دروس أسبوعين من الشغب في بريطانيا: إهمال سياسي وحاجة للتحقيق بدور اليمين المتطرف في إثارة المشاكل

دروس أسبوعين من الشغب في بريطانيا: إهمال سياسي وحاجة للتحقيق بدور اليمين المتطرف في إثارة المشاكل
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “أوبزيرفر” افتتاحية تعليقاً على أحداث الشغب التي شهدتها بريطانيا، خلال الأسبوع الماضي. ورأت أنها نتيجة للإهمال السياسي، وعدم انتباه الساسة للعنف اليميني المتطرف، ونوهت بالحاجة الملحة للتحقيق من أجل فهم جذور الشغب، ودور اليمين المتطرف فيها.
وقالت إن المحلات التجارية في أجزاء من بريطانيا أغلقت أبوابها في يوم الأربعاء، وحصنت مداخلها بالألواح الخشبية تحسباً لاندلاع موجة جديدة من عنف اليمين المتطرف. ولم يحدث هذا، أو أي شيء من هذا، ولا على القاعدة المتوقعة، فلم تخرج سوى حفنة من المحرضين الذين غطت عليهم احتجاجات المعادين للعنصرية، ما أرسل رسالة مفادها أن اليمين المتطرف ليس مرحّباً به في مجتمعاتهم. وقد كان هذا مثار ارتياح كبير، حيث حذر رئيس الوزراء، يوم الجمعة، بأنه لا توجد مساحة للرضى عن النفس.
الصحيفة: اليمين المتطرف ليس مرحّباً به في مجتمعاته، وقد كان هذا مثار ارتياح كبير
وبنظرة إلى الوراء، فإن منشورات التواصل الاجتماعي التي تحدثت عن أعمال شغب في عدد كبير من الأماكن بدت وكأنها محاولة للتحريض وليست تعبيراً عن شبكة منظمة. وأضافت أن التحرك السريع من الشرطة، واعتقال عدد كبير من مثيري الشغب في الأيام السابقة، حيث صدرت على بعضهم أحكام بالسجن لمدد طويلة، تركت بلا شك أثراً رادعاً.
ولكن الاضطرابات المعادية للمهاجرين استمرت في بلفاست يومي الخميس والجمعة، وظلت الشرطة في حالة تأهب خلال نهاية الأسبوع. إلا أن ما رأيناه، في الأيام الماضية، كان أعمال شغب متفرقة، وليست بمستوى الشغب بإنكلترا في 2011.
ودعت الصحيفة الآن لتكريس الجهود وفهم الطريقة التي اختطف فيها اليمين المتطرف مقتل ثلاث فتيات بناء على معلومات مضللة بشأن هوية المنفذ. وهناك نسبة 7% من الرأي العام البريطاني تقول إنها تدعم أحداث الشغب التي جرت في 2024، لكن استهداف المساجد والفنادق التي يقيم فيها طالبو اللجوء السياسي كشف عن مدى التحيز الكامن، بما في ذلك الإسلاموفوبيا الخبيثة، وسط أقلية صغيرة من السكان.
وهناك مخاوف من أن يؤدي التضليل والأخبار الكاذبة إلى نشر الكثير من الأكاذيب عن الطريقة التي تم فيها التعامل مع المتهمين البيض بالشغب لإثارة مزيد من التوترات.
وتشير الصحيفة إلى أن معظم التفسيرات المقدمة حتى الآن نابعة من منظار العالم الذي يصدر عنه كل طرف. وهذا لا يساعد على فهم لماذا حدث الشغب ومنع حدوثه في المستقبل. وتحتاج الحكومة إلى تكليف لجنة تحقيق لكي تبحث فيمن أثار الشغب والأسباب التي دفعت إليها.
ويجب أن تنظر المراجعة إلى دور اليمين المتطرف وأيديولوجيته والمنظمة التي لعبت به، بما في ذلك انتشار التضليل الإعلامي عبر الإنترنت.
وترى الصحيفة أن اليمين المتطرف طالما استغل موضوع طالبي اللجوء السياسي المقيمين في الفنادق، كما ورد في مراجعة حكومية أجرتها مفوضة التماسك الاجتماعي، سارة خان عام 2024.
وتحول شغب في ميرسي سايد خارج فندق استخدم لإسكان طالبي اللجوء السياسي إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة. وتعلق الصحيفة بأن المتطرفين من كل نوع باتوا بارعين في استخدام التضليل الإعلامي ونظريات المؤامرة لجذب واستفزاز الناس على الإنترنت.
ويخلق هذا تحدياً أمام البرنامج المعروف بـ “بفريفنت”، الذي يهدف لخفض تشدد الأفراد المتشددين من اليمين المتطرف والإسلاميين، وغير ذلك من أشكال التشدد. ويجب على شركات التواصل الاجتماعي عمل المزيد لتخفيف انتشار المعلومات المضللة الضارة، ويجب تطبيق “قانون السلامة على الإنترنت”، ولكن المشكلة هي تصميم أدوات فعالة بدون المساس بحرية التعبير على الإنترنت.
وفي ظل الأدلة، فإن معظم الشغب الذي حدث عام 2011، اندلع في مناطق تقع نسبة 10% في أدنى إجراءات التماسك الاجتماعي، ما يعني أن الحكومة بحاجة لأن تعد إستراتيجية تماسك اجتماعي مناسبة. وأكدت خان أن التماسك الاجتماعي هو مفهوم أوسع من الاندماج، فالتماسك هو عن دعم “تنوع قائم من المواطنين والمجتمعات للعيش معاً والقدرة على تحمل التوترات المحتملة الوقوع من فترة لأخرى”، وتشمل هذه توترات متعلقة بالدين، أما الاندماج فهو عن مساعدة القادمين الجدد للاندماج في الحياة البريطانية.
وقد ردت الكثير من التعليقات، في الأيام الأخيرة، أعمال الشغب إلى مستويات ضعيفة من التكامل؛ في الواقع، فسجل بريطانيا جيد نسبياً في بعض مقاييس التكامل، مع انخفاضات مستمرة بين الأجيال في مستويات التحيز، وانخفاض تدريجي في مستويات الفصل السكني، وتفوق أطفال المهاجرين من الجيل الثاني على الأطفال غير المهاجرين في المدرسة. ورغم التقارير الصادرة عن التماسك الاجتماعي، منذ عام 2000، إلا أن الحكومة ليس لديها إطار تستطيع من خلاله قياسه ولا قاعدة من الأدلة التي تثبت نجاحه. وهناك أمثلة على حوادث اندلعت وتعاملت معها السلطات المحلية بشكل سيئ للغاية، فعلى سبيل المثال، المعاملة المروعة التي تلقاها المعلم في باتلي، غرب يوركشاير، الذي اضطر إلى الاختباء بعد أن ألقى درساً عن حرية التعبير والتجديف تضمّنَ صوراً للنبي محمد.
وفي النهاية، تلعب المعاناة الاقتصادية دوراً في تقويض التماسك الاجتماعي. فهناك الكثير من الناس لديهم تجارب سيئة بسبب الخلل في سوق الإسكان وغياب الفرص الاقتصادية، وعدم القدرة على الحصول على الخدمات العامة. كل هذا سببه الفشل السياسي على مدى السنين الماضية، والذي خلق أرضية خصبة لليمين المتطرف كي يلقي مشاكل البلاد على المهاجرين.
وقد ساد الخطاب اليميني الشعبوي حزب المحافظين، الذي حكم على مدى العقد الماضي، وظهر من خلال حزب الإصلاح.
وهناك نقاشات مشروعة مطلوبة عن المستويات المطلوبة للمهاجرين وإدارة طلبات اللجوء السياسي وما هو غير شرعي بتحميل الهجرة غير الشرعية مسؤولية تخفيض الميزانيات المطلوبة للصحة الوطنية، أو عدم توفر الأماكن في المدارس، أو الكلفة العالية للإسكان، مع أن هذه هي نتاج اختيارات سياسية.
وتعتقد الصحيفة أن أسوأ أعمال الشغب أصبحت وراء ظهورنا، لكن ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين تذكير لنا بأننا لا نستطيع التعامل مع المجتمع المتسامح التشاركي الصحي على أنه أمر مفروغ منه، وهو ما يجب على الساسة التعلم منه وتقويته.
وفي مقال كتبته سارة خان، المفوضة السابقة لمكافحة التطرف ومستشارة الحكومة للتماسك الاجتماعي ما بين 2021- 2024، في الصحيفة نفسها، قالت فيه إن الأحداث التي شهدتها 21 مدينة في بريطانيا أغرقت البلاد في أزمة، ومن الباكر تقييم تداعياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع أن الصورة واضحة من خلال إلقاء المواد الحارقة على الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء السياسي والهجوم على البيوت والسياسات والمحلات والمساجد والعبث بمقابر المسلمين والهجوم على الناس والشرطة والمسارح واستهداف المحامين الذين يدافعون عن المهاجرين، وأكثر من هذا تشويه سمعة بريطانيا على المستوى العالمي. كل هذا وعائلات البنات، بيب وأليس وإيلسي، اللاتي طعن في مرقص تعاني بشدة.
خان: الحكومة بحاجة لأن تعد إستراتيجية تماسك اجتماعي مناسبة.. والتماسك الاجتماعي هو مفهوم أوسع من الاندماج
ورأت أن التدمير المتعمد، وعدم مراعاة المجتمعات، شنيع واعتداء على البلد والمجتمع الحر. ومهما كانت المظالم حقيقية أو متصورة، فالأعمال ليست مبررة. وتعتقد أن النقاش حول الشغب سيتواصل، لكن علينا عدم تجاهل دور قادة اليمين المتطرف ومنظماتهم الذين استغلوا الفجوات في المجتمع على مدة سنين سابقة. فقد استخدم القادة التضليل الإعلامي ونظريات المؤامرة ونشروا أفكارهم لزرع التطرف والتحريض، واجتذاب مؤيدين لهم وجعل خطابهم في قلب النقاش العام وما هو مقبول من السياسات وبدون مخالفة قوانين مكافحة الإرهاب. وكانوا من كبار المحرضين ضد الأقليات وخاصة المسلمين واليهود وكذا طالبي اللجوء السياسي والمهاجرين. وكان هذا واضحاً في تقارير الكاتبة التي أشارت إلى أن التطرف قد تطور خلال السنوات الماضية، وساعد في هذا التطورات التكنولوجية وغياب التنظيمات واستخدام الأساليب المتقدمة. وكانت المحاذير واضحة، إلا أن الحكومة السابقة لم تطور أساليب لمنعها في مهدها، وعلى الحكومة الجديدة إصلاح هذا العيب المزمن. وتشمل الإجراءات نشر إستراتيجية مكافحة التطرف التي تنتظر منذ عام 2021، ومعالجة الثغرات القانونية وغياب البنى العملياتية كما برز في تقريرين أعدتهما الكاتبة، ومعالجة عيوب قانون السلامة على الإنترنت.
– “القدس العربي”: