ثقافة وفنون

فيلم «جبل موسى» للمغربي إدريس المريني: من الرواية إلى السينما

فيلم «جبل موسى» للمغربي إدريس المريني: من الرواية إلى السينما

عبد العزيز بنعبو

الرباط   كانت الصدفة مدهشة عندما احتضن مجمع ثقافي يدعى «الأشجار العالية» عرض فيلم «جبل موسى»، كما لو كان لقاء قمة في مدينة أطلسية هي بني ملال (وسط المغرب) حيث أقيم لقاء فني مع المخرج إدريس المريني، إلى جانب عرض أحدث إنجازاته السينمائية. بعد أن كانت المدينة ذاتها فضاء لتصوير أول أفلامه السينمائية، ويتعلق الأمر بفيلم «بامو» إنتاج سنة 1983 عن مقاومة المستعمر الفرنسي.
اللقاء الاحتفالي بالمخرج إدريس المريني وفيلمه «جبل موسى» نظمه مختبر الأبحاث في الأدب واللغة والفن والتمثلات الثقافية، في جامعة السلطان مولاي سليمان، وتواصلت فعالياته طيلة يوم كامل، اختتم بعرض ومناقشة الفيلم بحضور مخرجه وطاقمه الفني والتقني.
منذ تاريخ إنتاجه وعرضه في عام 2022، ما زال فيلم «جبل موسى» يثير شهية النقاد، ويغري المنتديات ليكون محورها، خاصة أنه نال من التتويج ما يكفي لجعله مميزا قلبا وقالبا، بعد أن جمع ممثلات وممثلين من الصف الأول للتشخيص أمثال، يونس بواب، عبد النبي البنيوي، حسن فولان، عبد اللطيف الشكرة، عمر العزوزي، والممثلات السعدية أزكون، سهام آسيف، هاجر بوزاويت، فايزة يحياوي. الحفاوة «النخوبية» إن جاز التعبير في المنتديات والجامعات والمهرجانات المتخصصة في سينما المؤلف، لم يكن لها انعكاس على الإقبال الجماهيري في شباك التذاكر مثلا، لذلك سألنا المخرج المريني عن استقبال الجمهور لأحدث أفلامه؛ ليؤكد «بصراحة لم يستقبل شريطي السينمائي من طرف الجمهور في القاعات السينمائية، كما استقبلت به في الفترة نفسها أفلام الكوميديا المغربية». ويقول المخرج لـ»القدس العربي»، «هذا كان متوقعا، لأن الفيلم يطرح قضايا عميقة ورحلة من الشك إلى اليقين والبحث عن الحكمة والمحبة ومواجهة التطرف»، ولم يخف سروره وابتهاجه «بالحظوة والطلب الكبير اللذين لقيهما الفيلم من طرف عدد كبير من الجامعات المغربية لعرضه ومناقشته أمام الطلبة والأساتذة، كما لاقى الفيلم تفاعلا إيجابيا من الجمهور خلال عروضه في المهرجانات السينمائية وحظي بجوائز، سواء داخل المغرب أو خارجه».

إدريس المريني

الفيلم الذي اعتبره النقاد «نقلة نوعية في جرأة تناول المخرج لقضايا مسكوت عنها في السينما المغربية مثل الإيمان والإلحاد ومساءلة الوجود»، هو مقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب عبد الرحيم بهير.
ويقول المريني إنه «ثاني فيلم مقتبس عن عمل روائي بعد رواية «بامو» للمرحوم أحمد زياد»، مشددا على أن شغفه «بالأدب وبالرواية بصفة خاصة جعلني أختار من بين ما أقرأ ما يناسب أفكاري واعتقاداتي، وبالتالي فإنني سعيت من خلال هذا الاقتباس، لاختزال مشاعر الحب والصداقة والإثارة، وإيصال أفكاري ورؤيتي السينمائية». ويعترف المخرج بأنه «لا يمكن كتابة سيناريو بالدرجة التي أقتبس منه الرواية لأنها أصلا غنية بالمشاهد والخيال والمفاجآت والمواقف الدرامية»، لذلك «فمن خلال هذا العمل»، يقول المريني إنه سعى «إلى تقديم رؤية سينمائية تعكس عمق الأدب المغربي، معتبرا أن التعامل مع الرواية كان جسرا أساسيا لإيصال أفكار فلسفية وإنسانية تتعلق بالوجود والعلاقات الإنسانية». وفي رأيه فإن «هذا التوجه يعكس الاهتمام بتقديم أعمال سينمائية تستند إلى نصوص أدبية مغربية، بهدف إثراء المحتوى الفني وتقديم تجارب بصرية مميزة».
يبدو فيلم «جبل موسى» مليئا بالثقة في العلاقات الإنسانية في وقت دمرت فيه مواقع التواصل الاجتماعي جزءا كبيرا منها، لأنه يركز «على العلاقات الإنسانية العميقة، مسلطا الضوء على الصداقة والتواصل الحقيقي بين صديقين يفرق بينهما كل شيء، ويجمع بينهما ولع الفلسفة وحب الحياة»، يقول المريني. ويتابع موضحا أنه حاول أن يقدم «من خلال هذا العمل رسالة سينمائية تتعلق بخلق الإثارة والفضول عبر علاقات الحب والصداقة، نشأتها ومراحل تطورها، كما يناقش الفيلم المحظور ويكشف الغامض ويجادل الغيبي دون أحكام قيمة؛ ما يعكس الإيمان بأن الإنسان وجوهره هما الأساس في العلاقات الإنسانية.
أمام هذا الكم من التفسيرات والتأويلات واللقاءات المتماهية مع ثيمة الفيلم، سألنا إدريس المريني ببساطة، ماذا تريد أن تقول من خلال هذا الفيلم، ليؤكد أنه يمثل تحديا شخصيا له، «حيث سعيت من خلاله إلى اختبار إمكانياتي وقدراتي في تقديم رؤى سينمائية مختلفة». وحدد المتحدث هدفه في تنويع مسيرته الفنية، وتجربة أفلام جديدة ومتنوعة من حيث المواضيع، ليتقاسمها مع الجمهور، مع التأكيد على أهمية تقديم أعمال تلامس قضايا مجتمعية وفكرية عميقة. وفي رأيه، فإن «هذه المتعة التي أحظى بها أثناء إنجاز هذه الأعمال الإبداعية، والتي أشاركها مع الجمهور وتحظى بالقبول في المهرجانات الدولية، لم تكن لتتحقق لولا الدعم الفعّال من وزارة الاتصال، والمركز السينمائي المغربي، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون المغربية».
يشار إلى أن فيلم «جبل موسى»، هو خامس فيلم سينمائي طويل للمخرج المريني، بعد «بامو» (فيلم تاريخي)، و»العربي» (عن أسطورة كرة القدم الحاج العربي بنمبارك)، و»عايدة» (محوره القيم النبيلة للمملكة المغربية من تسامح وتعايش مشترك)، و»لحنش» (كوميديا ساخرة).

ـ «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب