الصحافه

أي التهديدين “سينتصر”.. “سيفعلون” الترامبية أم الموقف العربي بشأن التطبيع والاستثمارات؟

أي التهديدين “سينتصر”.. “سيفعلون” الترامبية أم الموقف العربي بشأن التطبيع والاستثمارات؟

تسفي برئيل

المرحلة الثانية، المعقدة والقابلة للانفجار في المفاوضات حول تحرير المخطوفين، قد تبدأ في الغد. عملياً، بدأت في الأسبوع الماضي عندما ألقى ترامب برميل مواد متفجرة إلى الساحة، على شكل طلبه من مصر والأردن استيعاب حوالي مليون ونصف من الغزيين. كرر ترامب هذا الطلب مرتين، وأكد في الثانية على ثقته الرد بالإيجاب، لأن مصر والأردن يعتمدان على المساعدات الأمريكية. “ستفعلان ذلك، ستفعلان، أليس كذلك؟”، قال. “نحن نفعل الكثير من أجلهما، وستفعلان ذلك”.

يبدو أن ترامب على قناعة بأن السوط الاقتصادي الذي يستخدمه ضد كولومبيا والمكسيك، من الجيد استخدامه في الشرق الأوسط أيضاً. ولكن أمس، في مؤتمر قمة وزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة، وقف أمامه “سور الدفاع” العربي. فقد أوضحوا له (ولجوقة المشجعين في إسرائيل) بأنه ليس مصر والأردن وحدهما، فالسعودية وقطر والإمارات، أيضاً، تشكل المحور المؤيد لأمريكا/ المناهض لإيران، وهو الأساس الذي تعتمد عليه أمريكا وإسرائيل لتأسيس “حلف ناتو الشرق الأوسط، وكلها رفضت هذه الفكرة بشكل حازم.

يبدو أن ترامب على قناعة بأن السوط الاقتصادي الذي يستخدمه ضد كولومبيا والمكسيك، من الجيد استخدامه في الشرق الأوسط أيضاً

آلاف المصريين الذين تظاهروا قرب معبر رفح وهتفوا بشعارات ضد “تهجير” سكان غزة، لم يستيقظوا صباحاً ويقرروا التعبير عن موقفهم بشكل عفوي. المظاهرات الكبيرة محظورة قانونياً في مصر، لا سيما في منطقة تعد من المناطق المحمية جداً في مصر، ومنطقة الوصول إليها بحاجة إلى عدة تصاريح من المخابرات المصرية. ولكن رغم أن الأمر يتعلق بمظاهرة بادرت إليها الشرطة، فإنها تعبر عن شعور أصيل للجمهور المصري الواسع، وهو الجمهور الذي يتماهى مع معاناة الفلسطينيين ويؤيد الحل السياسي، لكن ليس على حساب مصر أو حساب مواطنيها.

ترى مصر أن نقل مليون ونصف فلسطيني إلى أماكن سكن ثابتة فيها يعدّ تهديداً أمنياً خطيراً؛ لا لأن المظاهرات المؤيدة للحكومة قد تتطور وتصبح جماهيرية لا يمكن السيطرة عليها، بل إن إقامة مستوطنة منفى فلسطينية في شبه جزيرة سيناء سيشكل أرضاً خصبة لازدهار بؤر إرهابية جديدة. أما التهديد على الأردن فهو أخطر، وحسب إدراك الملك عبد الله، هو تهديد وجودي حقيقي. فثلثا مواطني الأردن من أصل فلسطيني. وإضافة مئات آلاف الفلسطينيين يعني أن الأردن سيصبح الدولة الفلسطينية البديلة.

هذه تهديدات يجري فحصها الآن إزاء تهديد ترامب الذي يلمح إليه بشأن التزام الأردن ومصر كمقابل للمساعدات الأمريكية. مصر والأردن تعتمدان على هذه المساعدات بشكل كبير، وللتهديد وزن في قرارات الدولتين. ولكن المس المتوقع بمصالحهما الوطنية والوجودية سيكون أثقل. من هنا، فإن أهمية مشهد التضامن أمس في القاهرة، الذي وقفت فيه الدول العربية الغنية إلى جانب الأردن ومصر، كأنها أرادت القول إنه إذا كان ترامب يلوح بسوط المساعدات الاقتصادية، فهناك من سيحل محله.

ليس من النافل التذكير بأن الدول الثلاث الرائدة، السعودية والإمارات وقطر، تستثمر عشرات مليارات الدولارات في الشركات والعقارات في الولايات المتحدة. وحتى إن السعودية أعلنت عن نية استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في فترة ولاية ترامب، وهكذا فإن تهديد أمريكا المس بالتمويل سيبدو كسيف ذي حدين. ولكن الأموال ليست كل شيء. فعندما يحول ترامب إخلاء غزة إلى منافسة للي الأذرع مع الأردن ومصر، فإن السعودية ستستخدم أيضاً ورقة التطبيع مع إسرائيل من أجل “إقناع” ترامب بالنزول عن الشجرة. نحن لا نحتاج إلى تخيل سيناريو أخطر مثل تجميد اتفاق السلام بين مصر الأردن والإمارات، وبين إسرائيل. ولكن إذا ظهر أن إسرائيل ستكون المسؤولة عن نكبة فلسطينية جديدة، فإن التطلع إلى إنشاء واقع جديد في الشرق الأوسط ربما ينتقل إلى أرض الأحلام.

حتى لو افترضنا للحظة أن مصر والأردن ستوافقان على استيعاب لاجئين من غزة، وأن الدول العربية الغنية ستمول عملية الطرد والتوطين من جديد، وتمويل تواجد الفلسطينيين هناك لفترة طويلة، فكيف ستتصرف إسرائيل إذا رفض سكان غزة ركوب الحافلات و”الهجرة بشكل طوعي”؟ هل سيشبه الطرد عندها طرد الأرمن من تركيا أو اجتثاث لملايين سكان القوقاز في فترة ستالين بالقوة؟ أو طرد الألمان من بولندا في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؟ ربما تؤدي الإجابة بإسرائيل إلى مكان مخيف، ونأمل أن ينجح الكابح العربي في شطب هذه الفكرة عن جدول الأعمال.

المشكلة الفعلية أن الانشغال بفكرة الترانسفير وكأن الأمر يتعلق بخطة قابلة للتنفيذ وموجودة على الباب، تُبعد وتقمع ضرورة مناقشة قضية إدارة قطاع غزة وتهدد تنفيذ المرحلة الثانية في اتفاق إعادة المخطوفين. في هذه الأثناء، استكمال الاتفاق وإعادة جميع المخطوفين يلزم إسرائيل ليس فقط بوقف الحرب، بل أيضاً تجنب استئنافها والانسحاب من قطاع غزة والبدء في مناقشة إعادة الإعمار هناك. ولكن عندما توضع فكرة الترانسفير على الطاولة فجأة، فالمطالبة بإلغائها قد تصبح شرطاً أساسياً آخر تطرحه حماس، ما سيجعل كل المخطوفين رهائن من أجل سلامة جميع سكان غزة ومستقبل القطاع.

لكن حماس قد تستند هذه المرة إلى الشرعية التي ستعطي طلبها الموقف العربي الشامل، الذي بمجرد محاربته للترانسفير، يرفع غزة من مكانة مشكلة إنسانية محلية إلى تهديد أمني وجودي للعرب. الاتفاق القائم عندها قد لا يكفي لتحرير المخطوفين كلهم. وعلى إسرائيل حينها إجراء مفاوضات، ليس فقط على هوية السجناء الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم في المرحلة الثانية في الاتفاق، وعلى عمق الانسحاب من القطاع، بل على طريقة إدارة القطاع، لوضع كابح أمام تطبيق فكرة الترانسفير.

على هذه الخلفية، ستجد إسرائيل صعوبة أيضاً في تبرير استئناف الحرب لإنهاء تدمير حماس، بدون الاعتراف بأنها تتنازل عن حياة المخطوفين الباقين، خاصة بعد أن ثبت بأن الاتفاقات والضمانات والضغوط السياسية، هي التي أدت إلى تحرير المخطوفين حتى الآن، وليس الضغط العسكري.

لكن المعنى هو أنه حتى لو تحقق هدف استئناف الحرب، وتمت تصفيته آخر رجل في حماس مع آخر مخطوف، فلا يبدو هناك حل لإدارة القطاع وإدارة حياة الـ 2.25 مليون فلسطيني الذين يعيشون فيه.

 هآرتس 2/2/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب