مقالات
حرب العراق بين الرئيس الأمريكي السابق بوش والمستشار الألماني شرويدر ترجمة : د. ضرغام الدباغ
ترجمة : د. ضرغام الدباغ

حرب العراق بين الرئيس الأمريكي السابق بوش والمستشار الألماني شرويدر
ترجمة : د. ضرغام الدباغ
كانت صحيفة دي فيلت قد نشرت في موقعها الإلكتروني دي فيلت (Die Welt) بتاريخ 9 / نوفمبر / 2010 مقتطفات من مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، والتي فيها يوجه انتقادات حادة للمستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرويدر، ويتطرق أيضاً لمسيرة السلام في الشرق الأوسط.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(الصورة: المستشار شرويدر والرئيس بوش في لقاء تم في القصر الأبيض بتاريخ 31 / كانون الثاني ـ يناير / 2002، في هذا اليوم يزعم الرئيس الأمريكي أن شرويدر وافق على غزو العراق)
أنتقد الرئيس الأمريكي الأسبق في مذكراته التي نشرت حديثاً، أنتقد المستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر، بأنه قد تسبب في فترة قبيل الحرب على العراق، بخيبة أمل، وبالإهانة من قبل أعضاء الحكومة الألمانية. وورد هذا الانتقاد ضمن مذكرات الرئيس بوش الموسومة (نقطة القرار ـ Decision Points) وأن الخلاف بشأن حرب العراق تسبب بتدمير علاقته (الرئيس بوش) بالمستشار شرويدر.
وفي المذكرات أيضاً، يعرب الرئيس بوش ” أنني أعتقد أن الدبلوماسية الشخصية أعلى قيمة من الثقة ” وأضاف بوش ولا يزال في معرض انتقاده للمستشار شرويدر ” وعندما تنتهك هذه الثقة، يصعب إعادة بناء علاقات بناءة “.
وبشكل مغاير تماماً يقيم بوش المستشارة أنجيلا ميركل (من الحزب الديمقراطي المسيحي ـ CDU)خلف شرويدر في منصب المستشارية الألمانية، بكونها ” أهلاً بالثقة وجديرة بها وملتزمة ودافئة القلب ” ويستطرد بوش في الثناء على ميركل بقوله ” وإنها سرعان ما أصبحت من أقرب أصدقائي على المسرح الدولي “.
ويكتب بوش في مذكراته أيضاً: أن المستشار شرويدر كان قد أخبره في لقاء خاص في القصر الأبيض بتاريخ: 31/ يناير ـ كانون الثاني / 2002 دعمه الكامل لسياسة بوش حيال العراق، وأنه (بوش) قد أوضح للمستشار شرويدر عزمه لعملية عسكرية كخيار أخير ضد صدام حسين.
ويكتب بوش متذكراً : أن المستشار شرويدر أجابه ” ما يصح على أفغانستان، يصح على العراق أيضاً، وأن الدول التي تدعم الإرهاب ينبغي أن تواجه العواقب، وإذا قمتم بهذا وأنهيتموه بسرعة وحسم، فسوف أكون معكم “، وأنه (بوش) أعتبر هذا التصريح كدعم له.
وكان رد فعل المستشار السابق شرويدر سريعاً، بقوله:
أن الرئيس الأمريكي الأسبق لا يقول الحقيقة. ففي تلك المحادثة كانت الموضوع يدور: فيما إذا كان الإرهابيون المسئولين عن الهجمات في 11 / سبتمبر ـ أيلول / 2001 على الولايات المتحدة، يلقون الدعم من صدام حسين، كما أنني في لقاء لاحق مع الرئيس الأمريكي، أوضحت له بدقة، أن ألمانيا ستقف إلى جانب الولايات المتحدة، إذا ما ثبت أن العراق مثل أفغانستان يقدم الملاذ والدعم لمقاتلي القاعدة:هذا كان التصريح، هذا كان الاشتراط بالدعم، كما تبين فيما بعد خلال عام 2002 أنه افتراض خاطئ ومفبرك.
وفي مذكرات الرئيس الأمريكي مقاطع عن عملية السلام في الشرق الأوسط، التي جرت في عهده، حيث يذكر أن السلام كان قريباً وفي متناول اليد، وتنقل صحيفة دي فيلت المقاطع المهمة من المذكرات:
” إنني أعتقد أن ليس هناك طريق سوى السلام … إنني أعتقد أن الوقت ملائم وناضج. و أولمرت (رئيس وزراء إسرائيل) قال بعد وقت قصير من افتتاح مؤتمر أنابوليس بحضور الجانبين (الفلسطيني والإسرائيلي) إننا مستعدون لعقد اتفاقية سلام. المفاوضات واجهت بعض المشاكل، ومن أجل التوصل لاتفاقية سلام حقيقية، كان علينا أن نجمع القادة السياسيون عباس وألومرت مباشرة وبأشراف الوزيرة كونداليزا رايس.
وكانت ذروة المحادثات، اقتراح سري من أولمرت عندما عرض إعادة معظم أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة للفلسطينيين، كما كان بذات الوقت مستعداً، لتشييد نفق يربط بين كلا المنطقتين الفلسطينيتين، والسماح بعودة عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم(الأراضي المحتلة). كما أن أولمرت تحدث عن القدس كعاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين، ووضع السيطرة عليها بيد هيئة مستقلة.
وقد تضمن الاقتراح أيضاً، أن تكون الاتفاقية معلنة، لذلك يتعين على أولمرت السفر إلى واشنطن، فيما يعلن عباس الخطة تتفق مع مصالح الفلسطينيين. كان هناك أمل واقعي للسلام.
ولكن أمراً آخر أعادت حساباتنا، وذلك بسبب صفقات وأعمال مالية كان أولمرت قد عملها أثناء رئاسته لبلدية القدس، وفي نهاية الصيف، كان خصومه السياسيون قد اتخذوا منها عتاد ليطلقوا النار عليه، لذلك توجب عليه أن يقدم استقالته في أيلول ـ سبتمبر.
وعباس لم يكن ليريد أن يعقد اتفاقا مع رئيس وزراء على وشك الاستقالة، ثم انهارت المحادثات في الأسابيع الأخيرة لرئاستي، عندما قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على قطاع غزة بعد هجوم بالصواريخ من حماس.
كنت أشعر بالخيبة، ولكن بالرضا أيضاً، بأننا أحرزنا تقدماً، والصراع في الأراضي المقدسة لم يعد بين فلسطينيين وإسرائيليين، أو بين المسلمين واليهود، بل أبعد من ذلك، بين ساعين للسلم ومتطرفين من الجماعات الإرهابية.
ويتهم الرئيس بوش المستشار الألماني الأسبق، بأنه وبعد أشهر قليلة وفي خلال المنافسات من أجل الانتخابات إلى البرلمان الاتحادي (البندستاغ)، تخلى عن التزامه بقوله ” وعندما أصبحت الانتخابات البرلمانية على الأبواب، أنقلب شرويدر فجأة إلى موقف آخر، وبدأ شرويدر يعبأ ضد الغزو الأمريكي للعراق وأن شرويدر مثل بذلك تراجعاً صعباً لرجل دولة مسئول.
ومن أكثر التعبيرات المهينة كانت لوزيرة العدل الألمانية(Herta Däubler-Gmelin) هيرتا دويبلر غميلين من الحزب الاشتراكي (SPD) التي شبهت فيها الرئيس بوش خلال حملته الانتخابية 2002 بهتلر وعن ذلك يعلق بوش ” لقد شعرت بصدمة وبغضب، وبصعوبة يمكن التخيل إهانة أخرى أبلغ من تلك، أن يقوم مسئول حكومي ألماني أن يشبه بهتلر.
ويذكر بوش أن صلاته بالمستشار الألماني بعد ذلك اقتصرت على القضايا الضرورية والهامة.
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
استنتاجات المركز :
نركز هنا على الاستنتاجات الأساسية التالية:
1. يحط الرئيس بوش من قيمة الجهاز الدبلوماسي في بلاده عندما يضع العلاقات الشخصية مع الزعماء بالدرجة الأولى، فإنه بذلك يقلل من فرص نجاح أجهزة دبلوماسية متخصصة وخبيرة، لتحل محلها التقديرات الشخصية.، وبذلك فإنه يسيئ إلى آليات اتخاذ القرار السياسي في دولة يفترض أنها ديمقراطية، ودولة مؤسسات.
2. أن غزو العراق كان من بين الخيارات الرئيسية للرئيس الأمريكي الأسبق بوش منذ 31/ كانون الثاني ـ يناير / 2002.
3. المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرويدر، وهو يقود دولة ديمقراطية، من المؤكد أن على إطلاع تام على معلومات سرية ليس فقط تلك التابعة للأجهزة الاستخبارات في بلاده فحسب، بل وتلك البلدان الصديقة التي تتبادل المعلومات كعلاقات ثنائية، أو تلك التي ضمن الاتحاد الأوربي وبلدان الناتو. وعندما يعبر بشكل واضح لا لبس فيه: ” أنني في لقاء لاحق مع الرئيس الأمريكي، أوضحت له بدقة، أن ألمانيا ستقف إلى جانب الولايات المتحدة، إذا ما ثبت أن العراق مثل أفغانستان يقدم الملاذ والدعم لمقاتلي القاعدة: هذا كان التصريح، هذا كان الاشتراط بالدعم، كما تبين فيما بعد خلال عام 2002 أنه افتراض خاطئ ومفبرك.
4. يحق لنا إذن أن نستنتج من اتهام الرئيس بوش للمستشار الألماني، ورد المستشار عليه، أن المستشار كان على ثقة تامة، ومن المؤكد يشاركه في الرأي الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بحكم العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والمواقف السياسية المشتركة حيال أبرز القضايا الدولية، أن الاتهامات الأمريكية للعراق (Construct) مركبة (مفبركة)، بل وأن مثل هذا الرأي كان سائداً في أوساط كثيرة في العالم، وأن غزو العراق مثل إرادة سياسية أمريكية من أجل تدخل علني غير مسوغ في شؤون العراق ومخططات تطال بلداناً أخرى في المنطقة.
5. عندما يكتب الرئيس الأمريكي الأسبق أنه أصيب بصدمة عندما أكتشف خلو العراق نمن أسلحة الدمار الشامل، وعدم وجود صلة بين هجمات نيويورك 2001 وبين العراق، هو أدعاء لا نصيب له من الصحة، فهو على علم بذلك قبل أكثر من عام من غزو العراق.