مقالات

على درب الحياة والممات بين عرفات والجمرات (1/2) بقلم: عزالدين مصطفى جلولي

على درب الحياة والممات بين عرفات والجمرات (1/2)
بقلم: عزالدين مصطفى جلولي
طريق عرفات- مزدلفة- الجمرات، درب الآلام عند المسلمين، توفي على قارعته أزيد من ألف وثلاثمائة حاج على الأقل، جلهم قضى بضربة الشمس الحارقة وهم في طريقهم المزدحم بالملايين لأداء رمي الجمرة الكبرى يوم عيد الأضحى هذا العام ١٤٤٥ه/ ٢٠٢٤م، فكان عاما استثنائيا، كما زعموا. تكتفي السلطات السعودية بتعداد الموتى وتناغها دول المتوفين بالحديث عن مراسم الدفن، ويتوافقون جميعا على تعمية الحقيقة برد الأسباب إلى أمور لا علاقة لها بجوهر المشكلة، المتمثل في إرادة سياسية تأبى إلا أن تترك الحج يمضي بمشاق مقدور على تذليلها، ربما كي لا يفكر أبناء الأمة إذا ما التقوا كل عام على هذه البقاع الطاهرة بقضايا الأمة إذا ما كانوا في حجهم مرتاحين، وربما تحركوا ميدانيا لفرض خيارات بعينها على قادة المسلمين.
ثم لم لا يكون موسم الحج بهذه المشاق حائلا دون التفكير في العودة مجددا مرات عديدة وسنوات مديدة. علاوة على أن هذه الصعوبات، المفتعل معظمها، تحول دون الضغوط الدولية على المملكة لزيادة أعداد الحجاج كيما تتجاوز العتبة الحالية، المحددة بواحد من كل ألف نسمة، هي نسبة قليلة جدا، نظرا لبلوغ تعداد المسلمين مليارين وهم في تكاثر مستمر. لعل كل هذه الاعتبارات غير الموضوعية سبب تتخذه السلطات السعودية لعدم تنظيم الحج بأحسن طريقة وصل إليها الفكر البشري. كما أن هنالك ممالأة مشبوهة من دول إسلامية للملكة، ممالأة تدعوهم ليشهدوا زورا على التنظيم المحكم للفريضة كل عام، والنكوص عن تقويم علمي صارم لتدني الخدمات المقدمة للحجيج وتدهورها لدى دول البعثات ولدى دولة العتبات على حد سواء.
على صعيد عرفات، نصبت الخيام البيضاء متجاورة، أكثرها متوسط الحجم، لا يشتكي قصر منها ولا طول. ألقيت على جنباتها من الداخل مطارح سميكة، يتعثر كبار السن إذا ما وطئتها أقدامهم، كل واحد منها بعرض ذراع لا يزيد عنه، ترى الحجيج فيها مثل سمك السردين صف متلاصقا بعضه إلى بعض على صينية موقد، أو كأنه محتشد غص بالناس فلا مجال للمزيد، ولا مكان فارغا ترك لأداء صلاة فردية أو جماعية أو لوضع متاع. المهم أن النية التي من أجلها اجتمع كل هؤلاء المحرمين على صعيد واحد يوم الحج الأكبر تذلل كل هذه العقبات، عقبات لا يصعب تذليلها لو قيضت للحج إدارة مؤهلة.
ومما يؤخذ على الخيام، أنها ليست الأفضل في مثل هذه الحالة، فالبيوت المتنقلة تفي بالغرض أحسن منها بكثير، والأسرة ذات الطابقين، في الخيام أو في البيوت الجاهزة، أرفق بالحجيج، لأنها أوسع مكانا وتترك للحجاج فسحات في ما بينها للجلوس وللصلاة، خاصة إذا ما صفت البيوت بحيث تكون الفراغات فيها باتجاه القبلة. ثم إنها طويلة العمر، ومثبتة على الدوام، وتدفع الحر، وآمنة من الكوارث، وتسع أعدادا متزايدة من الحجاج كل عام إذا ما كانت تحتوي على طوابق، بدل الاقتصار على عدد مكدس من الحجاج يبلغ أقصى ما تستوعبه هذه الخيام، بحجة تسمعها كل مرة هنا وهناك أن صعيد عرفات، محدود المساحة، وغير قابل للتوسعة؛ إن للنوازل فقها، وللفقه علماء، وبهدي العلماء يأخذ الملوك والأمراء.
ومما يلاحظ على المكيفات، التي تعمل بكفاءة حينما يضعف وهج الشمس من بعد الشروق وقبل الغروب، ثم إنها تفقد قدرتها على مقاومة الحر ضحى وفي الظهيرة. وتجد الوحدات الخارجية للتكييف منصوبة على أرصفة الطرقات الضيقة بين الخيام بعرفات، تصفع بهوائها الساخن الحجاج المارين بالقرب منها، علاوة على الجو اللاهب فوق الرؤوس من شدة الحر أصلا.
أعمال مهمة موكولة للعمال الآسيويين بين الخيام على صعيد عرفات، لا مجال للتهاون فيها أبدا، كنظافة الأمكنة والسهر على السلامة العامة داخل هذا التجمع البشري الهائل. ولكن هؤلاء العمال لا يقومون بهذه الأعمال كما يجب أن يكون، رغم أنهم قدموا إلى المملكة بعقود عمل رسمية ويتلقون أجرة شهرية لقاء ذلك، إلا أن طباعهم في التسول ينكرها الحجيج. فكلما دخل أحدهم إلى الخيمة حاملا كيسا يجمع فيه النفايات، يقف أمام الحاج منتصبا يسأله “البقشيش”. أغلب الحجاج يتخلص منهم معتذرا، وبعضهم يمدهم بما في يده من طعام، وآخرون يرمقونه بنظرات استهجان، لا تفعل فعلها في تقويم هذه الطباع، في بقعة طاهرة لا تتحمل قدسيتها هذه المظاهر المعيبة.
البنية التحتية لعرفات تحتاج إلى تأهيل حديث، وهنا مجال التحديث الحقيقي لا في السياسة كما يريدها قادة المملكة الحاليون. ويبدو أن المرافق أقيمت بلا إتقان، وأنها كانت مهملة طوال العام، نظرا لاهترائها، وسوء مصارفها الصحية، وقلة المياه التي تجرى إليها، والتصاق الميضأة الخاصة بالرجال بالتي هي للنساء، وقلة الاهتمام بحاجة الحجاج إلى الاغتسال، ناهيك عما يجده ذوو الحاجات الخاصة من معاناة. خلاصة القول في هذا الأمر، أن على السلطات السعودية التعاقد مع شركات مؤهلة من العالم الإسلامي، معروفة بكفاءتها في التعهدات، كالتي يملكها الماليزيون والأتراك وغيرهم، وإن تعذر ذلك، ينظر في ما لدى الدول الغربية من شركات عالمية لها سبق في الإنشاءات؛ يحتاج الأمر إلى نية وإرادة ومال، أقلها وفرة الأوليان، وأوفرها الأخير؛ فمداخيل الحرمين تفيض عن حاجاته، وللأمة جمعاء حق الاستثمار في أوقاف الحرمين حسبة لله تعالى.
ينشغل الحجيج قبل مغيب الشمس بتأمين مراكب تقلهم إلى المشعر الحرام بمزدلفة، ليمكثوا فيه قدر ما يلقون متاعهم تأدية للحد الأدنى من سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وقلما من يبيت منهم حتى يسفر النهار جدا يوم عيد الأضحى المبارك، ليرموا جمرة العقبة ثم ليتحللوا التحلل الأصغر بالحلق أو بالتقصير. أغلب الحجيج ينطلق رأسا من مزدلفة إلى منى بعد أن يكون قد لبث من الليل قليلا، ليرتاحوا في خيام منى من المشقة التي قد أصابتهم يومي التروية وعرفة، فيتفرغون خفافا لما تبقى من مناسك في أيام العيد والتشريق. والمشقة التي أعني هاهنا ليست مشقة الطاعات، فهي مشقة ممتعة ولذيذة بقدر ما فيها من عبادة خالصة لا يعكر صفوها شيء، بل أعني مشقة الفوضى في التدبير، وقلة الحيلة لدى القيمين على هذا الموسم المشهود. وبيان ذلك، ان الحجيج يصدرون بعد المغرب من خيامهم إلى الساحات الخارجية ليؤمنوا حافلات تقلهم بعد النفرة من عرفات، حافلات تكدست بالقرب من المخيمات في غاية الفوضى واللامبالاة بمبدأ السلامة الأمان. إذ أنها اصطفت شبه متلاصقة في طابور لا ترى له بداية ولا نهاية، يحول الرواق المتروك بينها لعبور شخص واحد أو اثنين لا أكثر شبه ملتصقين.
يحار الحجيج في البحث عن أرقام حافلاتهم التي تطابق ما عندهم على البطاقات، وقد اختلطت الحافلات عليهم اختلاطا شديدا. ولسوء حظ الناس أن محركات هذه المراكب كانت تعمل كلها في وضع التسخين وتبث من عادمها غازات الكربون الخانقة، وهواء حارا من وحدات التكييف الخارجية يشوي الوجوه. ولك أن تتصور المشهد، والوقت عصرا، والحجيج يتدفقون نساء ورجالا بين الحافلات، كل يبحث عن مركوبه الموجه إليه فلا يعثر عليه إلا بعد لأي، وقد لا يعثر عليه فيرتد إلى الرصيف خائبا حائرا. لقد كان الجميع منشغلا عن الذكر والدعاء بعد أن كان مشغولا به طوال اليوم بما لقي من فوضى بادية الدهشة منها على الوجوه، لم ينفع من تخفيفها تحنن العجائز للسواقين المصريين، إلا من حظي منهم بمقعده الخاص قد وجده فجأة، وبقي فيه حتى المغيب ذاكرا داعيا. المهم أنك لا تجد شرطة مرور، تحسن كما يلزم الحال تسيير الأمور. ويظل الحاج المرهق يدور ويدور حتى تغيب عنه الشمس، ولما يفلح بعد في إيجاد ضالته، ناهيكم عن حالات الإغماء والعطش والغثيان جراء استنشاق الكربون الذي عم دخانه المكان.

على درب الحياة والممات بين عرفات والجمرات (2/2)
بقلم: عزالدين مصطفى جلولي
لا أريد التحدث عن الشعور المضطرب الذي كان يخالج الحجيج الفرحين بأداء الوقفة المباركة على صعيد عرفات، وقد أسلمتهم الفوضى إلى ما لم يك في الحسبان قبل أن تحين النفرة إلى مزدلفة. ولولا أني طلبت من شرطي أرهقه التعب، التوسط لدى سائقي الحافلات ليؤمن لي مقعدا إلى مزدلفة، وقد رآني محموما أعاني من ضيق التنفس جراء ما استنشقته من هواء ملوث. فتقدم الشرطي إلى سائق مصري يقل رحلة خاصة بحجاج سعوديين فقبل على الفور مرافقتي لهم استحياء، فدعوت الله للشرطي شاكرا، وسألته لم لا تنظموا الحافلات بطريقة تكون أرفق بالحجيج وأليق بالركن الخامس للإسلام؟ فأجابني على الفور: إننا نظمنا كثيرا ووضعنا خططا وما من فائدة، مضيفا: هذا الذي تراه اسمه الحج!
في مدينة منى الخيام غير صالحة للسكن، والمخاطر محدقة بها من كل حدب وصوب، والضيق هو عنوان المكان، والنظافة قليلة، ودورات المياه غير كافية، والطوابير أمامها طويلة، والحرج بسببها لا يخفى بين الرجال والنساء، والمسالك بين الخيام متشابهة، ولا يمكنك الرجوع إلى خيمتك إذا خرجت منها بسهولة، هذا لمن يحسن القراءة، أما الأميون والأميات فهم في عسر شديد. اليافطات الإرشادية شبه معدومة، والمكيفات تصم الأذان ولا تعمل بكفاءة ساعة الظهيرة. أما خارطة أكبر مدينة للخيام في العالم فلا يحسن شرحها لك أحد حتى رجال الأمن، ومن يعرف منهم يعرف المكان المكلف به ليس إلا. وإذا ألححت على أحدهم كي يساعك سحب هاتفه وبحث لك عما تريد من خلال تطبيق تحديد المواقع، ثم يستغرق في شرح كيفية الوصول إلى الموقع إلى درجة تمل منها فتشكره وتفر منه، وتبقى كذلك ضائعا، حتى تلتقي فجأة بشخص من أبناء بلدك، فتتشبث به لعله أن ينجدك.
لا أدري كيف خلصت السلطات السعودية إلى حشر الناس في مكة في بنايات لا يمكنك أن ترى طوابقها العلوية إلا مرة واحدة، هذا إذا كنت فضوليا، وتترك مدينة منى خالية طوال العام. وكان الأولى أن تبنى إقامات نموذجية متباعدة بالطراز الإسلامي، وتصلها بالحرم المكي عبر قطارات سريعة، تسع حركة الحجاج إلى الحرم المكي ذهابا وإيابا. إن ذلك يخفف عن مكة المكرمة الكثافة السكانية، ويقلل على المسلمين كلفة الحج الذاهبة في الغلاء سنة إثر أخرى، ويمكن العالم الإسلامي من زيادة أعداد حجاجه باطراد. إن ذلكم عمل صالح يدخل السرور على المؤمنين، ويثنون به خيرا على فاعليه.
على الطريق بين منى والجمرات، توفي كثير من الناس بسبب طول المسافة وشدة الحرارة، فقد رأى الناس الموت وهم ينظرون. لا تقدم المملكة لهؤلاء الزوار السائرين بالملايين على درب الرجاء لنيل الغفران والجنة من خالقهم، ما يكفي للمرور بسلام. الشرطة والجيش والمروحيات موضوعة كلها للحؤول دون الازدحام. ترى بعض رجال الأمن يرش بخراطيم المياه رذاذا على الرؤوس، وآخرين يروحون بقطع الكرتون على من يمر بجانبهم يتصبب عرقا، ومستوصفات قليلة منصوبة للحالات الطارئة، وأماكن سقيا لا تدفع عن الناس العطش، والدليل على ذلك التدافع والحاجة الدائمة إلى الماء. الغريب أن ما يهم الحاج في هذا الدرب البالغ خمسة كيلومترات غير كاف أو غير موجود، لا تجد في طريقك ظلالا تقيك وهج الظهيرة، ولا على جنبات هذا الطريق مقاعد للراحة، أو منصات يستلقي عليها المتعبون والمغمون والمتوفون، الكل متروك لقدره تحت أشعة شمس قاتلة.
تتباهى الدول الغربية بالأعداد المتزايدة التي تدخل أراضيها بغرض السياحة، وتتخذ من ذلك دعاية لمزيد من السياح. ليس عددهم يحسب بالمليونين أو بالثلاثة يتوفي منهم الآلاف بسبب رداءة الخدمات وضربة الشمس، بل يطأ أراضيها عشرات الملايين قلما تتسبب مرافق الدولة بوفاة أحد منهم، وإن حدث أن وقع تتخذ ذلك مؤشرا لتطوير نفسها كيما لا تتكرر الحوادث وتقدم المتسببين والمتقاعصين عن منع هذه الحوادث للمساءة القضائية. وتراها تسخر إمكانيات الدولة كافة ليكون عدد السياح أكبر في كل عام. وإنك لا ترى في زيارتك لهذه الدول أنها تتضايق من سلوك بعض السياح إن كانوا غير معتادين على أنظمتها، عدا التصرفات العنصرية التي تحاربها قوانينهم. بل إنها لتعدل من أنظمتها كي تكون مطواعة أكثر فأكثر لاستيعاب كل الأجناس والثقافات، ولكي تحفزهم تلك الزيارة على العودة مستقبلا. كل ذلك يصنع من أجل المال لا شيء سواه. وفي المقابل، نجد القوامة على الحرمين الشريفين، حيث الرسالة الخاتمة والجزاء الأخروي المضاعف، قوامة فيها دغل، والأداء غير متقن، والدنيا لها في النوايا حظ من الشيطان ونصيب.
لو كان هذا الطريق، بدءا من عرفات، وانتهاء بالحرم المكي، مرورا بالجمرات، عند أمة وثنية لجعلته طريق أحلام ولكسته من الذهب والفضة، ولجعتله مكيفا تجري من تحته سلالم آلية، تخفيف على الناس بعد الشقة. والطريق يستحق الكثير من الإنفاق بدلا من التقتير عليه. ولا أظن بأن الذهنية التي تعدد الموتى ولا تفكر في الأسباب تعطي ما يفتقد إليه المسلمون. الظلال، والتبريد، والماء الشروب، ومرافق الاستراحة، وأجهزة النجدة والإنقاذ، ووسائل نقل بسيطة فعالة، والمرافقة الواعية، والتوجيهات الواضحة… وغير ذلك حاجات مستعجلة لا تقبل التأخير. ثم على “خدام الحرمين الشريفين” طرح قضية المناسك كلها على العلماء المتخصصين من العالم الإسلامي لإبداء الرأي والمشورة من أجل إصلاحها، بدل بطر الحق، وغمط الناس، والاستغناء عن الآخر، والانغلاق على الذات، والاستئثار بالمشاعر، ثم شراء الذمم لاستجداء المديح والثناء.
لاحظت وأنا أنصرف من الجمرات عائدا إلى المخيم بمنى أن أبراجا بنيت شرقا بناء حديثا حسنا، ولما سألت عنها قيل لي إنها إقامات خاصة بالحجاج المنظمين في رحلات ولمن يدفع أكثر، أما من جاء في بعثات عادية فيسكن الخيام. أدركت ساعتها بأن حب الدنيا أسر، أي بقدر ما تدفع تخدم، وبقدر ضعفك تستغل وتبتز. إن كل من أقام بمنى في الخيام يدرك أنها محتشد حقيقي لأفضل تجمع بشري على البسيطة، أين منه المعتقلات والسجون ومخيمات اللاجئين. ومن لطائفه تعالى بعباده، أن السلطات منعت أداء الرجم ظهرا بسبب الحرارة الشديدة التي بلغت تسعا وأربعين على السلم في الظل، فتأخر من كان ينوي الرجم ظهرا في انتظار أن يفتح الطريق المغلق.
وفي العصر أرسلت غيمة توسطت سماء مشمسة أمطرت منى بوابل من الأمطار، دام لدقائق، تضرع خلالها الكثيرون رافعين أيدهم وهم مبللين، شكرا لله على هذه النعمة، التي أرسلها الله في الميعاد؛ فنشط من كان في الخيمة خاملا، كأنما نشط من عقال، وعد حصياته قبل أن يمضي إلى أداء مناسك اليوم الأول من أيام التشريق. كما كشفت الغيمة، في دقائق، ترهل البنية التحتية للمخيمات بمنى، وأبانت عن عيوب في كل مرفق، يعلم الله تعالى على أي أساس أقيم بنيانها من أول يوم. فبات من تبللت مطارحه شر ليلة، وعزم أكثرهم على التعجل في يومين بدل أن يتأخر. إن المشاعر المقدسة جوهر باق وما عداها عرض فان، والجوهر سر بين الله وعباده، يكسو ضيوفه من نوره عربون غفران إن شاء الله، ويدع ما هو زائل لمن حجبته الدنيا عنه… ولله في تصريف الأمور بين خلائقه عجائب!
إن أحسن ما أنجز في البقاع المقدسة من إنشاءات مبنى الجمرات، وهو بهذا المستوى الحالي كاف بطوابقه الفسيحة ليستوعب ملايين الحجاج لا مليونين أو ثلاثة فحسب. بعبارة أخرى، إن إدراك ما تستحقه المشاعر من إنشاءات معلوم لدى القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية، ولكن القيادة الحالية تظلم نفسها وتظلم العالم الإسلامي ولا ترضي ربها كما يجب بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يُمَكّن من أدائهم الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة، كما جاء في دستور هذه الدولة الغريبة أطوارها فعلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب