![](https://sawtoroba.com/wp-content/uploads/2024/05/robaiei-ali.jpg)
العلاقة بين الدين والسلطة ( الحلقة 4 – 5)
عرض وتلخيص : علي رهيف الربيعي
ثانيا، تفقد القيم والشرائع الدينية نسبيتها وتصبح مطلقة أزلية حتى نعتبر ان مصدرها الله وليس المجتمع الإنساني . ويقود المطلق الأزلي بالضرورة إلى الانغلاق والحرفية وعدم التسامح وتسويغ العقاب الشديد خصوصا في الأزمات السياسية والإجتماعية.
ثالثا، يتحول الدين بتطور الزمن إلى مؤسسة ذات مصالح وامتيازات خاصة فترتبط بالنظام السائد، وتنشأ نتيجة لهذا الارتباط طبقة متميزة من العلماء حتى حين لا يقر الدين نظريا قيام مثل هذه الطبقة. ويفترض ان الحاكم يجب أن يخضع للشريعة كما يفسرها العلماء . ما حصل فعلا ان العلماء شكلوا طبقة وخضعوا للحاكم في غالبية الحالات وفسروا النصوص الدينية من منظور الطبقات الحاكمة . لقد اسهم العلماء منذ الماوردي وابن تيمية ( بل وقبل ذلك) في ترسيخ فكرة طاعة الحاكم بحجة الخوف من الفتنة، فقيل إن الخليفة أو السلطان ” هو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده “، و ” إمام عادل خير من مطر وابل وإمام غشوم خير من فتنة تدوم”، وطاعة الأئمة من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله “، و ” إذا كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر وإذا كان الإمام جائرا فله الوزر وعليك الصبر ” ، إلخ (1).
لقد استخدم الحكام العلماء لأهداف سياسية، وتعاون هؤلاء باندفاع ومن دون تردد انطلاقا من مصالحهم وامتيازاتهم الخاصة. حديثا، تمكن السادات من أن يحصل بسهولة على فتوى من الأزهر تدعم سياسة كامب ديفيد. وفي إطار محاربة العروبة من قبل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، نشر الشيخ عبد العزيز بن باز كتابا بعنوان نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع (2) تحدث فيه ” تنظيم العلاقات التي بين الراعي والرعية” ( ص٤) وأكد ان ” الدعوة إلى القومية العربية… دعوة باطلة وخطأ عظيم ومنكر ظاهر وجاهلية نكراء وكيد سافر للإسلام وأهله” (ص١٣) وانها ” معول غربي استعماري ” ( ص١٦) من دون أن يوجه نقدا واحدا للولايات المتحدة رغم الدور الذي تلعبه في بلاده، ويصف اللغة العامية التي يتكلمها الشعب” لغة الرعاع ” ( ص٦٦).
رابعا، تقترن الثقافة الدينية الرسمية بالثقافة السائدة وتتكامل وحدوية الله مع وحدوية الأب في العائلة ووحدوية الحاكم في النظام السياسي . وقد وجد د. حليم بركات في دراسة ميدانية حول الاتجاهات السياسية بين الشباب في لبنان ان الولاء للعائله والولاء للدين لا يشكلان مرحلتين في تطور الوعي الإنساني . على العكس ، يتكامل الولاءان ويؤلفان جزءا لا يتجزأ من الوعي التقليدي بجميع أبعاده. أظهرت النتائج انه كلما ازداد الاغتراب عن العائلة إزداد الاغتراب عن الدين، وبقدر ما إزداد التدين والولاء الطائفي . وبين اهم أوجه التكامل ما توصلنا إليه من وجود تشابه بين صورة الأب وصورة الله في اذهان المؤمنين من مختلف الأديان، وتحول الدين إلى طائفة، التي هي قبيلة ((3).
يتبع
(1) ابن عبد ربه، العقد الفريد، الجزء الأول، كتاب اللؤلؤة في السلطان.
(2) الشيخ عبد العزيز بن باز، نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع، المكتب الإسلامي ١٩٨٣.
(3) د. حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، ١٩٨٤، ص٢٣٢ و ص٢٢٤، ص ٢٥٣.
2025 /02 /11