مقالات

لاجِئون في بُلْدانِهم.

لاجِئون في بُلْدانِهم.

علي اوعمو

كاتب من المغرب.

هناك شعوب تعيش في بلدانها و أوطانها و كأنها لاجئة في
بلدان أجنبية، تعيش تحت براثِن الفقر المُدقِع و الجهل الشديد.
تعيش حياة الذُّلّ و المَهانَة في أحضان أنظمة حُكم جائر ظالم و
شمولي، تتوفّر هذه البلدان على ثروات طبيعيّة هائلة تُذرّ
عليها البلايين من الدولارات، لا يَصِل منها إلى شرائح عريضة
من هذه المجتمعات شيْئاً يُذكر.
طبقاتٌ ثريةٌ تتحكَّم في كلّ أمور هذه الدّول دون مراعاةٍ لِمعاناة
الشعوب و دون إيلاء ثرواتِها البشريّة الهائلة أيّ اهتمام،
استولت على جميع خيرات البلدان، تُشيِّد لِنفسِها قُصوراً فخمة
و تمتَلك سياراتٍ فاخِرة و تستولي على أراضٍ فلاحيّة تجعل
منها ضيعاتٍ فلاحيَّةً شاسعة لجميع أنواع الخضر و الفواكه، التي يتمّ تصديرها إلى دول أجنبيّة، الشيء الذي يُكسِبُها
ملايير الدولارات، كما تمتلك شركات و مصانع كثيرة لمُختلف أنواع المُنتجات، من ألبسة و سيارات و قطاع غيار و
منتوجات غذائيّة و ما إلى ذلك، مما جعلها تستولي على الأسواق و تَتحكّم في أسعار المُنتجات و أثمانِها. إنّها طبقات لا
يهمّها إلّا الربح و الكسْب و لا تهمّها المصلحة العامّة لهذه البلدان و مواطنيها، أولئك المواطنون الذين يفتقرون في
أوطانهم إلى العيش الكريم و العدالة الاجتماعيّة و الاستفادة من موارد بلدانهم الطبيعيّة الجمّة. شعوب تفتقر في
معظمها إلى رعاية صحّيّة و إلى تعليم جيّد و إلى شُغل دائم.. فمعظم المستشفيات مُتمركزة في المُدن الكبرى لا يستفيد
من خدماتها إلّا الطبقات الغنيّة الميسورة، أما ساكنة هوامش المُدن و الأرياف و البوادي فهي محرومة من المشافي
للعلاج و تقديم الخدمات الصحيّة اللازِمة التي يحتاج إليها أبناؤها و نساؤها، علاوَة على شبه انعدام للمدارس لتعليم
النشء تعليماً يتلاءم و متطلّباتِ عصر العلم و التكنولوجيات الحديثة التي يعرفها عالم اليوم، عالم التحضُّر و الحداثة..
تَسكُن مُعظم هذه الشعوب المحرومة و المُهمَّشة في أطراف المُدنِ و في الأرياف في ظروف معيشيّةٍ جدّ صعبة، تقطن
بيوتاً هشّة البُنْيان، بيوتاً من القصدير و الطّين، لا مياهَ نظيفةً و لا كهرباءَ و لا قنوات للصرف الصِّحّي…
و للإشارة، فساكنة الأرياف من أكثر الفئات تهميشاً و إقصاءً من الخدمات الضروريّة للحياة الكريمة، فالمدارس في هذه
المناطق شبه مُنعدمة، و بالأخصِّ الأسلاك العليا، التي توجد في المُدن الكبرى، و التي لا يَلِجُها إلّا أبناء الأغنياء، مِمّا
يجعل أطفال هذه الأرياف و البوادي ينقطِعون عن الدِراسة في عُمر مُبكِّر دون إكمال دراستِهم الشيء الذي يجعل أجيالاً
عديدةً عُرضَةً للضياع. زِد على ذلك وُعورة المسالِك الطرقيّة غير المُعبَّدة التي لا تمُرّ منها لا الشاحنات و لا الحافلات و
لا سيارات الإسعاف، الشيء الذي يدفَع بمواطني هذه المناطق إلى استعمال الدّوابّ من حميرٍ و بِغال للتنقُّل عبر هذه
التضاريس الوعرة إلى المدن البعيدة عن مقرّ سُكناهُم للحصول على حاجياتهم الضروريّة، من مأْكَلٍ و مَشرَب و مَلبسٍ
و غيرها، و كذا نقْلِ مَرضاهم و نسائِهم الحوامل إلى المستشفيات المُتمركزة في تلك المدن، و من هؤلاء مَن يتوَفَّوْن
في الطريق قبل الوصول إليها. و خلال فصل الشتاء المُمطِر و المُثلِج تجرِف السُّيول هذه المسالك الطرقيّة كما تتراكَم
فيها الثلوج و تتعرّض الساكنة إلى عُزلَةٍ تامّة عن العالم الخارجيّ، و تقوم إثْرَها "السلطات المُتحكِّمة" بتقديم ما تُسمِّيه
"مُساعدات"، و هي عبارة عن بعض الموادّ الغذائيّة و الطبّيّة الضروريّة لإبقاء هؤلاء السكان على قيْد الحياة..

"مُساعدات" يعتبرها سكّان هذه المناطق مِنّةً من "السلطات" لِجهلِهم و عدم إدراكِهم بأنّ كل ما تمَّ تقديمه لهم هو من
المالِ العامّ، مال الشعوب، الذي تعبثُ به هذه "السلطات" و تتصرَّف فيه كما تشاء و كما تُريدُ و كما يحلو لها و حسب
هَواها.

لِلعلم فإنّ معظم الشباب العاطل في هذه البلدان يُفضِّلون مُغادرَة أوطانهم و الهجرة إلى البلدان الغربيّة من أجل الشغل و
بحثاً عن الكرامة الإنسانيّة التي يفتقدونها في بلدانهم. يلجأ هؤلاء الشباب إلى الهجرة السرّية، عبر قوارِب تفتقِر إلى
أبسط مقومات السلامة، مِمّا يجعل مُعظمهم عرضةً للغرق في أعماق البحر و قبل الوُصول إلى الضّفّة الأخرى.. إنها
كارِثةُ إنسانيّة تُدمي القلوب و الأفئِدة، كارثةٌ تقع في بلدان غنية تَولّت أمرَها غَصباً طبقات مُسيْطِرة على "الحكم" و
إدارة دواليبِه وفقَ مصالحها الخاصّة بعيداً عن أيّة مصلحةٍ عامّة للوطن و المواطن. و كلّ مَنْ تُسوِّل لهم أنْفُسُهم فضح
أسرار هذه "الطبقة المُتحكِّمة" مآلهم السجن لإسكاتِ أصواتهم و جعلهم عبْرةً للآخرين..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب