العالم مرآة القلب: كيف نتخلص من المعاناة ونصل إلى السعادة؟
عاطف محمد عبد المجيد
هذا الكتاب هو العرض الأكثر وضوحا للظواهر الدنيوية للحكمة البوذية المتجاوزة للعالم، وهو ليس مجرد رؤية أو منظور للحكمة، بل هو يحتوي كذلك على الكثير من الأساليب التي ترتبط بشكل وثيق بالحياة الواقعية، ولأنه قادر على تغيير «عقولنا» فهو قادر على تغيير «أفعالنا»، ومن ثَم تغيير «حياتنا». هذا ما نقرؤه في مقدمة كتاب «العَالم مرآة القلب» للكاتب شيويه موه، الصادر عن مجموعة بيت الحكمة للثقافة بترجمة يحيى مختار عن الصينية، وفيها نقرأ كذلك أن من يستوعب هذا الكتاب بشكل فعلي ويتأثر به سيصبح قادرا بحق على التخلص من المعاناة وتحقيق السعادة. الكتاب الذي حمل على غلافه، إلى جوار عنوانه الأساسي، عنوانين فرعيين هما: وصفة لحياة أكثر طمأنينة، وخلاصة الحكمة البوذية، يرى مؤلفه أنه يمثل للذين يعانون من الألم تأثيرا لا يضاهيه أي كتاب آخر، وهو جرعة من ترياق الحكمة في هذا الوقت، الذي تغرق فيه مجتمعاتنا بأكملها في حالة من الضيق والقلق، ذاكرا أن هناك آية في السوترا البوذية تقول: «إذا رغب الشخص في معرفة الحقائق البوذية في الماضي والحاضر والمستقبل، فعليه مراقبة طبيعة العالم الظاهر، لأن كل الأشياء هي صنيعة العقل»، مشيرا إلى أن كثيرا من الأشخاص المحيطين به غيروا حياتهم ومصائرهم بالاعتماد على حكمة هذا الكتاب، ومن بينهم أشخاص يعانون من أمراض قاتلة، ومرضى اكتئاب حاد، ومن فقدوا الرغبة في الحياة بعد وفاة أحبابهم، وأولئك الذين فقدوا الأمل وسئموا من هذا العالم، مؤكدا أن كثيرين من كل هؤلاء ارتقوا بحياتهم من خلال تغيير عقليتهم بعد أن طالعوا أعمال الكاتب، ذاكرا أن بعض أصدقائه كانوا يأملون في أن يُروج للحكمة، التي بإمكانها أن تغير عقل المرء وحياته بصورة عادية خالية من الأشكال الدينية من خلال هذا الكتاب الصغير الذي يمكن أن يساعد الأشخاص، الذين ليس لديهم بالضرورة معتقدات دينية، على التخلص من المعاناة والوصول إلى السعادة.
ما يدعو إليه الكتاب، هو أنه يجب إدراك أن التعلق هو مصدر الألم، فمن دون التعلق لا يوجد ألم، لكن في كثير من الأحيان يكون ما نتعلق به هو في الواقع ليس سوى مجرد مفاهيم وأوهام، كذلك علينا أن ندرك أن كل شيء أمام أعيننا سيختفي في النهاية، وأن ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا سيتحول إلى ذكريات يبتلعها فم كبير يسمى النسيان، وأن الشيء الوحيد الذي يمكننا السيطرة عليه هو عقلنا، فهو الذي يحدد حاضرنا، والشيء الوحيد الذي نستطيع أن نسيطر عليه هو حاضرنا. كما يقر الكاتب هنا أن جوهر العالم هو المعاناة، ولأن الحياة معاناة فنحن بحاجة إلى روح تستطيع أن تجعلنا نحيا في «نعيم»، مشيرا إلى أن نعيم العالم الدنيوي مشروط، بينما نعيم العالم الآخر غير مشروط، ونعيم هذا الأخير هو التخلص من التعلق والوصول إلى التسامي، بعد اكتشاف الحقيقة التي هي مضمون هذا الكتاب الذي يرى فيه أن التغيير شرط أساسي لاستمرارية الحياة، وأن العالم لا يتوقف عندما نكون سعداء، ولن يتوقف كذلك للحظة بسبب معاناتنا، كما يقول إن الخوف من المجهول يرجع تحديدا إلى مقاومة التغيير، كما يذهب إلى القول إن البشر مثيرون للدهشة، لأن معظمهم يرغبون فقط في قبول الجانب الممتع من الأشياء، ودائما ما يتجنبون الجانب غير السار بشكل لا شعوري، لذلك فهم دوما لا يرغبون في تحمّل عواقب اختياراتهم. كذلك يدعو الكاتب قارئ كتابه إلى أن يستشعر العالم والعيش والحياة بقلبه، وعليه أن يتحدث إلى روحه، أن يستخلص أبسط الحقائق من مختلف ظواهر الميلاد والموت، مشيرا إلى أن أكثر الكلمات التي يُساء فهمها في هذا العالم، بخلاف الحب، هي السعادة، وأن كثيرين ممن يعتقدون أنهم يعرفون كيف يكونون سعداء، لا يعرفون ما هي السعادة الحقيقية، إذ يرون أن المتعة التي يشعرون بها عندما تتحقق رغباتهم على أنها سعادة حقيقية، مؤكدا دوما، أنه لا يريد تغيير العالم، ما يريده هو تغيير نفسه فقط، ولا يريد أن ينير العالم، هو فقط يريد أن ينير نفسه، ولا يريد استخدام الأدب لجعل العالم يستمع إليه، ولا يريد استخدام الكتابة للترويج لشيء ما، هو فقط يتحدث مع نفسه في عالم الكلمات، وكل أهدافه أن يحصل على الحرية والسعادة ليس أكثر.
الكاتب الذي يعتنق مبدأ أن كل شيء يمر، وأنه لا شيء يظل إلى الأبد، يقول إنه من المثير للاهتمام هو أننا عندما نتقبل كل أقدارنا برضا، بما فيها تلك الأشياء التي لا يرغب معظمنا في قبولها، سنجد أنه مهما كان حجم الشيء فهو مجرد ذكرى، سواء أكان ذلك هو الشيء نفسه، أم مشاعر الألم والخسارة، فكلها ستمر في النهاية ولن تدوم إلى الأبد، مثلما يطرح هنا عددا من التساؤلات منها، ما هي السعادة الحقيقية؟ وكيف يمكننا معاينة القلب الحقيقي؟ وكم عدد الذين يستطيعون اتخاذ قرار بوعي؟ كذلك يذكر الكاتب أن أجسامنا تتغير باستمرار، وأيضا أفكارنا وعاداتنا بسبب التجارب المختلفة، فنحن لسنا الشخص نفسه الذي كنا عليه أمس، ولا الذي كنا عليه قبل ثانية واحدة، ربما سئمنا من الأشياء التي أحببناها العام الماضي، أو حتى الأشخاص الذين أحببناهم من قبل، سئمنا من طريقة معينة في الحياة، وجهات نظرنا تشبه السحب في السماء يتغير مظهرها باستمرار، مشيرا إلى أن كثيرا من الناس يعيشون تحت تأثير خداع الوهم، لكنهم غالبا لا يعرفون أنهم كذلك، لافتا نظرنا إلى أن الأشخاص المهووسين بالمكاسب والخسائر الشخصية، دائما ما يكونون عُرضة للمشاكل والآلام أكثر من غير الأنانيين، لأن لديهم الكثير من الرغبات التي لا يمكن إشباعها، كما أنهم يهتمون بنظرة الآخرين لهم، وموقف العالم تجاههم، وما إذا كانت جهودهم ستحظى بالتقدير أم لا، كما توصل هنا إلى أن حياتنا وهمٌ عظيم، ومن يدرك هذه النقطة يواجه كل ما في حياته بهدوء، دون أن يحكم عليه بالخير أو بالسوء، ولا بالإعجاب أو الكره، وبعدها سيتذوق كل شيء في حياته، وسيعيش في سلام وسعادة، أو يمكن أن نفعل مثلما فعل الكاتب بأن نعثر على طريقة لخلق قيمة لا تُمحى بمرور الوقت، وإنشاء خلود نسبي وسط الوهم المتغير، متسائلا أليست هذه الحياة سعيدة بما فيه الكفاية؟
في الأخير يقول شيويه موه، إن العطاء هو أعظم الفضائل، والأعمال الصالحة هي سر كسب المال، فهي كالزراعة يجب أن تزرع البذور في الحقل لتُزهر وتؤتي ثمارها، ناصحا قارئه ألا يندم على الماضي، ألا يقلق بشأن المستقبل، أن يتمسك باللحظة الحالية، أن يبذل قصارى جهده لفعل ما يتعين عليه فعله، أن يجلب بعض الأشياء المفيدة للعالم، وما بقي يتركه يجري حسبما قُدّر له، وبهذه الطريقة، يقول الكاتب، سيعيش حياته في أجواء مريحة بشكل طبيعي، مؤكدا ألا شيء في العالم الخارجي يمكن أن يغير شيئا يتعلق بك بشكل جذري، لكن ما يُغيرك هو قلبك الذي حينما يتغير يتغير معه كل شيء، وحينما لا يتغير لا يتغير أي شيء.
كاتب مصري