ثقافة وفنون

عازف الأكورديون: من أغنيات إديث بياف

عازف الأكورديون: من أغنيات إديث بياف

مروة صلاح متولي

من أجمل أغنيات إديث بياف أغنية عازف الأكورديون L’accordeoniste يعود تاريخ الأغنية إلى عام 1940 وهي من تأليف الموسيقار وكاتب الأغاني الفرنسي ميشيل إيمير، وكانت هذه الأغنية أول تعاون بينهما، ثم تلاها العديد من الأغنيات، حققت الأغنية نجاحاً كبيراً في زمنها، وخلال العقود الماضية ولا تزال حتى اليوم من أغنيات بياف المحبوبة. تعد إديث بياف كما هو معروف أيقونة من أيقونات الغناء الفرنسي، ومن أشهر مطربات القرن العشرين في العالم، وكان لها أسلوب فريد في التعبير والأداء الغنائي والانفعال العاطفي والدرامي، وكانت تمتلك صوتاً جميلاً مميزاً يجمع بين القوة والحدة والنعومة. ولدت بياف عام 1915 وتوفيت عام 1963 وهي في السابعة والأربعين من عمرها، بعد أن قدمت إلى عالم الموسيقى مجموعة رائعة من الأغاني الشهيرة الخالدة كأغنية La vie en rose وأغنية Non, je ne regrette rien وغيرهما، وكانت تعرف بلقب العصفورة الصغيرة La Môme.
تذهب بنا أغنية عازف الأكورديون إلى أجواء الأربعينيات، حيث الأوضاع البائسة للكثير من الناس في أوروبا تحت الظلال الثقيلة للحرب العالمية الثانية، وكذلك تذهب بنا إلى موسيقى الأربعينيات الفرنسية، وأجواء الكباريه والملاهي الليلية. وقد كان التعبير عن المعاناة من الحرب العالمية سائداً إلى حد ما في الأغنية الفرنسية، خصوصاً التعبير عن المعاناة العاطفية بشكل رومانسي حزين، عندما يذهب الرجال إلى الحرب وتبقى النساء وحيدات تنتظر كل منهم عودة حبيبها الذي قد لا يأتي أبداً، وهو ما نجده عند رينا كيتي أيضاً في الكثير من أغانيها الرومانسية الجميلة. تتكون الأغنية من ثلاثة أقسام، أو تصور ثلاثة مشاهد من حياة فتاة جميلة من فتيات الهوى، يبدأ كل قسم من الأقسام الثلاثة بالافتتاحية ذاتها مع تغيير كلمة واحدة فقط، من أجل التعبير عن شعور معين والإشارة إلى وضع أو حالة مختلفة تمر بها بطلة الأغنية، فهي جميلة في الحالة الأولى، وحزينة في الحالة الثانية، ووحيدة في الحالة الثالثة.

يعتمد اللحن بطبيعة الحال على آلة الأكورديون نظراً لعنوان الأغنية وقصتها وبطلها عازف الأكورديون، وكذلك نظراً لأهمية الأكورديون في الموسيقى الفرنسية، ويلاحظ السامع الحركة الراقصة الدائرية لأنغام الأكورديون، مع توظيف البطء والسرعة والتصاعدات الدرامية، وقد يشعر البعض بأن إديث بياف تكون في سباق بصوتها مع الأكورديون، وتعمل على مواكبته واللحاق به خصوصاً في الأجزاء السريعة. وكما هي عادتها نجد في أغنية عازف الأكورديون قوة شديدة في الأداء الغنائي والدرامي، وفي التعبير عن كل كلمة من كلمات الأغنية، وعن أدق المشاعر وتفاصيل الحالة العاطفية والنفسية التي تمر بها الفتاة في هذه اللحظة أو تلك، إلى درجة أننا نرى عيني إديث بياف تدمعان في النسخ المصورة من هذه الأغنية، كما يدمع الصوت أيضاً، ويخفق الشعور عند نطق كلمات معينة، ولا تكتفي بكل ما تفعله طوال الأغنية من براعة الأسلوب وفرادة التعبير، وما تخلقه من أثر في نفس السامع، وتأبى إلا أن تجعل من خاتمة الأغنية لحظة لا تنسى تظل عالقة في ذهن السامع بتلك الصرخة الباكية المذهلة عندما تقول Arrêtez! Arrêtez la musique!.
تروي لنا الأغنية قصة عن فتاة من فتيات الهوى، وتقدم لنا ثلاثة مشاهد تصورها بالكلمة والموسيقى والأداء، وتستخدم أسلوب القطع السينمائي بالانتقال من مشهد إلى آخر. هي فتاة فقيرة بائسة تحلم بالحب والحياة الهانئة السعيدة مع حبيب، وتتمنى أن يجمعهما بيت وأن يعيشا معا عيشا كريما مستقرا، وقد يتوقف السامع العربي على وجه الخصوص عند كلمة «باشا» أو «باشوات» المستخدمة في هذه الأغنية الفرنسية، فقد كانت هذه الفتاة البائسة تحلم بأن تصير هي وحبيبها من الباشوات في المقطع القائل Ils seront de vrais pachas.
تكون الفتاة في بداية الأغنية في المشهد الأول مع أحد الزبائن، وبعد أن تنتهي من عملها التعيس تذهب إلى صالة من صالات الرقص، لتعيش في دنيا الأحلام قليلاً بعيداً عن واقعها المزري، وهناك تجد الحبيب، عازف الأكورديون الذي يعزف موسيقى رقصة الجافا، تستمع الفتاة إلى موسيقى الجافا، لكنها لا ترقصها، تنظر إلى ذلك الشاب اللطيف وتنجذب إليه عاطفياً وجسدياً، وتنجذب أيضاً إلى موسيقاه وطريقته في العزف وإحساسه ونشوته الفنية.
في المشهد الثاني تكون الفتاة حزينة، فقد ذهب الحبيب عازف الأكورديون إلى الحرب، لكنها تحلم بعودته وبالحياة الجميلة المستقرة التي تنتظرهما، حيث المنزل والعمل وكل ما سيحققانه معاً، فسوف يكونان من الباشوات، وسيعزف لها موسيقى رقصة الجافا في كل ليلة. في المشهد الثالث تكون الفتاة وحيدة، فقد مات عازف الأكورديون في الحرب ولن يعود أبداً، مات حبيبها ودمرت حياتها وودعت كل الأحلام الجميلة، تحاول أن تحيا من جديد وأن تقاوم ذلك الشعور الهائل بالضياع وموت كل شيء، تذهب لتستمع إلى عازف أكورديون آخر يعزف موسيقى رقصة الجافا، تحاول أن تنسى وترقص وتدور مع الأنغام، لكن المحاولة تفشل ويطغى الألم ويتغلب على كل محاولات الحياة والحب من جديد، فلا يكون منها إلا أن تطلب من العازفين أن يوقفوا الموسيقى.

كاتبة مصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب