بعد “لاهاي” و118 يوماً على الحرب “القمح مقابل الفيتو والذبح”.. وإسرائيل: لم نحقق هدفاً.. ويد حماس ما زالت العليا
بعد “لاهاي” و118 يوماً على الحرب “القمح مقابل الفيتو والذبح”.. وإسرائيل: لم نحقق هدفاً.. ويد حماس ما زالت العليا
في منتصف الأسبوع فوجئت حماس بإيجاد الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع مرة أخرى. فبعد اعتقادها بأنه قسم من الحرب بات خلفها، كشفت قوات مشاة (لواء الناحل) ومدرعات (لواء 401) في حي صبرا والرمال وفي أطراف الشاطئ أيضاً.
هذا جزء من المرحلة الثالثة من الحرب الذي يغير فيه الجيش شكل عمله وينتقل من معركة مكثفة بقوات غفيرة، إلى معركة أكثر تركيزاً ضد أهداف محددة. تتاح هذه المرحلة بعد أن أنهك الجيش قبلها ألوية وكتائب حماس، وترك على الأرض قوات أصغر وأقل تنظيماً، يمكن التصدي لها بنصف جيش.
هذه العمليات ستستمر لفترات زمنية متغيرة. أحياناً ليلة أو يوم، أحياناً بضعة أيام. سيتقرر هذا حسب الهدف – في الغالب بنى لحماس التحتية التي يتطلب الأمر ضربها. يخطط الجيش للعمل في هذه الصيغة في المستقبل المنظور، أشهراً وربما سنين: دخول، وضرب، وخروج. حتى قيام حكم جديد في غزة، أكثر نجاعة وأقل عداء، وحتى ذلك الحين ستتطلع إسرائيل لامتلاكها حرية عمل أمني أقصى مثلما تفعل في الضفة منذ حملة “السور الواقي”.
هذه العملية المحدودة في شمالي القطاع تجري بالتوازي مع المعركة الأكثر كثافة في الجنوب. يكاد الجيش الإسرائيلي ينهي الضربة للواء مدينة خان يونس بكتائبه الأربع. بقيت فلوله فاعلة في مخيم اللاجئين غربي المدينة وجنوبها، وإن كانت نجاعتها محدودة. الحراك المكثف للمدنيين من المدينة (نحو 150 ألف من سكانها نزحوا من أصل نحو ربع مليون) يشهد على أنهم لا يؤمنون بقدرة حماس على حمايتهم. الانتقاد الذي أطلقه بعضهم – بوجه مكشوف، في وسائل الإعلام – يدل على أن اليأس يفوق الخوف عندهم.
كما أن الجيش الإسرائيلي تباهى هذا الأسبوع بقتله مئات من نشطاء حماس وأسر مئات آخرين نقلوا إلى التحقيق. كما أنه دمر بنى تحتية أرضية عديدة وإن كانت القاعدة السارية هنا ليست ما دمر بل ما تبقى. في هذا الجانب ينبغي الاعتراف: الحرب تجري ببطء. ببطء شديد. معظم البنى التحت أرضية لا تزال فاعلة. ونسبة كبيرة من قوة حماس المقاتلة لم تصب بأذى، أو أصيبت جزئياً فقط وانتقلت إلى “شكل” قتالي آخر، حرب العصابات.
حيال الأهداف الثلاثة المعلنة للحرب (إعادة المخطوفين إلى الديار، وضرب قيادة حماس وتدمير بنى القيادة والتحكم فيها) نجح الجيش في تحقيق أحدها، الثالث، وحتى هذا بشكل محدود. الهدف الأول، المخطوفون، لا يزال بعيداً؛ مع أن الاتصالات تجري لكن أمامنا قرارات صعبة. ستكون الصفقة المقترحة عسيرة على الهضم من حيث عدد السجناء الذين ستحررهم إسرائيل، مدة وقف النار، خصوصاً أن بعدها سيبقي معظم المخطوفين في غزة، وذلك دون الدخول إلى الدوامة السياسية التي ستخلقها الصفقة على خلفية تهديدات وزراء وأحزاب للانسحاب من الائتلاف.
لقد أوضح الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع أنه سيعرف كيف يوقف القتال إذا ما تطلب منه ذلك، وبناء عليه –يستأنفه أيضاً. كان هذا جوابه في تشرين الثاني أيضاً حين تحققت الصفقة السابقة لتحرير المخطوفين. في حينه أيد الجيش الصفقة لعلمه أن لا سبيل فاعلاً آخر لضمان عودة المخطوفين أحياء إلى الديار. في حينه مثلما هو اليوم، أوضح أيضاً بأنه سيكون لوقف النار – وبالتأكيد إذا كان طويلاً – أثمان. وأساساً في قدرة الترميم العسكري لحماس وتأجيل المعركة المخططة في رفح.
الهدف الثاني محبط لآمال إسرائيل جداً. فقد اعترف مصدر رفيع المستوى هذا الأسبوع بأنه كان مقتنعاً في هذا الوقت، بعد أربعة أشهر في الحرب، بأن إسرائيل ستصفي اثنين – ثلاثة على الأقل من مسؤولي المنظمة. أما عملياً فهي لم تقتل أياً منهم، فالسنوار والضيف ومروان عيسى وبضعة مسؤولين كبار آخرين يواصلون العمل في قيادة المنظمة، حتى وإن كان أصعب عليهم بسبب مشاكل الاتصال والسرية، فقد ظل حكمهم متماسكاً. صحيح أن إسرائيل قتلت عشرات القادة في المستويات الوسطى من قيادات الكتائب والسرايا، لكن الضربة لمن هم أكبر منهم صغيرة جداً وتدل على أنه في السباق الذي أداره الطرفان عشية الحرب – حماس كي تعد أماكن اختباء وإسرائيل لتعثر عليها وتستهدفها، كانت يد الأولى هي الأعلى بوضوح.
سيعثر على قيادة حماس في النهاية. قد يحصل هذا اليوم أو بعد شهر أو بعد سنة. كونها أحاطت نفسها بالمخطوفين، فقرارات كيفية العمل سترافقها معاضل أخلاقية وجماهيرية غير بسيطة. القيادة والجمهور سيحتاجان إلى أعصاب من حديد. أثبت الجمهور بأنه ناضج بما يكفي ليواجه الواقع الصعب الذي فرض عليه. أما القيادة فتواصل الغرق في الشقاق السياسي، وربما تفقد الشرعية لقراراتها. كل قرار، بدءاً من صفقة وحتى عملية ستكلف حياة مخطوفين.
لا قتال بدون مساعدات
في هذا الواقع الصعب، برزت نقطة ضوء واحدة هذا الأسبوع: قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعدم إصدار أمر احترازي لوقف القتال، وعملياً أعطى لإسرائيل شرعية لمواصلة المعركة. النقاش المبدئي في دعوى جنوب إفريقيا الهاذية بالإبادة الجماعية في غزة، وإن لم تحسم قانونياً بعد، لكن إسرائيل حررت لمواصلة طريقها بكل معنى الكلمة، حتى وإن دعيت لتحرص أكثر على الشؤون الإنسانية لسكان غزة وعلى لسان منتخبيها.
هاتان المسألتان مهمتان لمواصلة الحرب، والأولى لمنح إسرائيل مزيد من الوقت والشرعية حتى تهزم حماس. الادعاءات والمظاهرات ضد إدخال المساعدات إلى غزة مفهومة، لكن بدون مساعدات لن يستمر القتال. هذا جزء من الصفقة مع الأمريكيين، وخلاصتها – دقيق ووقود مقابل قذائف وفيتو في الأمم المتحدة. ترى واشنطن المعطيات: نحو 30 ألف فلسطيني قتيل ونحو 65 ألف جريح ونحو 1.4 مليون لاجئ يتجمعون الآن في منطقة رفح، ويطلبون من إسرائيل اتخاذ الخطوات المناسبة. الحكومة تتفهم وتقر وعلى عادتها وتتلعثم حين يصل هذا إلى الحاجة لتقول الحقيقة للجمهور الإسرائيلي.
ما يقودنا إلى المسألة الثانية. كلما مرت الأيام، يحرر الكثير من الوزراء أنفسهم من قيود الحرب والوحدة ويعودون إلى السياسة القديمة والسيئة. هذا واضح في كل زاوية، في كل خطاب، في كل زيارة. قلة هم الذين يتسامون ويرون مصلحة الجماعة والمسؤولية الوطنية وفرصة لا تتكرر تلقيناها كي ننهض من اللظى أقوى وأكثر وحدة، لكن لسوء الحظ، كثيرون لا يفهمون هذا. يواصلون ملء البركة بالماء فيغرقوننا جميعاً فيها.
يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 2/2/2024