الصحافه

هل ستؤثر سياسات ترامب سلباً على تطلعات إسرائيل الاقتصادية بشأن صناعة السلاح؟

هل ستؤثر سياسات ترامب سلباً على تطلعات إسرائيل الاقتصادية بشأن صناعة السلاح؟

حجاي عميت

وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إضافة إلى وقف إطلاق النار الذي تحقق في المنطقة الشمالية، ربما يؤدي في الأسابيع القريبة القادمة إلى تقليص تجنيد الاحتياط بعشرات آلاف الجنود، وإخلاء محور فيلادلفيا ومعبر رفح وممر نتساريم. إضافة إلى ذلك، سيصادف الأحد القادم اليوم الستين ليوم وقف إطلاق النار في الشمال، موعد انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من لبنان.

معنى الانسحاب من غزة ولبنان هو أن حوالي خمس فرق للجيش الإسرائيلي، الموجودة خارج حدود الدولة في الجنوب والشمال، ستعود إلى إسرائيل. إعادتها ستجعل الاحتفاظ بعشرات آلاف رجال الاحتياط أمراً لا حاجة إليه. جندي الاحتياط يكلف الدولة 30 ألف شيكل بالمتوسط في الشهر. والتوفير من تسريح جنود الاحتياط قد يبلغ مليار شيكل في الشهر. ويضاف إلى ذلك التوفير في تكلفة الذخيرة والصواريخ الاعتراضية التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي للدفاع عن الدولة.

على فرض أننا لن نستأنف القتال، فإن تسريح جنود الاحتياط هو الخطوة الأولى في الواقع الجديد الذي تسير إليه إسرائيل، وفي كل ما يتعلق بتكاليف أمنها. ولكن انخفاض تكاليف الحرب الجارية لن يرافقه استبدال القرص في قيادة جهاز الأمن. رغم تعرض حماس وحزب الله للضرب، وخروج الجيش السوري من الصورة، وتكبد إيران ضربات قاسية، فإن سباق تسلح إسرائيل يبدو في بدايته.

في بداية كانون الثاني، أعلنت وزارة الدفاع وشركة “البت” للمنظومات، بأنها وقعت على صفقات بمبلغ مليار شيكل لإنتاج آلاف القنابل الجوية الثقيلة وإقامة “مصنع وطني للمواد الخام”. قبل أربعة أشهر من ذلك، تم التوقيع على اتفاق بحسبه تشتري وزارة الدفاع من “البت” ذخيرة بمبلغ 1.5 مليار شيكل. تنفذ إسرائيل عدداً غير قليل من العمليات الأخرى مع شركات مختلفة رغبة في الوصول إلى استقلالية في التسلح.

 الاعتماد على الصناعات الأمريكية

هذا التسلح يحدث رغم أن أوساطاً كثيرة في جهاز الأمن، تعتبر الرؤية القائلة بأن على إسرائيل ويمكنها الوصول إلى الاستقلالية في إنتاج السلاح “أسطورة حضرية”. أحد المبررات هو هيكلية ميزانية الدفاع، التي تعتمد على المساعدات الأمريكية، والتي يجب أن يكون معظمها موجهاً لشراء المنتجات الأمريكية. هذه القاعدة تؤدي بالجيش الإسرائيلي أن يكون ملزماً بتفضيل الصناعات الأمريكية على الصناعات الإسرائيلية في لحظة الحقيقة.

وثمة مبرر آخر، وهو أنه إذا ما أخذ في الحسبان أنواع الذخيرة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، فليس لدى إسرائيل موارد كافية للوصول إلى وضع يتم فيه إنتاج كل شيء في إسرائيل.

ويدرك جهاز الأمن بأن الجدال حول التسلح في السنتين الأخيرتين لن يكون وضعاً دائماً للجيش الإسرائيلي. المعضلة أمام وزارة الدفاع، قال ضابط رفيع في الجهاز، هي “ما الذي سيحدث بعد تلبية الطلب الإسرائيلي والدولي للسلاح في السنتين أو الخمس سنوات القادمة؟”.

التسلح الهستيري أمر لا قيمة له

لا يقتصر هذا التخبط على الإسرائيليين. فحسب مصادر على اتصال مع وزارة الدفاع الأمريكية، ثمة نقاش ساخن في الخارج أيضاً الآن حول حجم مخزون الذخيرة الذي تحتاجه أمريكا – وقدرة الإنتاج المطلوبة لصناعة السلاح الأمريكية.

أظهرت الصناعات الأمريكية قفزة حادة في إنتاج ذخيرة للدبابات والطائرات في السنتين الأخيرتين. تم توسيع الخطوط، وازداد الإنتاج، ومعه كمية الإنتاج للاحتياط. جهات رفيعة في وزارة الدفاع تطرح سؤالاً الآن: أي ذخيرة يجب الاستمرار في إنتاجها وما هو عددها؟

الوثيقة التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية في 10 كانون الثاني، تدل على أن الولايات المتحدة استثمرت منذ بداية العام 2022 نحو 5.5 مليار دولار لتوسيع إنتاج عدد كبير من أنواع الذخيرة لتزويد أوكرانيا باحتياجات حربها. وأدى هذا الاستثمار مثلاً إلى أن عدد قذائف المدفعية بقطر 155 ملم، التي تنتج في الولايات المتحدة شهرياً، قفز من 14.500 إلى 40.000. وارتفع إنتاج العبوات الناسفة لهذه القذائف في الولايات المتحدة من 14.500 إلى 18.000 عبوة في الشهر. في موازاة ذلك، باتت مواقع الإنتاج في ألمانيا وإسبانيا وهنغاريا وجنوب إفريقيا وأستراليا، في ذروة عملية زيادة إنتاج القذائف، 700 ألف قذيفة في السنة تقريباً. وإنتاج أكثر من 10 آلاف طن من مسحوق الاشتعال في السنة. وبدأت القفزة أيضاً بوتيرة إنتاج عدد كبير من أنواع مختلفة للذخيرة، ومن صواريخ ام.ال.آر.اس (منصات إطلاق متعددة الفوهات) وحتى صواريخ الباتريوت.

السبب الرئيسي لهذه القفزة هو الحرب بين أوكرانيا وروسيا، التي أحدثت نقصاً في الذخيرة. وأدخلت جيوش العالم إلى خوف عميق من عدم الاكتفاء بالطائرات والمسيرات، وأننا سنعود إلى الوراء، إلى عهد الحروب البرية الطويلة، التي تحتاج احتياطي ذخيرة لا ينفد. ولكن عندما أصبحت عملية التسلح في ذروتها، يتوقع اليوم دخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، مصمم على إنهاء الحروب في الشرق الأوسط، بل ويعلن تصميمه على وقف الحرب في أوكرانيا فوراً. معنى ذلك أن الإدارة الأمريكية الجديدة قد تتوقف عن تمويل ضخ الذخيرة للجيش الأوكراني. في هذا السيناريو، مع دعم أوروبي فقط، ستجد أوكرانيا صعوبة في الاستمرار في القتال، وسيتلاشى طلب الذخيرة الممول في السنتين الأخيرتين بالدولارات.

الذخيرة لن تخدم إلى الأبد. حسب الدكتور يهوشع كليسكي، الباحث في معهد آي.ان.اس.اس، فإن “التسلح المتسارع أمر مهم لاستكمال الاحتياطي الذي نفد في المعركة الطويلة. وثمة حاجة إلى الاستقلالية في الأمور الرئيسية، أي ذخيرة للدبابات والمدافع، وذخيرة مختلفة لسلاح الجو والسيطرة على إنتاج المواد المتفجرة وزيادة احتياطي صواريخ الاعتراض المختلفة.

لكن التسلح الهستيري أمر لا قيمة له، لأن للذخيرة تاريخ انتهاء. وعلى فرض وضع ساده الهدوء النسبي، فتكلفة إنتاج الذخيرة أكبر من الفائدة المقرونة بتحويل الموارد. والأمر المهم هو ابتكار تكنولوجي وفكري.

أسعار السلاح قد تنخفض

حتى لو أصر ترامب على إنهاء الحرب، وحتى لو نجح في ذلك، فلن يحدث هذا بين عشية وضحاها. وعملية تسلح الجيوش في العالم لن تتوقف على الفور. التحليلات التي أجريت في صناعات إسرائيل الأمنية تفترض استكمال احتياطي الذخيرة وستستمر خطط زيادتها لسبع سنوات أخرى. لا تأخذ هذه الخطط في الحسبان إمكانية معقولة باندلاع حروب جديدة في مناطق أخرى في العالم. في موازاة ذلك، ثمة طلب على منظومات تسلح وأسلحة خاصة ذات أفضلية تنافسية دائمة. والدرس فيما يتعلق بحاجة كل دولة إلى امتلاك قدرة إنتاج مستقلة استعداداً لوضع يصعب فيه الحصول على السلاح، لن ينسى بسرعة كما يبدو.

مع ذلك، عندما يدور الحديث عن سلاح أساسي، فالقفزة التي تحدث في هذه الأثناء على القدرة الإنتاجية في العالم، ربما تؤدي إلى انخفاض أسعار القذائف مثلاً، التي قفزت في السنتين الأخيرتين. ووفقاً لهذا السيناريو، فإن من استثمر مليارات الدولارات في تطوير خطوط الإنتاج سيكتشف أن هذا يمثل فيلاً أبيض من ناحية اقتصادية، وربما منح الأمن، ولكن ليس لإنتاجه طلب في العالم.

قد تجد إسرائيل نفسها في وضع يشبه وضع المزارعين الذين يلاحظون وجود موضة عالمية، مثل الطلب على الفلفل أو الأفوكادو، ويسارعون لزراعة آلاف الدونمات على فرض أن الطلب سيستمر. وبعد بضع سنوات، عندما يبدأ الحقل في إعطاء الثمار، يكتشفون أن العالم زرعوا نفس المزروعات، وأن السوق أغرقت بالبضاعة.

هآرتس/ ذي ماركر 20/1/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب