفيديو والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي والرسم. حيث يعرض فراس شحادة الفيديو والطباعة والأداء، ويختص وليد الواوي في الرسم الذي ستقام له ورشة في هذا المعرض، بينما تختص نيريان كيوان بتحريك صور الفيديو والتصميم الجرافيكي. أما دينا نظمي خورشيد فتقدم للجمهور تنصيبة فيديو على النسيج شأنها شأن سارة الرشق ويقدم لهم شادي حبيب الله عرض فيديو بينما ستعرض دينا عمرو الملقبة بـ «بنت مبارح تنصيبة» صوتية وأداء ستقع خلاله تأدية أعمال ثلاثة فنانين موسيقيين آخرين خلال العرض وهم: زهرة ملكاني، سيما طارق، وإيلي ويوينترو.

التزام وعمق

وفي حديثها عن معرض «الشجرة والطوفان» تعتبر الإعلامية التونسية المختصة في الشأن الثقافي ليلى بورقعة في حديثها لـ«القدس العربي» أن هذا المعرض الجماعي المستوحى من قصيدة الشاعرة الفلسطينية المبدعة فدوى طوقان هو تأكيد على ملحمة المقاومة والاستماتة من أجل الحياة التي يخوضها الشعب الفلسطيني الأبي. فمهما يكن الطوفان عنيفا ومدمرا للأخضر واليابس ستقوم الشجرة من جديد وستنمو الأغصان في موسمها، حسب محدثتنا، وستنمو معها ضحكات هذه الشجرة في وجه الشّمس المشرقة من جديد بعد ليل دامس طويل وسيأتي الطير من كل جدب وصوب ابتهاجا وسرورا.
وتضيف الإعلامية التونسية قائلة: إن هذا المعرض هو انخراط من قبل هذه المؤسسة الثقافية في مسار الالتزام والعمق الفني والفكري بعيدا عن الابتذال والذوق الهابط، وليس من باب الصدفة أن تختار مؤسسة كمال لزعر للثقافة والفنون انطلاقة موسمها الثقافي لسنة 2024 بهذا المعرض الاستثنائي والملتزم الذي فيه الكثير من الإبداع والتجديد والخروج عن المألوف. كما أن المزاج العام للتونسيين بوصلته موجهة صوب فلسطين والقدس ومن الطبيعي أن تستجيب التظاهرات الثقافية لما يريده ويرغب به التونسيون خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تمر فيه القضية الفلسطينية بمنعرج حاسم سيكون له بالغ التأثير على مستقبلها ومستقبل الشعب الفلسطيني.
إن هذا المعرض الفلسطيني على أرض تونس، حسب المنظمين هو دعوة من قبل منظميه للغوص في أعماق التعبيرات الإبداعية الفلسطينية وتوسيع الفهم الجماعي لهذه التعبيرات، كما أنه دعوة لاكتشاف القوة التحويلية للفن، وللمساهمة في خلق حوار متجدّد حول الحقائق الفلسطينية بين مختلف المكونات. وبالتالي فهي مبادرة تحسب لمؤسسة كمال الأزعر للثقافة والفنون والإعلان التي قامت سابقا بالعديد من المبادرات والمشاريع الثقافية التي تسلط الضوء على حيوية وتنوع المشهد الثقافي المحلي التونسي والإقليمي العربي على وجه الخصوص وذلك لإعادة كتابة تاريخ فني جديد يعيد الاعتبار إلى مختلف المناطق لإنشاء جسور وأوجه تشابه بين مختلف المدارس والحركات الفنية يمكن التلاقي حولها والبناء عليها.

ـ «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب