فورين أفيرز: أفضل طريقة تساعد فيها أمريكا سوريا الجديدة هي سحب قواتها وتخفيف العقوبات
فورين أفيرز: أفضل طريقة تساعد فيها أمريكا سوريا الجديدة هي سحب قواتها وتخفيف العقوبات
إبراهيم درويش
نشرت دورية “فورين أفيرز” مقالًا مشتركًا أعده ستيفن سايمون، الزميل في معهد كوينسي، والأستاذ في كلية دارتموث وجوشوا لانديز، منسق مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، والزميل غير المقيم في معهد كوينسي، قالا فيه إن أفضل طريقة يمكن للولايات المتحدة مساعدة سوريا الجديدة هي خلق الظروف لانسحاب قواتها من الأراضي السورية. فانهيار نظام بشار الأسد المفاجئ، بعد الهجوم الذي شنته “هيئة تحرير الشام” وجماعات متحالفة معها، أدى لفرحة واحتفال السوريين الذين عانوا 13 عامًا من الحرب الأهلية.
وفي الوقت الذي تتشكل فيه الحكومة في دمشق، فإن المراقبين الأجانب والسوريين على حد سواء يشعرون بالقلق من طبيعتها وكيف ستكون حكومة شاملة وممثلة، مهما كانت إسلامية الطابع.
فالحاكم الفعلي للبلاد هو أحمد الشرع، كانت له علاقات مع تنظيم “القاعدة”، رغم تأكيده على نبذ أفكارها، في وقت لا تزال “هيئة تحرير الشام” مصنفة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وهناك مخاوف من أن تؤدي القضايا الخلافية، التي لم تُسوَّ، بين الجماعات الدينية والعرقية إلى عرقلة جهود الشرع توحيد البلاد وتعزيز حكمه.
قد يساعد الانسحاب الأمريكي على تعافي الاقتصاد السوري أيضًا. وسوف تستلزم هذه العملية تسليم السيطرة على حقول النفط للحكومة الجديدة
وعليه، فالخيارات التي ستقوم بها الولايات المتحدة على المدى القريب والمتوسط ستؤثر على قدرة النظام الجديد توسيع سلطته على سوريا وإعادة بنائها.
وفي الوقت الذي تفكر فيه واشنطن بالطرق التي يجب التعاون فيها مع حكومة دمشق، فهناك عدة أسباب تدعو لمنح الحكام الجدد، فضيلة الشك. واحد منها الوضع الاقتصادي الخطير، فنسبة 70% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، كما انخفض الناتج المحلي السوري منذ عام 2011، من 60 مليار دولار في السنة إلى 10 مليارات. وتقدر كلفة إعادة الإعمار بحوالي 400 مليار دولار.
السبب الثاني، هو أن الشرع أظهر قدرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة، فبعد سيطرته على إدلب عام 2017، مضى في بناء شبه دويلة، وطهر صفوف جماعته من المقاتلين الأجانب، وتبنّى أجندة وطنية سورية، ونبذ الأجندة الأيديولوجية لـ “القاعدة” من أجل الحصول على الدعم المالي من تركيا وقطر، وهو ما ساعده للزحف نحو دمشق.
وتواصل الشرع مع الأقليات المسيحية والدرزية، ودعا لتعليم المرأة، ما سهّل وصول المساعدات الإنسانية التي أشرفت عليها منظمات غير حكومية.
أما السبب الثالث والمهم، فهو الهدف النهائي للولايات المتحدة الذي تم تحقيقه، فقد انهار نظام الأسد، وانسحبت القوات الإيرانية والروسية التي قدمت الدعم لنظامه. وبالنسبة لإيران فقد كانت الخسارة ضربة قوية لمحور المقاومة وللممر البري مع لبنان ودعم “حزب الله” بالأسلحة.
وفي الوقت نفسه عملت القوات الأمريكية في شمال- شرق سوريا مع حلفائها الأكراد على إضعاف تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا. وعليه، فلا توجد حاجة ماسة للولايات المتحدة للبقاء في سوريا، أو مواصلة العقوبات الصارمة التي فرضتها على النظام السابق للأسد. وإن أفضل ما تتطلع إليه دول الجوار السوري دولة موحدة ومتماسكة، وتستطيع التفاوض والالتزام بالاتفاقيات الدبلوماسية وتنفيذها بشكل يدعم الاستقرار الإقليمي.
والخيار الآخر هو سوريا ضعيفة تعاني من النزاعات، وهي نتيجة تحتاج لبقاء أمريكي طويل ومكلف في المنطقة، وسوريا تخلق مشاكل لتركيا، حليفة أمريكا، وتعرض عمليات إعادة الإعمار الحساسة للخطر، وتخلق بالضرورة، موجة أخرى من الهجرة السورية.
ولتجنب هذا السيناريو، يتعين على الولايات المتحدة أن تمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، ويتعين عليها أن تسحب قواتها من البلاد، ما يسمح لدمشق باستعادة السيطرة على المحافظات الغنية بالنفط والزراعية في شمال- شرق سوريا. إلا أن واشنطن تحتاج أولًا إلى ضمانات بأن الشرع و”هيئة تحرير الشام” لديهما القدرة والإرادة للسيطرة على تنظيم “الدولة”، وأن الحكومة الجديدة ستضمن سلامة وتدمج أكراد سوريا، حتى لو اقتضى الأمر، النأي بنفسها عن أنقرة. وباستخدام النفوذ الأمريكي المتاح، بما في ذلك الالتزام برفع العقوبات، الأمر الذي سيسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا، ويعطي الحكومة القدرة على الوصول إلى النظام المصرفي الدولي، تستطيع واشنطن إقناع حكومة الشرع بأن التعاون لتسهيل رحيل القوات العسكرية الأمريكية هو في مصلحتها.
ويقول الكاتبان إن على الولايات المتحدة التخطيط لسحب ما يقرب من 2,000 جندي أمريكي في سوريا. فقد حقق وجودهم عدة أهداف في بلد عانى من حرب أهلية، منها اعتراض قوافل الدعم الإيرانية لـ “حزب الله” في لبنان، وحرمان نظام الأسد من الاستفادة من منابع النفط، إلى جانب ردع تركيا والجماعات الموالية لها من ضرب الجماعات الكردية المسلحة التي تمتعت بحماية القوات الأمريكية، إلى جانب مواصلة ملاحقة تنظيم “الدولة” ومنعه من إعادة تنظيم نفسه. وهي مهمة أكد البنتاغون على تحققها في عام 2024. وساعدت هذه الجهود على نشوء منطقة حكم شبه ذاتي في شمال- شرق سوريا. وتوجد في المنطقة إلى جانب دير الزور حقول النفط والغاز، والتي سيطرت عليها الولايات المتحدة منذ عام 2019. وهي المنطقة التي يتم فيها اعتقال أكثر من 20,000 من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلى جانب 60,000 من أبنائهم وزوجاتهم.
وبالمحصلة، فقد تحققت معظم أهداف الولايات المتحدة، مثل منع التواصل الإيراني مع لبنان عبر سوريا، وهرب الأسد إلى موسكو، وسُحقت خلافة تنظيم “الدولة”.
والمشكلة الوحيدة التي لا تزال بدون حل هي الأكراد السوريون. ولن يؤثر سحب القوات الأمريكية من سوريا الكثير لتغيير الموقف العسكري العام للولايات المتحدة، لأن الانتشار الحالي في سوريا يمثل جزءًا ضئيلًا جدًا من 614,000 جندي أمريكي في الخدمة الفعلية والاحتياط ومشاة البحرية.
وإذا كانت واشنطن تفضل رؤية سوريا ضعيفة ومنقسمة، فإن قوة قوامها 2,000 جندي هي بلا شك نهج قليل الكلفة للحفاظ عليها على هذا النحو. ولكن إذا كانت تريد أن تكون الحكومة السورية الجديدة قادرة على تخفيف الأزمة الإنسانية الحالية، والسيطرة على حدود البلاد، وبدء عملية إعادة الإعمار، فإن وجود القوات في تحدٍ لرغبات تلك الحكومة أمر غير منتج. وقد يكون الحفاظ على الوضع الراهن أكثر خطورة من الانسحاب.
إن أي محاولة من جانب الحكومة الجديدة لتحدي الوجود الأمريكي المستمر قد تؤدي إلى مقتل جنود أمريكيين، وقد تضطر واشنطن إلى الالتزام بنشر أكبر. وقد تسعى السلطات السورية المحاصرة إلى طلب المساعدة من تركيا أو حتى روسيا، وقد يتبع ذلك تصعيد.
ولكن إذا توصلت واشنطن، بدلًا من ذلك، إلى اتفاق يشمل رحيل القوات الأمريكية، فقد تحصل على تنازلات من الحكومة السورية الجديدة، تسهم في خدمة الأهداف الأمريكية، بما في ذلك أمن الأكراد السوريين.
وقد يساعد الانسحاب الأمريكي على تعافي الاقتصاد السوري أيضًا. وسوف تستلزم هذه العملية تسليم السيطرة على حقول النفط للحكومة الجديدة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الإنتاج، وجني مكافآت اقتصادية فورية.
وقد تجند الولايات المتحدة والسعودية والإمارات العربية المتحدة في الجهود الرامية إلى زيادة إنتاج النفط، وهي الخطوة التي من شأنها أن تعود بالنفع على واشنطن في المفاوضات المستقبلية وتطوير الاقتصاد السوري من خلال توفير فرص عمل ثابتة في قطاع النفط والصناعات الأخرى التي تعتمد عليه، وهو ما قد يغري اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا بالعودة إلى وطنهم.
ويظل مصير الأكراد هو المشكلة الرئيسية في التفاوض على رحيل القوات الأمريكية من سوريا. فبعد انهيار نظام الأسد، رفع الأكراد علم الثورة السورية وطمأنهم الشرع، لكن علاقة “هيئة تحرير الشام” مع أنقرة، والعداء بين الأكراد والعرب قد تكون مصدرًا للمشاكل. ويرى المدافعون عما يُعرف بـ “قوات سوريا الديمقراطية” أن تخلّي الولايات المتحدة عنها سيكون لطخة عار لا تُمحى في سمعة واشنطن، ويضعف ثقة الحلفاء بموثوقية أمريكا، وسيشجع تركيا وبقايا تنظيم “الدولة الإسلامية”.
يرى المدافعون عن “قوات سوريا الديمقراطية” أن تخلّي الولايات المتحدة عنها سيكون لطخة عار لا تُمحى في سمعة واشنطن، ويضعف ثقة الحلفاء
ويظل الرهان الأفضل لواشنطن إقناع أكراد سوريا بالاندماج في سوريا الجديدة، كما دعا الشرع. ويحتاج صناع السياسات الأمريكيون أيضًا إلى إقناع أنقرة بقبول هذه النتيجة. فتركيا تعتبر “قوات سوريا الديمقراطية” منظمة إرهابية متحالفة مع “حزب العمال الكردستاني”، وهي جماعة مسلحة تقاتل تركيا منذ عقود، وقد صنفتها كل من تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
وتؤكد أنقرة أن المسلحين التابعين للجماعتين في شمال سوريا يشكلون تهديدًا لأمنها، ولا يمكن تجاهل هذه المخاوف: فتركيا عضو في حلف الناتو، وبالتالي لديها الحق في المطالبة بدعم الولايات المتحدة. ولهذا فأي انسحاب للقوات الأمريكية لا بدّ أن يتضمن خطة تستفيد من المكاسب الإقليمية التي حققها الأكراد السوريون وسيطرة الولايات المتحدة على حقول النفط في مقابل وعد النظام الجديد بحماية الأكراد في البلاد من أي عمل عسكري تركي. وقد ينص الاتفاق، مثلًا، على انسحاب “قوات سوريا الديمقراطية” إلى المراكز السكانية الكردية والتعاون مع الجيش الوطني السوري، الذي لم يتم تشكيله بعد في المناطق الكردية، وهي إشارة مهمة لحسن النية. وقد تشترط الولايات المتحدة عودة حقول النفط السورية إلى الحكومة في دمشق بإظهار الشرع استعداده لحماية الأكراد السوريين من الهجمات التركية وقدرته على الدفاع عن حقول النفط من هجمات تنظيم “الدولة”. كما يتعين على أنقرة أن تطمئن إلى أن الحكومة السورية الجديدة، ربما بمساعدة جهود الرصد والتحقق المتعددة الأطراف، قادرة على منع المتشددين في أراضيها من تهديد تركيا.
ومع ذلك فخلق الظروف لانسحاب القوات الأمريكية ليس بالمهمة الهينة، فلا تحتاج حكومة الشرع و”هيئة تحرير الشام” إلى تولي الحملة العسكرية ضد تنظيم “الدولة” والتوصل إلى حل مع الأكراد السوريين فقط، بل وربما احتاجت الحكومة الجديدة أيضًا إلى تجنب تحركات الجيران الأقوياء، فضلًا عن مطالب الفصائل المتطرفة داخل سوريا، حتى تفي بمتطلبات واشنطن.
ولتسهيل العملية، تحتاج الولايات المتحدة إلى توفير العون لدمشق، وتخفيف أو إلغاء العقوبات المفروضة على أسرة الأسد، والتي كانت قائمة منذ عام 1979. ولكنها عاقبت السوريين العاديين، الذين يفتقرون إلى الكهرباء والمياه النظيفة وشبكة النقل والرعاية الصحية والتعليم، والقطاع الزراعي العامل والمساعدات الإنسانية في الوقت المناسب. وطالما ظلت العقوبات قائمة، فإن التنمية الاقتصادية والعمالة ستظل متوقفة، ما يقلل من فرص نجاح الحكومة السورية الجديدة ويزيد من احتمالات الاضطرابات العنيفة والتدخل الأجنبي والهجرة الإضافية. وتظل العقوبات على نظام الأسد مختلفة عن العقوبات المفروضة على “هيئة تحرير الشام”. ويجب على واشنطن تجاهل الذين ينادون بمزيد من الضغط أو استخدام العقوبات الموجودة كورقة لتحقيق تنازلات من النظام الجديد. ويعرف الشرع أهمية الدور الأمريكي، ما سيضفي من شرعية على نظامه.
– “القدس العربي”: