ثقافة وفنون

لا أتحدث مع أحد مُذ قُتِلتُ

لا أتحدث مع أحد مُذ قُتِلتُ

إبراهيم نصر الله

– هل مِتَّ قبلي؟
– أنا مِتُّ بعدكَ.
– جرحُكَ هذا؟
– لا، إنها خطاي في الهواء.
– وتلك ضحكتك؟
– لا تلك ابتسامة أمّي حين أخبرها جارنا إنني لم أمُتْ.
– قدماكَ هاتان؟
– لا أعرف.. ربما. الليل كان حالكًا والقصف مفاجئًا
والعالم كلّه اختبأ تحت السرير
والسرير اختبأ تحت الرّكام..
كيف سأعرف قدمَيّ إذن، ما دمتُ فقدتُ الحذاء؟
– لماذا تسألني؟
– لا أسألكَ.. أسأل الليل، ولكن من يعرف، ربما أسأل نفسي
فأمي لم تعد تكلمني
أخاف أن أنظر خلفي وأرى ابتسامتها التي رأيتها في الصباح دمعةً الآن.
– مثل نورس لم يعد يستطيع رؤية البحر أنت تبدو..
في أي مدرسة كنتَ؟
– أنا؟ أنا لا أتذكر.
– في أي صف؟
– أنا؟ لا أتذكر.
قبل شهور طويلة قرأنا مع المُعلِّم
«أخي جاوز الظالمون المدى»
– أيّ أخ كان المعلمُ يقصدُ؟
– لا أعرف، فأنا لم يعد لي إخوة هناك..
ربما سبقوني إلى الله.
– استشهدوا قبلكَ؟
– بعدي بيومين.. لكنهم وصلوا إلى السماء قبلي
كانوا خفيفين أكثر
بلا رؤوس وبلا أرجُل وبلا يدين..
كانوا رمادًا، فهمتْ؟
– فهمتُ.

2
وأنتَ، أعنيكَ أنتَ الذي هناك
– أنا لا أتحدث مع أحد مُذ قُتِلتُ
– لا تحدِّثْني إذن، قل لي ما اسمك لا غير.
– لا أتذكّر.. اسمي ظلَّ هناك.
– إذا كنت بحاجة إليه سأعود وأحضره لكَ إن كان ذلك يجعلك تتحدّث معي.
– لقد اختلطت الأسماء كالأشلاء هناك، ألا تتذكّر؟
– لا، لا أتذكّر غير هذا الذي في يدي.
– في يدكَ؟
– أجل في يدي، ألا ترى الكمان؟
– أنا لا أرى غير يدٍ بثلاث أصابع.
– كأنني فقدت الكمان هناك!
– عازفًا كنت؟
– لا، ولكنني أحببتُ كثيرًا نشيد «موطني موطني»
نشيد كهذا، قلت لأبي، على من يغنيه أن يعزفه بنفسه.
أبي أحبَّ كثيرًا ما قلتُ فاشترى لي الكمان.
– وأين أبوك؟
– أبي لم يزل مثل طائر على الشجرة
يغني بصوتي: «موطني موطني»
لكنه لم ينتبه بعد أن الشجرة احترقتْ.
– هل تريد أن نعودَ ونُحضره؟
-الكمان أم أبي؟
– أباك.
– لا، بالطبع.. فالشجرة التي كانت أطول منّا منذ ولِدْنا
سبقتْنا وصعدت به لتكون قبلنا بين يدي الله.
– أنت مُتعَب قليلا؟
– بل كثيرًا.
– لماذا؟ أنت لم تُقْتَل أكثر منّي، أليس كذلك؟
– أنا لم أُقتل بعدُ.. أنظرْ إليّ جيدًا سترى..
لا جراح في جسدي، وصوتي واضح.
– ماذا؟ أنا لا أسمعك.
– لأنك بلا رأس.
– كيف أسألك إذن؟
– لا أعرف.
– هناك طفلة تبكي خلفك لا أسمعها.
– أتعرفها؟
– لا لا أعرفها، ولكن دمعتها ليست غريبةً عليَّ
– هل رأيتَ غزة تصعد معنا؟
– لا، هي لم تزل هناك.
– بعد 600 يوم لم
تزل السماء بعيدة، بعيدة جدًا، أليس كذلك؟
– تريدنا أن نعود؟
– أظنّ أن علينا أن نفعل هذا.
– لماذا؟
– لأن غزة أقرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب