دولة الاحتلال ترفض توثيق جرائمها… ولا تكتفي بقصف الأقلام بل تقبض أرواح الإعلاميين

دولة الاحتلال ترفض توثيق جرائمها… ولا تكتفي بقصف الأقلام بل تقبض أرواح الإعلاميين
حسام عبد البصير
القاهرة ـ أزمة بيض خانقة عمت محافظات مصر زادت وتيرتها عقب بدء العام الدراسي، ليسجل سعر البيضة سبعة جنيهات في بعض الأحياء، ما دفع الحكومة للإقدام على استيراد السلعة من تركيا، لمواجهة مافيا التجار، وعقب تسويق المنتج التركي انخفض السعر، ما دفع الكثيرين للمطالبة باستمرار الاستيراد من أنقرة، حماية للأغلبية الفقيرة.
وعمت الأفراح القلعة البيضاء أمس الخميس إثر انتهاء أزمة الثلاثي عبدالواحد السيد ودونجا ومصطفى شلبي، بعد الإفرج عنهم الأربعاء عقب صدور قرار رئاسي من دولة الإمارات. وكشف أحمد حسن نجم الكرة السابق، عن عقوبات رادعة من قبل الاتحاد المصري لكرة القدم ضد الثلاثي، قد تصل للايقاف ثماني مباريات.
أكدت شركة مصر للطيران، أنه تم استلام التقرير النهائي الرسمي الصادر عن الإدارة المركزية لحوادث الطيران التابعة لوزارة الطيران المدني المصري بشأن الرحلة رقم MS804، التي اختفت قبل ثماني سنوات، وأشارت الشركة إلى أنه تمت مشاركته مع الأسر المتضررة جراء هذا الحادث الأليم. وذكر البيان “سوف تظل قلوبنا مع الأسر والأحباء الذين ما زالوا يتحملون مرارة الحزن العميق لهذه الخسارة”. سبق وأعلنت الشركة الوطنية في 19 مايو/أيار عام 2016 عن اختفاء رحلتها رقم 804 المقبلة من مطار شارل ديغول في طريقها إلى مطار القاهرة الدولي، بعد دخولها المجال الجوي المصري بـ10 أميال وعلى متنها 66 راكبا. كما أعلنت الشركة عن العثور على مواد طافية يرجح أنها لحطام الطائرة، وكذلك على بعض سترات النجاة ومواد بلاستيكية، بعدما عثرت عليها السلطات اليونانية بالقرب من جزيرة كارباثوس اليونانية.
طبيا حذرت وزارة الصحة والسكان من تفشي الاكتئاب الموسمي، باعتبار المصاب به يكون عرضة للإصابة بالسرطان. مؤكدة أن العلاج المبكر ضروري لتقليل عدد مرات الإصابة به، مشددة على ضرورة عدم تجاهل حالات الاكتئاب، وحددت الوزارة أبرز أعراض الاكتئاب، ومن ضمنها مشاعر الحزن، أو انعدام القيمة، بالإضافة لنوبات الغضب والهياج لأسباب تافهة فضلا عن اضطرابات النوم والتعب عند ممارسة المهام البسيطة.
مهزوز رغم المجازر
جاء الرد الصهيوني على إيران مخيبا لآمال المتعطشين للدماء ويتوقع السفير معصوم مرزوق في “المشهد”، أن تنتعش مجددا نظرية “المسرحية” بعد أن كانت قد توارت إثر الضربة الإيرانية الأخيرة القوية ضد إسرائيل، التي أخجلت أصحاب هذه النظرية، الذين ظلوا يروجون أن إيران تضحي بوكلائها في المنطقة وتعرضهم لصراع مع بلطجي الشرق الأوسط، بينما تكتفي هي بعروض مسرحية فارسية وبعد “طنطنة” صهيونية معتادة، وعروض طاووسية مستمرة من نتنياهو، وتهديدات من سموتريتش، وتبريق عين من بن غفير، جاءت الضربة بردا وسلاما على طهران، ينطبق عليها بيت الشعر الشهير “زعم الفرزدقُ أن سيقتل مَربَعا.. أبشر بطول سلامةٍ يا مَربَعُ”. سارع مدمنو نظريات المؤامرة يصرخون بهستيرية: “ألم نقل لكم.. الفرس، الشيعة، والصهاينة.. مهما كان: “ضرب الحبيب زي أكل الزبيب”. هل أثمرت تحذيرات واشنطن التي من المؤكد أنها لم تكن مدفوعة بحب طارئ لطهران ـ لا سمح الله ـ وإنما فيما يبدو لتخوف حقيقي من احتمالات الخطر علي المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة قواعدها العسكرية، وحقول بترول الخليج؟ ولكن، متى خضعت تل أبيب لأي تحذيرات أو توجيهات من أمريكا أو غيرها، لقد قال نتنياهو أكثر من مرة “إنه يستمع لنصائح واشنطن، ولكنه لن يطبق سوى ما يراه مصلحة صهيونية”، فلم تعد “إسرائيل” تلك “الدويلة” التي تخضع لإملاءات رعاتها، حتى لو كانت تحلب منهم اللبن والقذائف، فقد أصبح رؤساء أمريكا (بل كل دول الغرب) رهائن لدى جماعات الضغط الصهيونية التي توحشت وأصبحت تسيطر على السياسة والاقتصاد والإعلام والسينما وكل شيء تقريبا في الغرب.
هزهزة استراتيجية
عقلانية رد الفعل الصهيوني ضد إيران لم تطرأ عن احترام مفاجئ للقانون الدولي، كما أنها حسب السفير معصوم مرزوق، ليست رد جميل للملك الفارسي القديم “قورش” الذي حرر اليهود وسمح لهم بالعودة لمملكتهم بعد السبي البابلي، لأن رد الجميل ليس خاصية صهيونية، وإلا لكانوا قد احترموا من استضافوهم وقدموا لهم كل الحماية، بعد أن كانوا مطاردين في العالم كله تقريبا، إلا بين شعوب الشرق الأوسط التي وفّرت لهم موطنا ومواطنة حتى أصبح بعضهم من أثرى أثرياء المنطقة.. لا.. رد الجميل صفة لا يتحلى بها شايلوك. لا يبقى إذا سوى أن نبحث عن الأسباب في ما أعلنته طهران سرا وعلانية من أنها سترد بمنتهي القوة على الكيان الصهيوني، ومن يتعاونون معه، ومن المؤكد أن ما ذاقه الكيان قبل ذلك يجعله يأخذ هذا التهديد بكل جدية، ليس هذا فحسب، وإنما صعوبة أن تُفتح جبهة أخرى بينما الكيان غارق حتى أذنيه في شوارع غزة لمدة عام ولا تزال المقاومة الفلسطينية تلقنه الدروس المتتالية، وكذلك التورط في معركة خاسرة فوق جبال جنوب لبنان، أدت إلى اختفاء أغلب الشعب الصهيوني في المخابئ، وهجرة المزيد من المستوطنين، سواء هجرة داخلية أو خارجية. شكل الضربة الصهيونية يحمل كل الأسباب السابقة، وهو ما يؤكد من ناحية أخري أن الكيان الصهيوني فقد بالفعل “نظريته في الردع”، وذلك يعني أن بقاء الصهيونية، كنظرية عنصرية استيطانية متوحشة قد صارت أيامه معدودة، تماما مثلما كانت مقدمات نهاية الحكم العنصري أبارتيد في جنوب افريقيا، لم يتبق لذلك الكيان الوحشي سوى ممارسة ما يمكن أن نطلق عليه “هزهزة استراتيجية ” لمجرد كسب الوقت.
إعادة هيكلة
يلوح في الأفق حراك وهمي تديره الولايات المتحدة، وفق خطة “الشرق الأوسط الجديد”، التي يُعاد تدويرها، وتتمثل حسب محمود زاهر في “الوفد” في عزل الساحات، وتفكيك المنظومة المقاوِمة، وإنعاش مشاريع مركونة على رفوف «الماسونية العالمية» لعقود طويلة، بانتظار «إعادة هيكلة» لـ«إسرائيل» سياسيا وجغرافيا. خطة شيطانية، بدأت فعليا منذ سنوات، ولم تعد سرا، إذ تحدث عنها قادة “الكيان المحتل” وأمريكا، باعتمادها على التطبيع الكامل، الذي سيكون غلافا للخطة الأساسية، بتغيير معالم فلسطين المحتلة مرة أخرى، بالإضافة إلى بعض البلدان العربية مثل لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر. تلك الخطة “الوجودية” وضعها ـ الصهاينة والأمريكيون ـ للجمع بين السياسة والجغرافيا والأمن، إذ يرونها ضرورة ملحة للسيطرة وإعادة التشكيل، وربطها بـ«التحالف الإبراهيمي» وقيادة المنطقة، وفقا لقاعدة الولايات المتحدة الشهيرة «لو لم توجد إسرائيل كنا سنخلقها في المنطقة». ربما تعززت تلك النظرية قبيل طوفان الأقصى، منذ إنهاء أمريكا وإسرائيل مناورات “اللكمة القاضية”، التي تحاكي حربا متعددة الجبهات، مدعومة بإطلاق قطار التطبيع نحو السعودية، وما تبقى من دولٍ عربية، تزامنا مع «شراء الوقت» الكافي لصالح الكيان الصهيوني، لتنفيذ المهمة بنجاح. لعل ما يجب الانتباه إليه هو السعي الحثيث لتأسيس «ناتو عربي» أو «شرق أوسط جديد»، في إطار «التحالف الإبراهيمي»، يحل مكان جامعة الدول العربية، التي ستصبح «جامعة دول الشرق الأوسط»، تكون «إسرائيل» درة تاجها، لتتربع منفردة على عرش المنطقة. مَن يراقب بدقة ما يجري في منطقتنا البائسة، يُدرك أنه لم يُترك للشعوب العربية والإسلامية أي خِيار سوى الاستسلام والإذعان والخضوع والخنوع، ثم التطبيع المجاني، وليس السلام العادل، وبالتالي فقدنا الماضي وخسرنا الحاضر، وبالتالى لم يعد هناك أي مستقبل ينتظرنا يقينا، كل تلك المخططات، أصبح بعض الساسة و«علماء الدين» والإعلاميين ـ بقصد أو من دون قصد ـ يشاركون فيها، من خلال إشغالنا ودفعنا وجرِّنا لفخ “الفتنة المذهبية”، لتعزيز التعصب والكراهية وبث الفرقة ورفض الآخر. “العدو الصهيوني” يعقد رهانه للانتصار علينا وعلى المقاومة، من خلال خذلاننا لها، وتنصّلنا منها، وتواطؤنا ضدها، وتوجيه سهام نقدنا وتشكيكنا وسخريتنا وطائفيتنا وكرهنا وحقدنا عليها، وإسقاط مركبات نقصنا وخوفنا وجُبننا وخضوعنا وخنوعنا وعبوديتنا لأراذلنا، كنمط عَيْشٍ أَلِفَه الكثيرون.
ما لا يأتي
يتساءل الكثير من الإسرائيليين ما الذي تتوقعه إسرائيل في نهاية المطاف بعد الحرب الوجودية؟ هل تتوقع ازدهارا ونماء ورخاء؟ بالطبع، كما قالت جيهان فوزي في “الوطن” لا، فمن المتوقع أن ما ينتظر إسرائيل في اليوم التالى حرب أهلية، فالحرب التي يصفها نتنياهو بالوجودية هي التي تؤجل الحرب الأهلية، ولذلك يفضّل الإسرائيليون الأولى على الثانية، فالحرب لا تخدم فقط مصالح نتنياهو، بل تدعم أيضا فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي تتوق إلى الوحدة الوطنية بأي ثمن، حتى لو كان الثمن التضحية بالأسرى والجنود في ساحة المعركة وانهيار الاقتصاد. لقد تعهد نتنياهو بمواصلة الحرب، في وقت عبّر فيه قادة غربيون، بمن فيهم الرئيس بايدن، عن أملهم في أن يكون غياب القائد يحيى السنوار من المشهد نقطة تحول محتمَلة في الصراع. ورغم ذلك فما زال نتنياهو وحكومته لم يحسما خططا لآلية حكم غزة بعد الحرب. وحسب مراقبين فإن الحكومة الإسرائيلية تعرف ما لا تريده، وهو ألا يستمر حكم حماس للقطاع، لكنها لا تعرف ما تريده بعد ذلك، وهو كيفية إدارة غزة، وهل تستمر في نشر جنودها فيه من عدمه؟ كان نتنياهو قد حدّد أهدافه من حرب غزة بإنهاء حكم “حماس” والقضاء عليها وتحرير الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم، لكنه أضاف إلى هذه الأهداف مؤخرا تنفيذ ما يُسمى بـ”خطة الجنرالات” في شمال القطاع، وإقامة مناطق عازلة داخله لمنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غير أن الميدان هو الذي سيقول كلمته الأخيرة ويحسم الجدل.
أوهام السفاح
مثّل جنوب لبنان مخرجا لنتنياهو من الأزمة المستعصية في غزة، وهو في الأسابيع الأولى من هذه المواجهة الجديدة حقّق إنجازات استخبارية وأمنية، ووجّه ضربات مؤلمة إلى حزب الله، ما دفع به إلى التسرّع لإعلان أن لبنان أصبح ميدان المعركة الرئيسي، فيما تحولت غزة إلى عملية قتالية ثانوية، وقاده التهور إلى إعلان أهداف مرتفعة السقف وصلت إلى حد التهديد بتغيير وجه الشرق الأوسط، وكانت هذه اللغة الصاخبة التي تابعتها جيهان فوزي تستند إلى اعتقاد استخباري جمع أمريكا مع إسرائيل، مفاده أن الحزب فقد توازنه وقدرته على السيطرة والتحكم، ما يعني أن الطريق أمام الجيش الإسرائيلي أصبح ممهدا لدخول جنوب لبنان ومطاردة مقاتلي الحزب حتى نهر الليطاني الذي يبعد 40 كيلومترا شمال الحدود، وفي الوقت نفسه قاد هذا الاعتقاد الإدارة الأمريكية إلى التحرك العاجل لوساطة إجبارية بين لبنان وإسرائيل، تستند بالأساس إلى شروط إسرائيلية جديدة تتلخص في أن القرار 1701 لم يعد مقبولا من إسرائيل إلا إذا أدخلت عليه تعديلات تمنح الجيش الإسرائيلي الحق في مراقبة الأراضي اللبنانية من الجو، غير أن ثلاثة أسابيع من القتال الضاري على الحدود، كانت كفيلة بإعادة النظر في أوهام النصر السريع والناجز، وكان الجهاز الأمني والعسكري الإسرائيلي أول من بدأ تبديد هذا الاعتقاد الخاطئ، بانهيار حزب الله، وبدأ الضغط على نتنياهو للتخفيف من شروطه، والتعامل بواقعية مع التهديدات الخطيرة التي يُمثّلها حزب الله، سواء في الميدان أو في استهدافه مساحة واسعة من المواقع الأمنية والعسكرية والصناعية، وكان من أخطر ما لفت انتباه الجهاز العسكري والأمني تلك الضربات الدقيقة التي وصلت إلى معسكرات الجيش ومنزل نتنياهو.
لعبته مكشوفة
بدأ السفاح نتنياهو نشر أحلامه علنيا، وممارسة لعبة اعتبرها الدكتور محمد حسن البنا في “الأخبار” قد تنطلي على العالم الصامت، السفاح لا يلعب بمفرده، بل بدعم كامل من الإدارة الأمريكية، ومهادنة من إنكلترا وفرنسا وألمانيا، نتنياهو يقول: “أعمل على إبرام اتفاقيات سلام مع دول عربية إضافية.. يد إسرائيل طويلة وستغير الشرق الأوسط”، لعبته مكشوفة ومفضوحة. الدول العربية عامة ومنطقة الشرق الأوسط خاصة، أعلنت مرارا وتكرارا أنها لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية، والعالم أجمع يطلب تطبيق قرارات الأمم المتحدة بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وايضا الانسحاب من الجولان السوري، والجنوب اللبناني وفق القرار 1701، نتنياهو يراوغ وتدعمه أمريكا، فهو واقعيا يحتل الأرض الفلسطينية ويحتل الجولان ويحتل جنوب لبنان، ويمارس حروب الإبادة الجماعية والتجويع والتطهير العرقي، كل يوم مجزرة بشعة هنا وهناك، كل يوم تشريد الآلاف من السكان، كل يوم ضرب عنيف لكل المرافق والبنية التحتية في فلسطين ولبنان، وفي الوقت نفسه يخرج السفاح ليقول إنه يعمل على مواصلة إبرام اتفاقيات سلام مع دول عربية إضافية في إطار اتفاقات أبراهام، وفي خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي قال « تعرضنا لضربة قاسية، لكننا رددنا بحرب ستغير وجه الشرق الأوسط.. قتلنا المسؤولين عن مهاجمتنا في 7 أكتوبر/تشرين الأول ودمرنا البنى التحتية لـ”حماس”. أثبتنا مرة أخرى أن ذراع إسرائيل الطويلة قادرة على الوصول إلى كل أعدائنا، إيران تسعى لتطوير قنابل نووية، ولديها صواريخ باليستية بعيدة المدى تزود بها وكلاؤها في المنطقة وتريد تدميرنا. يروج نتنياهو لأفكاره الشيطانية، لكن الواقع يؤكد أن مصر والدول العربية لن تتنازل عن أي اتفاق يخرق الثوابت، انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضى العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على كامل الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، وإعادة إعمار فلسطين.
نقطة مقابل نقطة
من يتأمل الهجوم الإيراني الشهر الماضي والرد الإسرائيلي منذ عدة أيام بعين عمرو الشوبكي في “المصري اليوم” سيكتشف أن كليهما التزم بسياسة الردع بالنقاط وليس بالضربة القاضية، فقد حملت الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل متفجرات محدودة، لتوجه رسالة تقول: “اخترقنا أجهزة راداراتكم ونجحنا في الوصول بصواريخنا إليكم، وفي المرة المقبلة قادرون على أن نؤذيكم بصورة أكبر”. وقد تعود إيران للهجوم مرة أخرى على إسرائيل، ولكنه سيكون على الأرجح أضعف من هجومها السابق، لأنها حتى اللحظة لا تريد أن تدخل في حرب شاملة مع الدولة العبرية، خاصة أن الأخيرة لم تخرج في ردها عن استراتيجية الردع بالنقاط. معارك الردع بالنقاط، مثل المناوشات المحسوبة، قد تؤدي إلى مواجهة شاملة عن قصد أو غير قصد، ولكنها باتت استراتيجية معتمدة عربيا وإقليميا وعالميا، وتمثل أحد مظاهر الصراع المسلح في العالم كله، وهي التي تحكم طبيعة الصراع بين إيران وإسرائيل حتى اللحظة. صحيح أن مواجهات “حافة الهاوية” والردع بالنقاط لا تؤدي إلى انتصار حاسم، كما هو حال المواجهة الدائرة حاليا بين إيران وإسرائيل، إلا أنها قد تتحول إلى مواجهة شاملة في ظروف محددة واستثنائية. دعم الدول لحلفائها يتم أيضا بحساب، فسنجد مثلا دعم إيران الكبير لحزب الله لم يؤدِ إلى تورطها بتدخل مباشر في الحرب، فترسل جنودا أو قوات من الحرس الثوري تقاتل مع حزب الله في لبنان، لأنها تعلم أنها لو فعلت ذلك فستخرج من استراتيجية “الردع بالنقاط” وتدخل في دائرة المواجهة الشاملة التي لا تريدها، فاكتفت بإرسال مستشارين عسكريين للحزب. تمسكت إيران باستراتيجية معتمدة في عالم ما بعد الحرب الباردة قائمة على الردع بالنقاط، واعتبرتها تحقق مصالحها وأمنها القومي، وثبت حتى اللحظة نجاحها رغم مخاطرها. مطلوب من العالم العربي الذي شهد حروبا شاملة مع إسرائيل ومع المنظومة الدولية، مثلما حدث في مصر 67، ومع صدام حسين في غزو الكويت، وهي كلها نماذج لحروب شاملة خاسرة، بالمقابل فإن أهمية نموذج “الردع بالنقاط” أن فيه كثيرا من السياسة والدهاء والمناورة وقليلا من العسكرية، وهو ربما ما يحتاجه العالم العربي في معركته السياسية والقانونية مع دولة الاحتلال.
العار يلاحقنا
أين أحرار هذا العالم من الإباده الجماعية التي ترتكب في حق المدنيين والعزل داخل قطاع غزة، أين المتشدقين بحقوق الحيوان، الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا وقع عدوان على أي حيوان في أي منطقة في العالم، مضى طارق يوسف في”الوفد”، يلاحقه شعور بالخذلان لقد أصبحنا كعرب ومسلمين لقمة سائغة في أفواه آكلي لحوم البشر في العصر الحديث، والغريب اننا ننتظر من هذه العصابة العالمية، أو ما يطلق عليها هيئة الأمم أن تخلصنا من بين أيدى تتار هذا الزمان، رغم أن الإبادة تتم بالصوت والصورة، سواء بعدسات الإعلام الصهيوني، أو بعدسات الصحافيين المحليين، الذين يلقون حتفهم واحدا بعد الآخر، دون أن تتحرك جحافل مجلس الأمن التابع لهذه العصابة الأممية.عندما كنا نقرأ التاريخ الإسلامي في عصور الضعف، كنا نعيب على الشعوب التي كانت تستسلم أمام جحافل وهمج التتار والمغول، وكنا نتنفس الصعداء ونحمد الله أننا لم نعش في تلك العصور الدامية، ولا نعلم ما ينتظرنا هذه الأيام من ضباع وكلاب في صورة بشر تجردوا من آدميتهم ومارسوا كل أصناف العذاب والتنكيل مع أبناء الأرض وأصحاب المقدسات ولا تتورع راعية الإرهاب في العالم أمريكا وربيبتها المجرمة إسرائيل في إخراس كل الألسنة والاستقواء على المدنيين العزل بدعوى أن قتل الأطفال في عقيدتهم الباطلة تقربا إلى الرب، لم يتغير شيء من الهجمات التترية الوحشية على الممالك العربية والإسلامية قديما، سوى الأسماء والوجوه، والاختلاف فقط في تكنولوجيا القتل والتخريب وسفك الدم الفلسطيني وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها وملاحقة الناجين وقتل المسعفين وهدم المستشفيات واستخدام أسلحة محرمة واستعراض القوة في البحار والمحيطات وانتهاك المجالات الجوية في منطقة الشرق الأوسط تحت سمع وبصر الأمم المتحدة ومجلس الأمن والتلويح بحرب عالمية ثالثة، إلى أين نحن ذاهبون، وما هو مصير منطقة الشرق الأوسط، جراء هذا الدمار المنظم والفوضى الخلاقة، وما هي مصير الآمال المستقبلية لشباب المنطقة العربية، في ظل الآلة الحربية التي لا تجيد سوى القتل والدمار والتهجير. هل هناك ثمة أمل أم أننا سننتظر الطوفان المقبل ونحن أمام الشاشات.
يشبه المحتل
أكثر ما يقلق المحتل والمستبد هو الإعلام، حتى لو ادعى خلاف ذلك. منذ أيام والكلام لسامح فوزي في “الشروق” احتج وزير الإعلام اللبناني لدى عدد من وسائل الإعلام الأجنبية على اصطحاب الجيش الإسرائيلي لمراسليها لتوثيق ما يحدث من اعتداء إسرائيلي على جنوب لبنان. ماذا تنتظر من إعلامي يتابع عمليات عسكرية برية وجوية ضد بلد وهو يقف على ظهر دبابة الطرف المعتدي، ويستمع إلى روايته، ويلتقط الصور ويسجل الفيديوهات المخطط لها من جانبه؟ ألم ترَ وسائل الإعلام الغربية، التي يميل بعضها إلى الانحياز الصارخ لإسرائيل في حربها على غزة ولبنان، هناك ما يقرب من مئة إعلامي وأطقم إعلامية استهدفتهم إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي تعرف من هم، وأين يقيمون مثلما حدث في حصبايا جنوب لبنان منذ أيام؟ المسألة باختصار، ودون تحليل مستفيض، أن إسرائيل، دولة احتلال، لا تريد توثيق جرائمها، ولذلك لا تكتفي بقصف الأقلام، ولكن أيضا تقبض أرواح الإعلاميين. وحسب الإحصاءات المنشورة، فإن الإعلاميين الذين قتلوا واستهدفوا في حربي غزة ولبنان أكثر من أقرانهم الذين تعرضوا لمصير مشابه في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل وفي أي صراع شهده العالم منذ النصف الثانى من القرن العشرين وحتى الآن. الانحياز ليس فقط في الشرق الأوسط، لكنه في قلب أوروبا في أوكرانيا. فمن يتابع وسائل الإعلام الغربية من ناحية، ووسائل الإعلام الروسية من ناحية أخرى، يصل إلى اقتناع بأن ما يجري منذ أكثر من عامين هو حربان وليست حربا واحدة. والسبب هو تلوين الأحداث، والحقائق، وربط الوقائع بطريقة تنتج وجهة نظر معينة، يُراد أن تصل للمتلقي. قفزت لذاكرة الكاتب “حادثة دنشواي”، التي أعدم فيها عدد من الفلاحين المصريين الأبرياء بعد محاكمة ظالمة، لأن أحد ضباط الاحتلال البريطاني كان يصطاد الحمام في قريتهم، وعندما طاردوه سقط صريع ضربة شمس. ليس هذا فحسب، بل قتلوا فلاحا سعى لنجدته. اللافت، أن اللورد كرومر، المعتمد البريطاني آنذاك، كان يسيطر على الصحف، وسعى إلى أن تكون الرواية المنشورة عن الحادثة تحمل بصمته. هناك تناسخ في فكر الاحتلال الذي يريد دائما تزييف الحقائق. هذا هو إعلام الاحتلال والاستبداد، هناك من يحتل الأوطان، ويهدم البيوت، ويقتل الناس، ويدمر المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وهناك من يهيمن على مقدرات الدول، ويوجهها لخدمة مصالح ضيقة، ويمعن في الفساد.
آلام المخاض
لولا فداحة عدادات القتل والإصابة والتدمير والتهجير، لقلنا بصدق ما انتهت عنده أمينة خيري في “المصري اليوم”: إنها خطة مقصودة ونية مبيتة لصرف الأنظار بعيدا عن إعادة رسم خريطة المنطقة. إنها الخريطة الجاري رسمها بكل هدوء. “ما يجري في لبنان هو آلام الولادة القاسية لشرق أوسط جديد”. ما أشبه حرب اليوم بحرب الأمس، والأول من أمس، وأول أول من أمس، وغدا وبعد الغد. “آلام الولادة القاسية” التي أشارت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في يوليو/تموز عام 2006، هي نفسها «آلام الولادة القاسية» التي يشهدها لبنان، وبالطبع غزة ومعها الضفة الغربية حاليا. الولادة لم ينجم عنها بالضرورة مولود جديد جميل، لكنه في حالة الشرق الأوسط، وتشابك ثالوث الدين والسياسة والأيديولوجيا، مولود بملامح معروفة مسبقا. مولود لا يمت بصلة لكتابات وتنظيرات ودراسات «الشرق الأوسط الجديد» القائم على قيم اجتماعية متطورة، وأهداف اقتصادية بازغة، وآفاق تعليم وتنوير واسعة، ومهارات تعليمية وعملية وتقنية تساعده على اللحاق بركب التقدم والإنسانية، الذي يليق بالبشر في الألفية الثالثة، لا بالقرون الوسطى أو حروب المئة أو الألف عام المدمرة. إلا إذا حدث تطور مفاجئ على الساحة، تسير المنطقة بكل ثقة نحو المرحلة الثانية من الصراع، الصراع الطائفي الإسلامي، أو ما تطلق عليه مراكز بحثية على مدار سنوات طويلة “الشرخ السني الشيعي”، الذي هو بالمناسبة وسيلة لتحقيق المصالح السياسية وبسط النفوذ الجغرافي. وإحدى أهم وأقوى أدواته هي القاعدة الشعبية. القاعدة الشعبية التي كان يتم استخدامها لتخويف السنة من الخطر الشيعي، وترويع الشيعة من الخطر السني، هي نفسها التي يجري استخدامها اليوم في “الحرب بين اليهود والمسلمين” أو بين “اليهودية والإسلام”. القضية الفلسطينية لم تعد قضية، ولم تعد فلسطينية، بل لم تعد مسألة احتلال في الرواية الشعبية. أصبحت مسلمين يتجرعون عدوانا غاشما من اليهود، لذلك، تجد من كانوا حتى الأمس القريب في القاعدة الشعبية ذاتها يعاودون نشر التدوينات والتغريدات المحذرة من المد الشيعي، أو من الهيمنة السنية، هم أنفسهم الذين يصفقون ويهللون للدور الإيراني، وهم أنفسهم الذين سينقلبون عليه في المرحلة الثانية من الحرب.
المرشد بالعبري
في اليوم التالي للضربة الإسرائيلية على إيران، فاجأ المرشد الإيراني علي خامنئي العالم بتدشينه حسابا باللغة العبرية على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”، وبعد ساعات من انطلاق الحساب الإيراني بلغة الأعداء، الذي لم ينشر عليه سوى بوست وحيد، حمل وفقا لمحمد مصطفى أبوشامة في “الوطن” ترجمة عبرية لـ”بسم الله الرحمن الرحيم”، تم حجب الحساب بقرار من إدارة المنصة التي يمتلكها رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، المساند الأقوى للمرشح الجمهورى دونالد ترامب. ما قيمة الحساب العبري للمرشد؟ وما مغزى التوقيت في أعقاب الرد الإسرائيلي؟ ولماذا علقت «إكس» الحساب العبري، بينما حسابات أخرى للمرشد وبلغات متعددة لا تزال موجودة على المنصة نفسها ومفعلة ونشيطة، بالإنكليزية والفارسية والعربية؟ وقبل أن تتكاثر علينا الأسئلة، ويتحقق المراد من إطلاق الحساب وتعليقه، فإن علينا أن ننشغل بما يستحق في ملف الصراع الإيراني الإسرائيلي، خاصة إذا علمنا أن للمرشد الإيراني سوابق حجب على مواقع التواصل الاجتماعي، ففي فبراير/شباط الماضي تم إيقاف حسابي فيسبوك وإنستغرام الخاصين به، بعد دعمه لحركة “حماس” في حربها ضد إسرائيل. وقد اخترت أن أبدأ بقصة الحساب العبري للمرشد، لأنها جزء من سياق أشمل يستحق المناقشة، ويتعلق بحجم الضرر الذي أحدثته الضربة الإسرائيلية الأخيرة لأنظمة الدفاع الجوي في طهران، ومدى تأثير ذلك على قدرات إيران المستقبلية، وهل سترد إيران على الرد الأخير لإسرائيل، أم أنها ستنتظر ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية، ويكون لكل حادث حديثه؟ ويجيبنا عن سؤال اللحظة قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، الذي توعد إسرائيل بـ”عواقب مريرة”، في تصريحات إعلامية متداولة.
البديل التركي
أشاد عبد المحسن سلامة في “الأهرام”، بقرار الحكومة فتح باب استيراد البيض التركي، ليسهم في حل لغز ارتفاع أسعار الكثير من السلع وليس منتجات البيض والدواجن فقط. ما يحدث في سوق أسعار البيض المحلي والدواجن نموذج للاستغلال، والجشع غير المبرر، وتجارة الأزمات في الكثير من المجالات، لعدة أسباب أهمها تكلفة العمالة المصرية أرخص بكثير من العمالة التركية. ومن الأسباب كذلك تكلفة التدفئة في مصر أرخص بكثير من تكلفة التدفئة في تركيا، كما أنه لا يوجد في تركيا دعم للطاقة على الإطلاق. المفاجأة أن وزن طبق البيض التركي أكبر من وزن طبق البيض المصري بما يقرب من 750 جراما للطبق الواحد. رغم كل ذلك فإن سعر طبق البيض التركي للمستهلك 150 جنيها، في حين أن سعر طبق البيض المصري قبل تخفيضه كان يصل إلى 190 جنيها، وبعد وصول البيض التركي انخفض إلى 165 جنيها. كل هذا يؤكد حالة الفوضى في الأسواق، واستغلالها من تجار الأزمات من أجل تحقيق مكاسب وهمية وخيالية دون مبرر واحد. نحن هنا نتحدث عن تكلفة عالمية، وأسعار عالمية بالدولار وليس بالجنيه المصري، وعن فوارق هائلة لمصلحة المنتج المصري في تكلفة العمالة، وتكلفة الطاقة، والنقل الخارجي بالطائرات، بالاضافة إلى فرق الأوزان، والاشتراطات الصحية، ووجود تواريخ الصلاحية والإنتاج طبقا للمعايير الأوروبية. ما يحدث في سوق البيض والدواجن يحدث في سوق اللحوم أيضا، حيث انخفضت أسعار الأعلاف من 24 ألف جنيه إلى 12 ألف جنيه، والأذرة من 20 ألف جنيه إلى 11 ألف جنيه، والصويا من 38 ألف جنيه إلى 28 ألف جنيه، أي أن الانخفاض تقترب نسبته من 50%، ومع ذلك لم تنخفض أسعار اللحوم الحمراء حتى الآن باستثناء مبادرات “حياة كريمة” وبعض المبادرات الأخرى. أتمنى أن تكون هناك وقفة جادة للحكومة مع مختلف السلع المعروضة بالأسواق وأن تتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، كما فعلت في البيض التركي.
سر بائعة الجرجير
الدكتور محمد عبدالوهاب، الخبير العالمي في مجال زراعة وجراحة الكبد، والدكتور أحمد شقير، الطبيب العالمي في مجال الكلى.. يحرص محمد أمين في “المصري اليوم” كما أخبرنا أن يذهب إليهما بكل حب ويستمع إليهما كطالب علم.. هما في قمة التواضع والكرم.. وقد التقيت منذ يومين بالدكتور عبدالوهاب في إطار الاستعدادات للمؤتمر الدولي للكبد، المقرر عقده في القاهرة نهاية الأسبوع المقبل.. وكان سعيدا بانعقاد المؤتمر وتعاون أجهزة الدولة من ناحية ورجال الأعمال من ناحية أخرى.. وأشاد بالدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الذي بذل جهدا علميا كبيرا كي ينجح المؤتمر في مصر. كان البروفيسور عبدالوهاب، يحكي عن دور رجال الأعمال ودعم المؤتمرات العلمية.. حكى شيئا عن أوناسيس الرجل اليوناني الغني الذي احتضن جمعية الكبد الدولية وتعهد بدعمها ودعم مؤتمراتها في العالم بكل ما تحتاجه من تذاكر سفر وحجز فنادق وإقامات وجميع التكاليف.. وحكى قصة طريفة أيضا عن بائعة الجرجير، فقال: جاءتنى سيدة فقيرة تحمل ابنها الصغير تريد أن تُجري له زراعة كبد، فسألها: وأين المتبرع؟ قالت السيدة: أنا.. فقال: العملية باهظة الثمن.. قالت له: لا أملك إلا تذكرة التوكتوك يقول الدكتور عبدالوهاب: وهنا أُسقط في يدى، فقلت خلاص على بركة الله، سأتحمل عنك التكاليف.. يقول الدكتور: أبلغتهم بأن يجهزوا الحالة وأنا سأدفع عنها التكلفة.. ومضت السيدة وكأنها دعت ربها بأن يعوضنى الله، فوجدت رجل أعمال جاء يدفع تبرعا يعادل ثمن العملية وأزيد منها لا أخفى عليكم أن البروفيسور عبدالوهاب لم يفتح عيادة ولم يتلق أجرا عن عمله، وهذه واقعة أذكرها لأنى رأيتها بعيني.. كنا جلوسا في مقهى فعرفه مريض كبد، فطلب منه مساعدته، فقرأ أوراقه وقام إليه في ترابيزة مجاورة، وكشف عليه دون أن يقول له ليس هذا وقته، أو تعالَ في العيادة ليدفع الكشف.. لا لم يفعل هذا، وإنما قام بكل رضا وراح يطمئن عليه، ويكشف ويسأل ويستمع ويكتب الروشتة، باختصار، هناك أشياء يؤمن بها لا يمكن أن تُشترى بالمال، منها الصحة والسعادة.. ولو كان المال هو أملك الوحيد في تحقيق الاستقلال فإنك لن تحصل عليه. إذ أن الأمان الحقيقي الذي يمكن للإنسان أن يحصل عليه في هذا العالم هو خزين المعرفة والخبرة والقدرة.
أمل بعيد
على الأقل محنة، وليست مجرد مشكلة بسيطة كما يخبرنا الدكتور أسامة الغزالي حرب في “الأهرام”: إننى لا أتحدث اليوم عن حرب الإبادة الإسرائيلية العنصرية في غزة ولا عن الغزو الروسي لأوكرانيا ولا عن غيرهما من المشكلات الدولية الكبيرة.. ولكنني أتحدث عن مشكلة محلية، عن حقيقة ألمسها اليوم حولي في مجتمعنا المصري، وهي ارتفاع نسبة غير المتزوجين، أو ما تسميه الإحصاءات الرسمية “العنوسة”- بين الذكور والإناث على السواء، وعلى نحو يثير القلق، أو على الأقل تأخر سن الزواج كثيرا. وحتى أكون أكثر دقة، فإن انطباعي هو أن تلك الظاهرة، ربما تتركز أكثر في الطبقة الوسطى الحضرية، أي في المدن أساسا. ففي الفئات الفقيرة، سواء في الريف أو المدن، تسود غالبا مظاهر معاكسة، مثل زواج صغار السن من البنين والبنات. أيضا وفي المقابل، نشهد أيضا في الفئات أو الطبقات العليا المتيسرة، زواجا مبكرا لبناتهم وأبنائهم، وكثيرا ما يكون في احتفالات وأفراح صاخبة باذخة.. ولكن لأن الطبقة الوسطى (الريفية والحضرية) في بلادنا هي مكمن القوة والفاعلية والحيوية السياسية والاجتماعية.. فإنني أكرر شعوري بالقلق وألح في ذلك التساؤل، وأطرحه هنا اليوم على باحثي وخبراء علم الاجتماع في مصر وأسالهم.. لماذا لا تعطون تلك الظاهرة ما تستحقه من اهتمام؟ انظروا حولكم فسوف تجدون بسهولة أمثلة عديدة لما أقوله هنا. فتيات رائعات متعلمات وناجحات في أعمالهن، اقتربن من الأربعين أو تجاوزنها.. يقلن إنهن لم يجدن الرجل المناسب، وشبان ناجحون في أعمالهم، مترددون أو خائفون من تحمل أعباء الزواج مسؤولياته.. أكرر، تلك ظاهرة أو مشكلة مقلقة، تستدعي الالتفات إليها. ويقيني أن البحث الجاد، وتحليلها العلمي الرصين يمكن أن يكون مدخلا، لوضع حلول جادة وعملية، تقليدية أو حديثة لها.
“القدس العربي”: