ترامب يستعدي الحلفاء بدبلوماسية الكاوبوي!

ترامب يستعدي الحلفاء بدبلوماسية الكاوبوي!
د. عبد الله خليفة الشايجي
لا يمكن وصف تصريحات وتصعيد وقرارات وانتقادات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شهره الأول إلا بكونها مستفزة ومتحدية، وخطيرة باستعداء الجيران والحلفاء.
تكمن خطورة عودة ترامب على الداخل مسلحا بقناعته بفائض شرعية وتفويض بسيطرته وحزبه الجمهوري على أركان النظام السياسي: البيت الأبيض والكونغرس والمحكمة العليا، وتصميمه تفكيك وإخضاع الدولة العميقة التي ناصبته العداء ولاحقته، والنظام القضائي الأمريكي بمختلف مستوياته الذي وجه 34 تهمة جنائية بحقه.
ينفذ ترامب انتقامه بتعيينات مسيسة للموالين له شخصيا في مناصب وزارية مهمة ومدراء لوكالات تنفيذية مهمة، بتقديم الولاء والطاعة والإيديولوجية على الخبرة والمهنية والحياد وعلى رأسهم وزيرة العدل ومدير مكتب التحقيق الفيدرالي ووزير الدفاع ووزير الخارجية وتعيين إيلون ماسك أغنى رجل في العالم مسؤولا لوكالة الكفاءة الحكومية لتقليص وترشيق الحكومة، بطرد عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين بمن فيهم ناخبون موالون وصوتوا له في انتخابات الرئاسة. ما يجمع الوزراء ومدراء الوكالات الفيدرالية الحكومية الولاء الأعمى، ليكونوا أدواته الضاربة لتنفيذ أجندته والانتقام وتفكيك وتطويع النظام السياسي وضرب خصومه.
بسبب نزعة ترامب بتمكينه إيلون ماسك تنفيذ خطط تقليص حجم الحكومة وفصل عشرات آلاف الموظفين الفيدراليين، تراجع الرضى الشعبي عن ترامب بنسبة 5 في المئة في شهره الأول. ويرى 60 في المئة من المستطلعة آراؤهم حسب سي إن إن، أن ترامب لا يولي أولوية لتحقيق وعوده. بينما أعرب 60 في المئة عن قلقهم، من طرد الموظفين الفيدراليين والسماح لماسك بالاطلاع على سجلاتهم!
وبرغم ذلك يؤمن ترامب أنه سيعيد العظمة لأمريكا ـ وفي عهده ستشهد أمريكا «عصرها الذهبي». وسينجح بانتزاع صفقات مهمة يعزز مكانة ومصالح الولايات المتحدة، وذلك لقناعته بمهاراته بعقد اتفاقيات وصفقات ويعزز مكانته وتميزه بأنه رجل الصفقات الأول.
خارجياً: يكرر ترامب مطالبه بضم كندا وجعلها الولاية 51، ويتوسع بتهديداته غير الواقعية بالاستحواذ على جزيرة غرينلاند من حليف الناتو الدانمارك، واستعادة قناة بنما من جمهورية بنما، وامتلاك قطاع غزة وتهجير سكانه، ويغيّر اسم خليج المكسيك لـ«خليج أمريكا»!!
ليس بدبلوماسية الكاوبوي واستعراض العضلات والتصعيد والابتزاز والاستفزاز يتم التعامل مع الحلفاء، ولا يستحق الحلفاء التعامل معهم باستفزاز
ويقرّع ويهدد زيلينسكي رئيس أوكرانيا، بعدما ساعدت إدارة بايدن أوكرانيا بـ 65.9 مليار دولار منذ غزو روسيا-بوتين قبل ثلاث سنوات. وطالب وهدد ترامب الرئيس الأوكراني بالتوقيع على وثيقة يسلم فيها نصف ثروة أوكرانيا من الموارد الطبيعية النادرة التي تقدر قيمتها بـ500 مليار دولار. وهاجم ترامب بأسلوب مستفز ومهين زيلينسكي، بوصفه بالكوميدي المتواضع، و«الديكتاتور»!! وحتى تبنى ترامب موقف روسيا ضد أوكرانيا. والتفاوض مع بوتين دون مشاركة أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين. وفي تناقض واضح، ورغم اعتراف ترامب أن بوتين بدأ الحرب، إلا أنه يحمّل زيلينسكي وبايدن مسؤولية استمرار الحرب التي تنهي عامها الثالث.
وينتقد نائبه فانس ـ الحلفاء الأوروبيين في مؤتمر ميونيخ الأمني هذا الشهر لتخليهم عن القيم المشتركة ومنع الأحزاب اليمينية كما في ألمانيا «حزب ألمانيا البديل» بطرح نازي، في الانتخابات التي جرت أمس المشاركة في الحكومات الألمانية ولفشلهم بوقف الحرب في أوكرانيا. وهكذا يدعم ترامب وإدارته تعزيز قوة ووجود أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي في حكومات هنغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا وإيطاليا وفنلندا!
لكن ذلك يتحقق بكلفة كبيرة على حساب ثقة الحلفاء بالحليف الأمريكي بتهديد واستفزاز وتهجم ترامب على الحلفاء الغربيين من كندا إلى دول الناتو وصلت لانتقاد قيم الغربيين على لسان نائبه فانس والتهديد بفرض رسوم جمركية على بضائعهم والبضائع الصينية.
نعلم منذ عقود أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط تدار بما يخدم مصالح إسرائيل وبتأثير كبير من اللوبي الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ الصهيوني باللجنة الأمريكية ـ الإسرائيلية أو لوبي إيباك.
بات نهج تعامل ترامب مع الحلفاء معروفاً. يصعّد ويرفع السقف ويقدم شطحات متشددة ثم يتراجع تكتيكياًّ! آخر تراجعات ترامب ـ بعد مطالبته بامتلاك قطاع غزة-وتهجير سكانه دون استخدام القوات الأمريكية، وبعد الرفض العربي وخاصة من مصر والأردن والسعودية والدول الخليجية والعربية والحلفاء في أوروبا والصين وروسيا ليتراجع ترامب عن مقترحه الصادم والمستفز، ويدعي قبل أيام أن مقترحه «جيد ولكنني سأكتفي بالتوصية ولن أفرضها»
وكذلك أجّل فرض رسوم جمركية على بضائع الحلفاء والجيران: كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والصين ـ بعد التهديد بالمعاملة بالمثل بفرض رسوم مماثلة على البضائع الأمريكية. وطالب ترامب بانضمام كندا وبعد التصعيد والرفض تراجع حماسه.
ليس بدبلوماسية الكاوبوي واستعراض العضلات والتصعيد والابتزاز والاستفزاز يتم التعامل مع الحلفاء، ولا يستحق الحلفاء التعامل معهم باستفزاز. خاصة أن الولايات المتحدة من شكلت وقادت النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وإبان الحرب الباردة منذ عام 1945 على مدى ثمانين عاماً. ليصل الأمر بالأوروبيين للاقتناع بأن التحالف الأوروبي-الأمريكي وصل إلى نهايته. ومطالبة الرئيس الفرنسي الذي دعا واستضاف قمة أوروبية مصغرةـ الأوروبيين بالاعتماد على أنفسهم وتشكيل جيش أوروبي موحد!! وعنونت مجلة الإيكونومست وبصورة معبرة على غلاف عددها الأخير: «أوروبا والكابوس الأسوأ» وكيف تتعامل أوروبا مع ترامب وبوتين اللذين يفككان نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية؟
لا شك أن تصريحات ومواقف وسلوك ترامب وتعامله بغطرسة وإلقاء محاضرات وتقريع الحلفاء المقربين وتذبذبه وتراجعه، يربك ويقلق حلفاء الولايات المتحدة عامة، وفي منطقتنا أيضاً ليتداعوا لعقد قمة عربية طارئة. وهذا يعمق تراجع الثقة والتعويل على الحليف الأمريكي، لصعوبة تقلب وتوقع مواقفه، خاصة في أوقات الأزمات والتهديدات.
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت