رئيس الأركان “يحذر” من الشتاء اللبناني ونتنياهو يتحسس جيبه الآخر: هليفي وبار و”المشاكسة”

رئيس الأركان “يحذر” من الشتاء اللبناني ونتنياهو يتحسس جيبه الآخر: هليفي وبار و”المشاكسة”
في التصريح القصير الذي أعطاه لوسائل الإعلام بعد أن أقاله نتنياهو، أحصى وزير الدفاع السابق غالانت ثلاث قضايا وقفت في مركز التوتر بينه وبين رئيس الحكومة: المطالبة بالمضي بصفقة التبادل، ومعارضة سن قانون إعفاء الحريديم من الخدمة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في مذبحة 7 أكتوبر. نشر مكتب رئيس الحكومة قائمة طويلة للأخطاء، التي نسبها لغالانت، بعضها متخيل. باختصار، ينسبون للوزير المقال عدم احترامه لرئيس الحكومة، وعدم المبادرة في الحرب (يبدو أن نتنياهو هو المسؤول عن كل العمليات الهجومية الناجحة)، ومحاولة سرقة الفضل عن الإنجازات.
كانت العلاقة بينهما سيئة جداً. بصعوبة تحدثا مع بعضهما وقت الحرب، باستثناء القضايا العملياتية الملحة. الاستطلاعات التي أجريت في الأشهر الأخيرة بعد الإنجازات في لبنان وغزة، أظهرت أن معظم الجمهور لا يؤيد سياسة الحكومة، ولا يثق بقيادة نتنياهو – ويعتبر غالانت الوزير الوحيد في الحكومة الذي يعمل وفق المطلوب. صمم الجمهور على نسب النجاح لغالانت، في حين حاول نتنياهو إلقاء ملف الفشل عليه.
البديل إسرائيل كاتس، الذي ليست له تجربة، هو مرتبط تماماً بنتنياهو (لذلك عين في هذا المنصب) وهو سيجد صعوبة في الدخول إلى وزارة الدفاع وتعلم أسرار المهنة المعقدة أثناء الحرب. القليل من كل ذلك يهم رئيس الحكومة. أولاً، واضح للعيان أن اعتبارات بقائه الشخصي تسبق أي قضية أخرى. ثانياً، موقف الجمهور لا يهمه؛ لأنه يعتقد أن ليس للمعارضة أو الاحتجاج الآن أي قناة ناجعة لعزله. يبدو أن الائتلاف مستقر، وسيستند إلى أعضاء الكنيست الأربعة في قائمة: جدعون ساعر من أجل البقاء حتى موعد الانتخابات بعد سنتين.
بعد غالانت، هدد محيط نتنياهو في هذا الأسبوع بإقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس “الشاباك” رونين بار. وثمة تهديد تم توجيهه تلميحاً أيضاً للمستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف ميارا، التي أطلق عليها بأنها “مشاكسة”. نتنياهو، يقول شخص مطلع على الصورة بشكل جيد: “تجول منذ ليلة غالانت الأولى في آذار 2023 وهو يحمل بطاقة في جيبه كتب فيها مذكراً نفسه بأن عليه إقالة غالانت (الوصف مجازي). استكملت العملية الآن عندما سنحت الفرصة، حسب رأيه. ولكن في جيبه الثاني بطاقة أخرى مكتوب فيها اسم كل من هليفي وبار وبهراف ميارا. في اللحظة التي ستسنح له هم أيضاً ستتم إقالتهم”.
أسباب الإقالة المخطط لها مختلفة: يجب إلقاء المسؤولية على رئيس الأركان ورئيس “الشاباك” بسبب إخفاقات المذبحة، إضافة لغالانت، لا سيما عندما ستظهر مسألة التحقيق في الحرب. رئيس “الشاباك” والمستشارة القانونية للحكومة هما اللذان يقودان التحقيق الأمني الجديد مع مكتب رئيس الحكومة، وربما يشوشان على خطوات غير ديمقراطية. رئيس الأركان والمستشارة سيصعبان سن قانون التهرب. وأي عملية إقالة كهذه هي معقدة بحد ذاتها. وفي حالة المستشارة، ربما تصطدم بتدخل المحكمة العليا. ولكن ما تم إثباته في ليلة غالانت 2 هو أن كل شيء سيتم تمريره تقريباً. الحماسة والقوة التي ميزته في السنة الماضية غابت عن الاحتجاج. إقالة غالانت كانت تجربة انتهت بنجاح: الأهداف القادمة تم تحديدها، والمزيد من عمليات الإقالة ستأتي لاحقاً.
القصة الحقيقية
قبل لحظة من إقالة غالانت، أثار نشر في “هآرتس” اهتماماً معيناً في إسرائيل والخارج. الجيش الإسرائيلي، رغم إنكاره، يطبق بالفعل جزءاً من “خطة الجنرالات” في قطاع غزة. العملية التي هي على مستوى فرقة والواسعة في مخيم جباليا، في الحقيقة لم تنجح في دفع عشرات آلاف الفلسطينيين من جنوب ممر نتساريم، لكن معظمهم تم إبعادهم من جنوب الممر نحو جباليا. بكلمات أخرى، الربع الشمالي الأقصى في القطاع تم إخلاؤه من سكانه بالقوة (الجنرالات في الاحتياط خططوا لإخلاء كل النصف الشمالي).
كالعادة، الخدمات اللوجستية تروي القصة الحقيقية. الجيش يدمر البيوت والبنى التحتية بحجم كبير، ويشق الطرق لصالح نشاطات مستقبلية. أحزاب اليمين المتطرف أصبحت تخطط للمرحلة القادمة – إقامة المستوطنات في المناطق التي يتم طرد الفلسطينيين منها. من غير الواضح حتى الآن إلى أي درجة سيهم ذلك ترامب. إدارة بايدن الانتقالية قد تكون أكثر حساسية لعمليات كهذه، وربما يحصل المستوطنون على إشارة للانتظار إلى ما بعد 20 كانون الثاني، موعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
أول أمس، في ذكرى اليوم الأربعين على موت حسن نصر الله، أطلق حزب الله صليات ثقيلة نحو إسرائيل وأطلق مرتين تجاه مركز البلاد. جنود من الجيش الإسرائيلي وفتى، قتلوا بالإطلاق على الجليل. وريث نصر الله في منصب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، قال إن الحزب مستعد لشن حرب استنزاف ضد إسرائيل. الفجوة في القوة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله واضحة، وقد ثبت ذلك في معارك جنوبي لبنان. ولكن الحزب يواصل القتال الآن ما لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي.
استمرار الإطلاق على الجبهة الداخلية في إسرائيل يمنع الحكومة من إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، رغم إبعاد حزب الله عن خط القرى الأول وراء الحدود. التخبط الآن الذي أشار إليه رئيس الأركان أمس، هو: هل نذهب إلى عملية هجوم جديدة في خط القرى الثاني أم نثبت خط الدفاع داخل المنطقة في فصل الشتاء؟ فعلياً، الجيش كان يفضل تسوية وانسحاباً، والاكتفاء بما تم إنجازه حتى الآن. من غير الواضح حتى الآن إذا كان بايدن سيبذل جهداً أخيراً من أجل التوصل إلى اتفاق حتى كانون الثاني القادم، أم سيبقي هذه المشكلة لترامب.
بقي في الخلفية حساب مفتوح بين إيران وإسرائيل. النظام الإيراني يهدد يومياً برد على إسرائيل. وهو حسب التقديرات، سيخرج إلى حيز التنفيذ في نهاية المطاف، رغم التخبط الداخلي في طهران عقب فوز ترامب. وقد تم التحدث عن هجوم بالمسيرات من العراق بواسطة المليشيات الشيعية هناك، لكن الحكومة في بغداد غير متحمسة.
في لبنان وغزة، بعد الإنجازات، لم يتضح بعد أن توجهنا هو نحو حرب طويلة ودموية، واستمرار الإطلاق على الجبهة الداخلية، والمزيد من قتلى الجيش الإسرائيلي، والعبء المتزايد على الجنود النظاميين والاحتياط، والغضب من إهمال المخطوفين. يجب أن يكون الإنجاز الأخير والنهائي للحرب هو عودة المخطوفين حتى لو ارتبط ذلك باتفاق يلزم إسرائيل بتقديم التنازلات. وحتى بعد الضربة العسكرية لحماس (التي لم تهزم)، يبدو أنه لا سبيل آخر. البديل هو بصياغة فظة لعيناف تسنغاوكر، والدة المخطوف متان، أنهم جميعاً سيعودون جثثاً في أكياس سوداء.
يجب التذكير هنا بالمفهوم ضمناً، وهو أنه بعد 13 شهراً من القتال وبعد أن عمل الجيش في كل القطاع تقريباً، فإن 101 مخطوف ما زالوا محتجزين على بعد بضعة كيلومترات عن قوات الجيش الإسرائيلي، ولكن بدون قدرة لإسرائيل على الوصول إليهم وتحريرهم. لقد حان الوقت للتوقف عن بيع الأوهام لأنفسنا بأن الضغط العسكري وحده سيعيد المخطوفين، أو القدرة على تدمير حماس بشكل نهائي. وحقيقة أن حماس تضع طلبات في المفاوضات تدل على أن النصر العسكري في القطاع غير مطلق. في نهاية المطاف، المخرج الوحيد في لبنان وغزة سياسي، ويستند إلى إنجازات عسكرية ملموسة، وعلى إسرائيل أن تحصل على ضمانات من الأمريكيين تضمن لها العودة إلى تنفيذ عملية عسكرية في لبنان وغزة وقت الحاجة. ولكن لن يكون هنا أي حل لهزيمة العدو وتحقيق كل طلباتنا، بدون اتفاق دبلوماسي في نهايته.
للأسف الشديد، لن يوافق نتنياهو أو الائتلاف على هذا الاستنتاج. خلال السنتين الأخيرتين، خفنا في البداية من سيناريو الدكتاتورية الزاحفة، مع تقليص لإمكانية احتجاج الجمهور والعمل ضد الحكومة. منذ تشرين الأول السنة الماضية، اكتشفنا أننا غارقون في سيناريو الحرب الأبدية. أحداث الأسبوع الماضي، فوز ترامب وإقالة غالانت، تدل على أنه يمكن الحصول على اثنين ببطاقة واحدة، حرب بدون نهاية، وديمقراطية تتلاشى.
عاموس هرئيل
هآرتس 8/11/2024