ماذا وراء إعلان بزشكيان “لن يقف حزب الله وحده أمام إسرائيل”؟

ماذا وراء إعلان بزشكيان “لن يقف حزب الله وحده أمام إسرائيل”؟
بعد عمليات اغتيال كبار قادة حزب الله وقادة الساحات والمسؤولين عن الأقسام في الحزب، فإن رئيس حزب الله، حسن نصر الله، هو رئيس الأركان الفعلي للحزب، وليس الزعيم الذي يوجه ويرسم الاستراتيجية، بل هو قائد جبهة أيضاً. هذه المهمة ليست غريبة عليه. فقبل تعيينه رئيساً لحزب الله، كان قائد ساحة الجنوب في لبنان، وعمل بشكل مباشر على إدارة القوات العسكرية. هو يعرف جيداً منظومة القوات، وبشكل شخصي أيضاً يعرف بعض قادة الألوية. يعرف قراءة الخرائط وتقدير قوة النيران التي لديه، ولديه مخزون من القادة بدرجات عالية غادرين على إدارة النار أمام إسرائيل، وهذا ما يفعلونه في الواقع. بهذا الشكل، يمكن لحسن نصر الله مواصلة إدارة الحرب لفترة طويلة، لكنه يقترب من المرحلة التي عليه أن يقرر وجهته، في الوقت الذي تطول فيه قائمة الأخطاء والتقديرات المسجلة ضده، وهو الذي يوصف بأنه الخبير بشؤون إسرائيل.
الصحافي اللبناني علي حمادة، الذي نشر الإثنين في “النهار” اللبنانية، وضع الإصبع على معظم القائمة. “كان التقدير أن إسرائيل لن تدخل إلى حرب طويلة في قطاع غزة. لكنها فعلت وما زالت تحارب”، كتب. “وثمة تقدير آخر، أن العالم سيقف ضدها وسيفرض عليها حصاراً بسبب المذبحة التي نفذتها في قطاع غزة، لكنها ما زالت مستمرة في تنفيذها. ومثل ذلك أيضاً، كان التقدير بأن الولايات المتحدة، والغرب بشكل عام، سيضغطون على إسرائيل تحت غطاء صفقة التبادل لوقف إطلاق النار ووقف سفك الدماء، لكن إسرائيل لم تهتم بالمخطوفين، وتستمر في التدمير والقتل”.
أطلق حمادة سهامه أيضاً نحو تقديرات حسن نصر الله بشأن لبنان. “كان التقدير أن صواريخ حزب الله ستفرض على إسرائيل معادلة ردع متبادلة تمنع التصعيد ضده. ولكنها قتلت حتى الآن أكثر من 500 مقاتل، منهم ذوو رتب عالية، وتسببت بهرب المستشارين الإيرانيين من لبنان وسوريا، ودمرت القنصلية الإيرانية في دمشق، وأصابت قلب تجمعات حزب الله في الضاحية… وستستمر في ذلك، لأن خيار الحرب لديها ليس سياسياً بل وجودي. من هنا ينبع تأييد 62 في المئة من الإسرائيليين لشن حرب شاملة ضد حزب الله. حزب الله الذي تم دفعه على يد إيران، ارتكب خطأ كبيراً، وقاتلاً ربما، لأنه لم يعرف قراءة الواقع. وبناء على ذلك، وجد نفسه الآن في حرب بقاء بدلاً من حرب دعم (لحماس)”، كتب حمادة.
ربما لا نتفق مع تحليل حمادة حول الأسباب التي جعلت إسرائيل تشن حرباً واسعة ضد حزب الله. وأكثر من ذلك، أن حسن نصر الله عرض على إسرائيل صيغة مضمونة لتجنبها، “وقف الحرب في غزة مقابل وقف إطلاق النار في الشمال”. ولكن التقدير الذي ينتقل حزب الله الآن بحسبه من مرحلة الحرب المبادر إليها والتي يملي فيها الشروطـ، إلى حرب “وجودية”، لا يقتصر فقط على حمادة المعارض أو على أصدقائه في لبنان. عندما يقول رئيس إيران مسعود بزشكيان في مقابلة مع “سي.إن.إن” إن حزب الله لن يقف وحده أمام إسرائيل، فإن هذا ليس موقف محلل يجلس على المنصة.
إذا كان هذا التقدير يعكس مزاج القيادة العليا في إيران، فستكون له تداعيات عملياتية، لأن بقاء حزب الله أمر حيوي لاستقرار منظومة مصالح إيران في المنطقة، وليس في لبنان فقط. ستنعكس نتائج الحرب بين إسرائيل وحزب الله ليس على مكانة إيران في لبنان وسوريا فقط، بل أيضاً على قوة “حلقة النار” التي أقامتها إيران، وعلى قدرة استخدامها كتهديد رادع وناجع ضد أي هجوم عليها، لأنه عندما تضعف الحلقة الأقوى في هذه الدائرة، فإنها تضع الأفكار الرئيسية التي قامت عليها هذه الدائرة محل اختبار وجودي، ما يجعل إيران تعيد النظر في الاستراتيجية الإقليمية التي خدمتها بنجاعة وبنجاح كبير حتى الآن.
الحرب في لبنان ليست إقليمية حتى الآن، وخشية تطورها قائمة ومهددة. ولكن التطورات على الأرض تضع نظرية إيران القائلة بأن أي وكيل لها له حرية العمل باستقلالية محل اختبار، حسب شروط وظروف كل دولة يعمل فيها، شريطة ألا يعرض مصالح إيران الاستراتيجية بعيدة المدى للخطر. التقديرات الخاطئة التي كتب عنها حمادة ليست لحزب الله فقط، بل أيضاً لإيران، التي بنت عليها الخطوط العامة لتدخلها وتدخل وكلائها في الحرب في غزة، وهي لم تعد تناسب الانعطافة التي حدثت في الحرب في لبنان.
كان يمكن أن تمنح غزة حزب الله أداة ضغط على إسرائيل. وبالتالي، إعطاء إيران مكانة متميزة كمن تستطيع ممارسة تهديدات إقليمية دون تعريض نفسها لخطر التدخل المباشر في الحرب. في بداية الحرب، شرح حسن نصر الله في أحد خطاباته الأولى بأن قرار العمل ضد إسرائيل يرتكز إلى أمرين: مساعدة حماس في حربها ضد إسرائيل، والدفاع عن لبنان. وصف الأمر الأول بأن هجماته أدت إلى اضطرار الجيش الإسرائيلي إلى سحب جزء من قواته إلى الحدود الشمالية، بشكل خفف الضغط العسكري على حماس في غزة. وقام بتفسير حجم الأضرار التي ألحقها بإسرائيل، لا سيما إخلاء عشرات آلاف الإسرائيليين من بيوتهم. ولكنها ليست حرباً من أجل حماس فقط، أو من أجل القضية الفلسطينية. فقد أكد حسن نصر الله أنه لو لم يستخدم “قوة الردع التي لديه” لتحققت طموحات إسرائيل في احتلال لبنان. الجهود التي بذلها لعرض نفسه كمنظمة لبنانية، وكجزء لا يتجزأ من المجتمع والشعب اللبناني وأنه ليس وكيلاً لإيران أو لمصالح خارجية، هي التي بررت تدخله العسكري، ليس ضد إسرائيل فقط. “أمن سوريا هو أمن لبنان”، فسر حسن نصر الله إرسال قواته إلى سوريا لمساعدة الأسد في ذبح الشعب السوري. وهو الآن يقف أمام احتمالية تكرار سيناريو حرب لبنان الثانية، وأن مكانته كـ “حامي لبنان” أمام إسرائيل قد تتضعضع. هذا في الوقت الذي كان فيه المفتاح الذهبي بحوزته -وقف الحرب في غزة مقابل وقف النار في لبنان- أصبح عديم الاستخدام، والخيارات التي أمامه آخذة في النفاد.
في حرب لبنان الثانية، في اليوم الذي اتخذ فيه قرار 1701، أعلن حسن نصر الله بأنه سيحترم قرار وقف إطلاق النار وأن قواته ستتوقف عن الإطلاق نحو إسرائيل تزامناً مع وقف هجماتها على لبنان. وبذلك، حول نفسه إلى شريك في الاتفاق. كانت هذه حرباً ثنائية بين إسرائيل ولبنان، لكن حسن نصر الله في هذه المرة ربط لبنان بقطاع غزة. لذلك، أي موافقة له على وقف إطلاق النار تعني التنازل عن الصلة التي أوجدها، وتحطيم الأساس الفكري لمجرد مشاركته في الحرب، ولا يقل عن ذلك أهمية، المس بمكانة إيران.
هذه هي المعضلة التي تقف أمام حسن نصر الله الآن، التي لم يعد حلها في بيروت بشكل حصري، بل ينتقل إلى طهران وبسرعة.
تسفي برئيل
هآرتس 25/9/2024