مشكلة الديمقراطية
بقلم علي رهيف الربيعي
من المشكلات الأساسية في النظام الديمقراطي الخوف من طغيان الأغلبية، وضياع حقوق الأقلية ، والتهديد المستمر لحرية القلة التي لا توافق على رأي الأغلبية . وكان المفكر الفرنسي ألكسيس دى توكفيل ( ١٨٠٥ – ١٨٥٩) اول من نبه الأذهان إلى طغيان الأغلبية، وذلك في كتابه الهام ” الديمقراطية في أمريكا” الذي صدر الجزء الأول منه عام ١٨٣٥ – والثاني عام ١٨٤٠ فهو يرى ان من اهم مشكلات المجتمع الديمقراطي التي تشكل تهديدا خطيرا للحرية هذا الطابع الدكتاتوري والاستبدادي للأغلبية، والرأي العام الذي ينعكس على حرية الفرد، كما ينعكس على حقوق الطوائف والجماعات والأقليات الصغيرة في المجتمع . (1)
ولقد تأثر ” جون ستيورت مل” تأثرا قويا بأفكار ” توكفيل” فواصل بدوره التحذير من خطر طغيان الأغلبية : ” فقد أصبحت فكرة طغيان الأغلبية من بين الموضوعات السياسية التي تعني شرا وخطرا ينبغي على المجتمع ان يحترس منهما” (2) ومن ثم ” فلا يكفي حماية الفرد من طغيان الحاكم، وإنما حمايته أيضا من طغيان الرأي العام . والشعور السائد، أو حمايته من ميل المجتمع إلى أن يفرض ارادته على الأفراد الذين يرفضونها . كذلك ينبغي حماية الفرد من محاولة إعاقة نموه ، ومنع تكوين شخصيته الفردية التي لا تنسجم من طرائق المجتمع، وإجبار جميع الشخصيات على أن تكيف نفسها مع النموذج الذي يعده المجتمع.. ” (3).
وفي مصر شن المفكر الكبير الدكتور” زكي نجيب محمود ” حملة عنيفة على” ذلك الإله الزائف الجديد ” المسمى بالرأي العام معلنا ان وجود فرد واحد لا يرى الرأي الذي هو” رأي عام ” ينفي عن الرأي العام عموميته، وحتى لو كان من حق الرأي العام ان يضغط بقوته العددية في اتخاذ القرارات، فليس له ذلك الحق نفسه في منع الآراء والأفكار التي لا تعجب جمهوره..” (4). وهو يرى ان للفرد حريته الكاملة في عرض الفكرة التي يراها صالحة، ومصلحة لحياة الناس، ولجمهور الناس حق القبول او الرفض، دون أن يتعرض صاحب الفكرة للأذى ان للراي العام قيمته ، لكن ليس له شيء من التقديس الذي يتوهمه البعض، فليس الرأي العام تنزيلا من التنزيل ، بل هو رأي ينقد ، ويتغير إذا ألزمته الظروف المستحدثه ان يتغير… إذ لابد للجديد ان يتسلل ولو خلسة لكي يوضع تحت الامتحان : فمن الذي يفتح له الثقوب التي يتسلل منها خلال الجدران المصمتة؟ إنهم أفراد أخلصوا للفكر إخلاصهم لشعبهم الذي هم من أبنائه . وهكذا يصبح الأفذاذ من الأفراد حملة المشاعل الجديدة ولابد ان يسمح لهم معارضة رأي الأغلبية ونقد الرأي العام ” (5).
والواقع ان هذه المشكلة، لا علاج لها سوى المزيد من وعي الأفراد بالمعنى الحقيقي للديمقراطية التي تعني ، من بين ما تعني، حرية التعبير لكل فرد ، فلا بد أن يفهم الأفراد ، عن وعي كامل، ان حرية التعبير ليست وقفا عليهم وحدهم، وهذا خطأ يقع فيه الكثيرون عندما يظنون ان الديمقراطية لهم وحدهم، وحرية التعبير تعني ان يعبروا هم عن آرائهم فحسب دون أن يتحملوا الرأي الآخر . غير ان المزيد من الممارسة الديمقراطية وانتشار التعليم والفكر الديمقراطي الحر عن طريق اجهزة الإعلام المختلفة، كفيل بعلاج هذه المشكلة.
المراجع :
(1) د. ثروت بدوي ” النظم السياسية” ص٢٤٧ دار النهضة العربية القاهرة ١٩٨٩.
(2) جون ستيورت مل ” أسس الليبرالية السياسية” المجلد الأول ٩٤.
نفس المصدر ص٩٥
(4) د. زكي نجيب محمود مقال بعنوان : ” اهو شرك من نوع جديد؟، في كتابه” رؤية إسلامية ” ص٣٠٧.
(5) نفس المصدر.
2023 أيلول 04